28 فبراير 1922 - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

28 فبراير 1922

نشر فى : الإثنين 27 فبراير 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الإثنين 27 فبراير 2023 - 8:45 م
فى مثل هذا اليوم من عام 1922، أصدرت الحكومة البريطانية، من جانب واحد، ما عرف حينها، بتصريح 28 فبراير. ذلك الذى أعلنه، اللورد ألنبى، قبل أن يقره مجلس عموم بلاده فى 14 مارس من العام ذاته. وبمقتضاه، تم إنهاء الحماية البريطانية على مصر. إذ خاطبت، حكومة ملك بريطانيا، جميع الأمم الحرة، وقتذاك، بمذكرة أكدت من خلالها، اعترافها باستقلال مصر وسيادتها.
نص التصريح، على انتهاء الحماية، التى فرضها الإنجليز على مصر، يوم 18 ديسمبر 1914، واعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة. كما ألغى الأحكام العرفية، المُعلنة فى 24 نوفمبر 1914. وإلى حين إبرام اتفاقات التعاون الثنائى بين الطرفين، منح التصريح بريطانيا تحفظات تخولها الاضطلاع بمهام: تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية فى مصر. الدفاع عن الأخيرة ضد أى اعتداء أو تدخل أجنبى، بالأصالة كان أو بالوكالة. حماية الأقليات والمصالح الأجنبية فى مصر. وإبقاء الوضع فى السودان على ما هو عليه، لجهة حق بريطانيا التصرف فيه.
تمخض التصريح البريطانى، عن تحول مصر من سلطنة إلى مملكة. ففى 15 مارس 1922، قام السلطان فؤاد الأول، بإعلانها «مملكة» مستقلة ذات سيادة. ليصبح اسمه «الملك فؤاد الأول»، ويتغير لقبه، بموجب مرسوم ملكى صدر فى 19 أبريل 1923، إلى «ملك مصر والسودان، وسيد النوبة ودارفور وكردفان». وفى 13 أبريل 1922، أصدر، الملك الجديد، القانون رقم 25 لسنة 1922، الذى وضع نظاما جديدا لوراثة العرش، بحيث ينحصر فى ذريته، بدلا من أكبر أبناء أسرة محمد على. وليغدو نجله، الأمير فاروق، وليا للعهد، بدلا من الأمير، محمد على توفيق. كذلك أنشأ، فؤاد البلاط الملكى، ووزارة الخارجية، والسفارات المصرية حول العالم. وأثناء صياغة دستور 1923، فرض، الملك فؤاد، ذو الميول الاستبدادية السافرة، بندا يخوله حل الحكومة والبرلمان، دونما إعلان للأسباب. وبرغم تحول مصر نظريا إلى ملكية دستورية، منحه دستور1930 سلطات واسعة، حيث تسنى له إصدار تشريعات، وحل البرلمان، ودعوته للانعقاد، فضلا عن التدخل فى الشئون المدنية والعسكرية.
لم يكن تصريح 28 فبراير 1922، هبة مجانية من السلطات البريطانية لشعب مصر، إنما جاء نتاجا لمخاض عسير، وتتويجا لجهاد متواصل من قبل الحركة الوطنية، التى ناضلت لتحرير البلاد والعباد من نير الاحتلال. فعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهزيمة الدولة العثمانية، سقطت فكرة الجامعة الإسلامية، وتولدت بخلد الشعب المصرى قناعة بأنه لم يعد ملزما بقبول السيادة العثمانية. هنالك، برزت فكرة «القومية المصرية»، وتبلورت الحركة الوطنية حول غايتين أساسيتين، هما: إنهاء الاحتلال البريطانى، وإعلان مصر دولة حرة مستقلة. وقد تعلقت آمال المصريين فى بلوغ كلتيهما، بمؤتمر الصلح بباريس يوم 28 يونيو 1919. حينئذ، قبل، عبدالخالق ثروت، تكليف، السلطان فؤاد، له بتشكيل الوزارة، لكن بشروط كان أبرزها: رفض مشروع، اللورد كرزون، إلغاء الحماية البريطانية، الاعتراف باستقلال مصر، إعادة وزارة الخارجية، التى ألغاها الإنجليز عام 1914، عودة التمثيل القنصلى لمصر بالخارج، إنشاء برلمان، وإنهاء الأحكام العرفية. ووفقا للمؤرخ، عبدالرحمن الرافعى، تجاوب، اللورد ألنبى، المندوب البريطانى لدى مصر، مع تلك الشروط، ونجح فى إقناع حكومته بقبولها، ومن ثم إصدار التصريح.
