هيكل.. قبل أن يهدأ الغبار - محمود عبد الفضيل - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هيكل.. قبل أن يهدأ الغبار

نشر فى : السبت 27 فبراير 2016 - 10:50 م | آخر تحديث : السبت 27 فبراير 2016 - 10:52 م
أثار رحيل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل موجة من المقالات والتعليقات التى تراوحت بين المديح فى معظمها والهجاء فى بعضها، وذلك نظرا للحياة الحافلة للأستاذ هيكل وتجوله بين الصحافة والسياسة. وتهدف هذه المقالة إلى إلقاء نظرة منصفة على مسيرة الأستاذ هيكل فى الحياة السياسية والصحفية.

دخل هيكل عالم الصحافة فى فبراير ١٩٤٢ وسنه لم يتجاوز التاسعة عشر، وكان ذلك فى غمار الحرب العالمية الثانية. وخلال العشر سنوات التى امتدت بين عامى ١٩٤٢ ــ ١٩٥٢. كانت تلك الفترة تموج بالأحداث الجسام: الحرب الكورية، معارك العلمين، حرب فلسطين، الإطاحة بحكم مُصَدق فى إيران، وقد لاحق هيكل كل هذه الأحداث ميدانيا، كذلك عايش فترة التخمر لميلاد ثورة يوليو ١٩٥٢، إذ إنه بدءا من عام ١٩٤٦ تبلورت طليعة جديدة وحركة شعبية واسعة تنتقد الأوضاع القائمة وتطرح أفكارا جديدة للتغيير حول الإصلاح الزراعى والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد واستبداد القصر.

وفى عام ١٩٤٦ أيضا حدثت النقلة الكبرى فى مسار هيكل المهنى بانتقاله إلى دار أخبار اليوم ليعمل فى مجلة آخر ساعة، ونظرا لموهبته الصحفية المميزة تولى رئاسة تحريرها عام ١٩٥٢ وكان أصغر رئيس تحرير لمجلة أسبوعية فى ذلك الوقت.
وعندما قامت ثورة ٢٣ يوليو تابع هيكل الأحداث منذ ليل ٢٢ يوليو، وساعدته معرفته بجمال عبدالناصر أثناء حصار الفالوجة عام ١٩٤٨ على الاقتراب من رجل مصر القوى وأصبح أقرب المقربين إليه. وقد أسند إليه النظام الجديد رئاسة تحرير جريدة الأهرام عام ١٩٥٧، وهى الفترة التى بدأت تتبلور فيها معالم النظام الناصرى بدءا من تأميم قناة السويس فى يوليو عام ١٩٥٦، وغيرها من معارك التحرر والبناء الوطنى. وعندما توفى عبدالناصر فى سبتمبر ١٩٧٠ كان هيكل قد بلغ السابعة والأربعين، وتنبأ كثيرون بأن تلك اللحظة تشكل نهاية أسطورة هيكل كأحد ألمع الصحفيين فى بلاط صاحبة الجلالة نظرا لقربه من الرئيس عبدالناصر وحصوله على معلومات ووثائق لا تتاح عادة لغيره من كبار الصحفيين.

وبعد فترة شهر عسل قصيرة فى ظل رئاسة أنور السادات فاجأ هيكل الجميع بقدرته على الاستمرار ككاتب ومحلل سياسى من طراز خاص بعد خروجه مغضوبا عليه من جريدة الأهرام. وأنجز العديد من الكتب السياسية والوثائقية لعل أهمها من وجهة نظرى:

• أكتوبر ١٩٧٣ السِلاح والسياسة (١٩٨١).

• مدافع آيات الله ــ قصة إعلان الثورة (صدر بالإنجليزية عام ١٩٨٢).

• خريف الغضب (صدر بالإنجليزية عام ١٩٨٣).

• المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (ثلاثة أجزاء).

• العروش والجيوش (جزءان ١٩٩٥).

