جنازة الشيخ سعيد - سيد محمود - بوابة الشروق
الأربعاء 28 مايو 2025 3:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

جنازة الشيخ سعيد

نشر فى : الثلاثاء 27 مايو 2025 - 8:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 27 مايو 2025 - 8:00 م

 

فى مفارقة جديرة بالتأمل، خرج الآلاف قبل أيام لوداع مقرئ القرآن الكريم، السيد سعيد، إلى الدار الآخرة، وذلك على الرغم من أنه لم يكن شهيرًا بالمعايير التى نعرفها، والتى ترتبط دائمًا بمرات الظهور الإعلامى أو بحجم التأثير فى المجال المحيط.

ربما لم يظهر الرجل أبدًا على شاشات التليفزيون، لكن تسجيلاته المتداولة على يوتيوب وبعض شرائط الكاسيت صنعت له شهرة استثنائية فى الدلتا، أصبح معها أحد أشهر الأصوات التى وهبت نفسها للقرآن الكريم.

ورغم الشكوى المتكررة من غياب الأصوات الحُلوة التى تقوم بترتيل وتجويد القرآن، فإن مصر لا تزال تحظى بعدد وافر منها، كما لا تزال أسماء كثيرة تُكلّف بإحياء الليالى الرمضانية فى عدد من العواصم الإسلامية، فى مهامّ أقرب إلى الدبلوماسية الثقافية والروحية.

وفى المقابل، فإن أصواتًا أخرى فقدت تأثيرها بعد أن أثّرت وسائل التواصل الاجتماعى على وقار بعضها.

قبل وفاة الشيخ السيد سعيد بعدة أسابيع، فقد محبّو فنون التلاوة قارئًا كان له تأثير مماثل، لكن فى صعيد مصر، وهو الشيخ عوض الدشناوى، الذى كان من بين قراء القرآن فى مسجد السيدة نفيسة، وكان معتمدًا فى إذاعة القرآن الكريم التى لا تزال تبث تسجيلاته.

لا يدين القارئان المتميزان إلا لبسطاء الناس الذين آمنوا بأصواتهما، وبالموهبة التى استحقّت الدفاع عنها ودعمها بكل صور الدعم، ومن صور ذلك الوداع الكبير.

يدرك العارفون بفنون التلاوة أن العائلات الكبيرة فى قرى مصر ومدنها الصغيرة لا تزال تؤدّى دورًا فى احتضان قراء القرآن ومنشديه، الذين يتخرج أغلبهم من الكتاتيب ومن المعاهد الدينية التابعة للأزهر الشريف.

ولا نحتاج إلى القول إن قراء القرآن الكريم من ثروات مصر الحقيقية التى ينبغى الحفاظ عليها. صحيح أن رمضان الماضى شهد تألق الكثير من الأصوات الشابة التى أضافت إلى ما لدينا من رصيد، لكن هذا لا يمنع من التفكير فى الكيفية التى نضمن من خلالها استمرار هذا التدفق بمنهجية تقوم على أسس سليمة.

تاريخيًّا، ارتبط ظهور أشهر قراء القرآن الكريم، أحمد ندا وعلى محمود، بلحظات المد الوطنى التى سبقت ثورة 1919 فيما عُرف بـ«عصر النهضة»، وكان صوت الشيخ محمد رفعت نفسه من بين مكاسب هذه الثورة، التى كانت بوتقة لصهر المواهب فى مجالات متعددة.

وبالمثل، اكتسب الشيخ مصطفى إسماعيل حضوره العام من وسائل الإتاحة التى توفرت للناس بعد يوليو 1952. وقد جاءت بعد صوته الفريد أصوات أخرى، مثل عبدالباسط عبدالصمد، ومحمد صديق المنشاوى، ومحمود خليل الحصرى، والطبلاوى، حقّقت بفضل تميزها وتنوعها نجاحات كبيرة، خاصة بعد أن يسر لها ظهور الكاسيت فرص الانتشار والذيوع.

المؤكد أن هذا النجاح تأثّر بسبب تدفق أصواتٍ أخرى إلى الأذن المصرية، التى تَحِنّ إلى الأصوات التى تنهل من المقامات وثيقة الصلة بالمزاج المصرى، وتحفظ للقرآن الكريم هيبته ووقاره.

وأتصور أن خروج الناس لوداع الشيخ السيد سعيد مُلهم إلى الدرجة التى تدفع إلى التفكير جديًّا فى تنفيذ اقتراح قديم ألمح إليه الشاعر الكبير إبراهيم داوود فى أحد مقالاته، لتأسيس بيت لفنون التلاوة يستهدف تخريج شباب القراء، وإعدادهم الإعداد الذى يضمن الحفاظ على رصيدنا من الأصوات العذبة التى تُيسر تدبّر القرآن وفهم معانيه.