من جانبها، أيدت الحكومة المصرية، وقتها، برئاسة، عبدالخالق ثروت، التصريح، الذى اعتبرته أولى ثمرات ثورة 1919. ورحب به رهط من الحركة الوطنية، أملا فى الولوج بمصر حقبة ليبرالية، تجعل الأمة مصدرا للسلطات، بعد أن تألفت لجنة وضع دستور1923. وحسبما أورد المؤرخ الكبير، عبدالرحمن الرافعى، فى سفره المعنون: «فى أعقاب ثورة 1919»، نقل تصريح 28 فبراير 1922، القضية المصرية خطوة نوعية إلى الأمام. إذ انتزعت مصر، على أثره، اعترافا رسميا صريحا من طرف إنجلترا بالاستقلال. وكما ذكر الكاتب، محمد حماد، فى مؤلفه «قصة الدستور المصرى»، فرغم أن الاستقلال الذى أنتجه التصريح، جاء مقيدا بتحفظات أربعة، إلا أنه جسد استقلالا قانونيا، على الصعيدين المحلى والدولى، حتى لو تبدى صوريا. فلأول مرة، تظهر مصر على خريطة العالم بمسمى «المملكة المصرية»، بدلا من «باشاوية مصر»، مثلما كان الوضع قبل عام 1914، أو «محمية مصر» قبل سنة 1922. وعقب تشكيل حزب «الأحرار الدستوريين»، فى 4 أكتوبر 1922، اعتبر، عدلى يكن، تصريح 28 فبراير، أساسا طيبا للاستقلال. ففى بادرة غير مسبوقة، تم الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة. وارتأى، إسماعيل صدقى، أن حكومة، عبدالخالق ثروت، التى كان أحد وزرائها، حظيت بشرف تدشين استقلال مصر، وتشكيل لجنة لوضع دستور1923، الذى حل محل القانون النظامى رقم 29 لسنة 1913.
أما عميد الأدب العربى، الدكتور، طه حسين، فعلق على التصريح، بالقول: «نحن إذن دولة مستقلة ذات سيادة. وقد اعترف لنا بذلك خصومنا، فيجب أن نبتهج بهذا الاعتراف، ولكن كل شىء لم يتحقق بعد. فيجب أن نزيل هذه القوة المادية غير القانونية، التى تحول بيننا وبين الاستمتاع بالحق. نريد نحن أن نزيلها ويريد الإنجليز أن يكسبوها صفة شرعية، فهذا وحده هو موضع الجهاد بيننا وبين الإنجليز. ولا نطالب بالاستقلال، لأننا نملكه والخصم يعترف به، وإنما نطالب بالجلاء، لأنه شرط لازم ليتحقق الاستقلال فى الواقع».
فى المقلب الآخر، رفض سعد زغلول، وحزب الوفد، التصريح البريطانى أحادى الجانب، كونه لا يمنح مصر الاستقلال الفعلى. بل ووصمه بأنه أكبر نكبة حلت على البلاد. كما وصف لجنة إعداد دستور 1923 بلجنة «الأشقياء». بدوره، أيد الحزب الوطنى موقف، سعد باشا والوفديين. لاسيما أن تصريح 28 فبراير قد حرم مصر من حق تشكيل الجيش الوطنى. حيث أعطت النقطة الثانية فى البند الثالث، بريطانيا حق الدفاع عن مصر ضد أى اعتداءات أو تدخلات خارجية. وحرمتها من إقامة أية علاقات رسمية مستقلة مع الدول الأخرى. كما أسفرالتحفظ الرابع، الذى منح بريطانيا حق التصرف فى السودان، عن فصل الأخيرعن مصر. رغم أنه كان، من الناحية الرسمية، جزءا أصيلا لا يتجزأ، من الدولة المصرية آنذاك.
يروق لمناهضى التصريح، اعتبار تأسيس جبهة وطنية من حزب الوفد وأحزاب أخرى، بقصد التحضير لإبرام معاهدة جديدة مع بريطانيا، خطوة فارقة على طريق استقلال البلاد. كونها قد مهدت السبيل أمام مصر، لنيل عضوية منظمة عصبة الأمم، فى 26 مايو 1937. فلقد تضمنت بنود المعاهدة، التى وقعها النحاس باشا باسم مصر عام 1936: إنهاء الاحتلال البريطانى، وإلغاء الامتيازات الأجنبية، واعتراف بريطانيا بمصر دولة مستقلة. مع احتفاظ الإنجليز ببعض القواعد العسكرية فى منطقة القناة. وقد نصت المادة الثالثة من المعاهدة، على أن « تدعم حكومة بريطانيا مساعى ملك مصر لتقديم طلب انضمامها إلى منظمة عصبة الأمم». وبموجب هذه المعاهدة، حصلت مصر على عضوية العصبة، بوصفها دولة مستقلة ذات سيادة. الأمر الذى اعتبر اعترافا، من لدن المجتمع الدولى باستقلالها. وأثناء أول مشاركة رسمية مصرية فى اجتماعات المنظمة، قال، أنتونى إيدين، وزير خارجية بريطانيا، وقتذاك، على الملأ: «ليس من بين الدول الخمسين الأعضاء فى المنظمة، من ليس مدينا إلى الحضارة المصرية القديمة الراقية».
رغم أنه لم يحقق الاستقلال الكامل والفعلى لمصر، فى زمنه؛ إلا أن تصريح 28 فبراير 1922، كان بمثابة حجر أُلقى فى مياه راكدة، وبارقة أمل مضيئة فى دروب طويلة، حالكة الظلمة، بالغة الوعورة. فلقد أرسى الدعائم القانونية، ووضع المرتكزات السياسية لخطوات لاحقة، أشد وقعا وأمضى أثرا، بهذا المضمار. إذ تم توقيع معاهدة 1936، قبل أن يندلع حراك يوليو 1952، وتبرم الحكومة المنبثقة عنه، اتفاقية الجلاء مع بريطانيا فى 19 أكتوبر 1954، وهى التى أجهزت على ما تبقى من أثر قانونى لسابقتها. كما أتمت مغادرة القوات البريطانية منطقة القناة، وتفكيك معسكراتها وقاعدتها الحربية ببورسعيد، وصولا إلى رحيل آخر جندى إنجليزى عن أرض الوطن، يوم 18يونيو 1956.
التعليقات