* * *
وكانت تلك بداية لحقبة جديدة تألق فيها هيكل بعيدا عن السلطة والسلطان. وخلال تلك الفترة التى امتدت حتى عام ٢٠٠٠ استشهد هيكل فى توصيفها بقول السياسى البريطانى المخضرم ونستون تشرشل: «فى تلك الفترة لم أكن أستطيع أن أحلق كنسر فى الفضاء كما أريد، وكذلك لم أرتض أن أكون أحد الببغاوات المحبوسة فى قفص تردد ما لا تؤمن به». (استئذان فى الانصراف، صادر عن دار الشروق، ص ٣٢).

ولكن العلامة الكبرى لجسارة هيكل تبدت فى محاضرته الشهيرة فى الجامعة الأمريكية فى أكتوبر ٢٠٠٢ التى شن فيها هجوما على فكرة التوريث التى بدأ التحضير والترويج لها فى السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك. وكانت تلك المحاضرة علامة مهمة من مقدمات ثورة ٢٥ يناير ضد نظام مبارك الذى زور انتخابات مجلس الشعب عام ٢٠١٠ وأقصى عنه المعارضة ليكون بحق «برلمان التوريث». وتلك مبادرة مهمة تُحسب لهيكل رغم كل ما أحاط كتاباته من انتقادات خلال الفترات السابقة.

ومن الصعب النظر إلى هيكل على إنه مجرد «جورنالجى» كما كان يحب أن يصف نفسه، بل هو فى الحقيقة صاحب رؤية ومشروع، إذ قام بالعديد من المبادرات الخلاقة:

• تأسيس مجلة الأهرام الاقتصادى (أسبوعية)، السياسة الدولية (شهرية)، الطليعة (شهرية، لتكون منبرا لليسار فى مصر).

• تأسيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ليكون عينا على تطورات الصراع العربى – الإسرائيلى.

• تأسيس مجلة وجهات نظر لتكون مجلة شهرية رصينة على غرار New York Review of Books .

• تأسيس مؤسسة هيكل للصحافة لتدريب الصحفيين الناشئين فى كبريات الصحف العالمية.

ولا شك أن هيكل اكتسب من ابتعاده عن السلطة قدرا كبيرا من الاستقلالية والمصداقية، لأن قرب هيكل من السلطة خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى طرحت إشكالية حيادية المثقف القريب من السلطة فى مواقفه وتبريراته، لأنه إذا تأملنا فى مجموعة مقالات «بصراحة» التى نشرت كمقال أسبوعى فى الأهرام نجد أنها يغلب عليها الطابع التبريرى أو «اليومى»، و«الظرفى» حسب تصنيف عالِم التاريخ الفرنسى الكبير فيرناند بروديل. بينما اتسمت كتبه ومقالاته اللاحقة بدءا من النصف الثانى من السبعينيات بقدر كبير من الموضوعية والمصداقية.

وعلى الصعيد الشخصى تمتع هيكل بالقدرة على تطبيق علم الفراسة، إذ كان يجيد تفحص الوجوه وتقييم الإمكانيات المستقبلية للأشخاص الذين يلتقيهم سواء فى إطار المهنة أو فى عالم السياسة، ولذا كان هيكل قادرا على حسن اختيار معاونيه وأصدقائه بدقة قلما تخيب.

***
رحم الله الأستاذ هيكل لينضم إلى كوكبة متميزة من أعلام الصحافة الراحلين فى مصر: فاطمة اليوسف، محمد التابعى، مصطفى وعلى أمين، أحمد بهاء الدين، ومحمد عودة، رغم اختلاف مدارسهم ومشاربهم. فكلٍ منهم أسس مدرسة صحفية متميزة أرست تقاليد مهمة للصحافة والسياسة فى مصر. ولعل رحيل الأستاذ هيكل هو: «استئذان نهائى بالانصراف» عوض الله عنه مصر والصحافة وخالص العزاء لرفيقة دربه السيدة هدايت التى عاشت معه رحلة طويلة مليئة بالتعرجات والهزائم والانتصارات.

أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة
التعليقات