فيلم هندى - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فيلم هندى

نشر فى : السبت 28 فبراير 2009 - 4:10 م | آخر تحديث : السبت 28 فبراير 2009 - 4:11 م

 لا شىء ينقل الواقع إلى الخيال ويخلع عنه سحره وغموضه كما تفعل السينما.. حين تقتلع من باطن الحقيقة صورة حية، تبذل الجهود المضنية لإخفائها والتستر عليها، بحيث لو انفضح سرها وبانت عيوبها لصارت كارثة تثير السخط والغضب، وتولد موجات عارمة من الثورة على ذلك الذى امتدت يده فرفع الحجاب عن القبح دون استئذان.

وقد شاهدنا فى مصر شيئين من هذا القبيل فى أفلام عكست صورة لما يجرى فى أحزمة العشوائيات التى تحيط بالقاهرة مثل «هى فوضى» و«حين ميسرة»، وهى من الأفلام التى حاولت أن تقدم صورة واقعية لحياة شريحة واسعة من الشعب المصرى فى الأحياء العشوائية المهمشة المحرومة من أبسط الخدمات، والتى يأكلها الفقر وتتآكل فيها القيم الاجتماعية، ولا تختلف عيشة الإنسان فيها عن عيشة الكلاب الضالة.. فأنكرها الكثيرون واتهموا مخرجيها ومنتجيها بالمبالغة والتزييف!

ولكن فيلم «المليونير الفقير» الذى هز العالم، وحصد معظم جوائز الأوسكار ــ وهو فيلم إنجليزى هندى ــ يشبه فى مضمونه أفلام الواقعية المصرية التى أشرنا إليها، ينطلق من الواقع المرير لحياة فقراء المسلمين والهندوس فى الهند، الذين يعيشون فى عشش الصفيح المزدحمة بالأطفال والنساء، تحيط بهم جبال القمامة، ويمتلئ الأفق حولهم بدخان الزبالة المحترقة، ويعبث الأطفال حولها فى المناطق المحيطة بمدينة مومباى تحت رحمة عصابات المجرمين من تجار المخدرات، ودعارة الأطفال، والعصابات المتخصصة فى سرقة الأعضاء وبيعها للأغنياء.

ووسط هذا البؤس المزرى تتاح للطفل «جمال»، الذى رأى مقتل أمه أمامه فى إحدى المصادمات التى تقع بين المسلمين والهندوس، أن يشترك فى مسابقة تليفزيونية على غرار «من يربح المليون».. وهو قد أتيحت له بالرغم من ذلك أن يعمل فى أحد مراكز الاتصالات التى تملأ أرجاء الهند، واستطاع بذكائه الفطرى، ومن خلال تجارب طفولته البائسة وهو ينمو فى قلب هذه الغابة الإنسانية الموحشة المتوحشة، أن يلم بطائفة هائلة من المعلومات.. مكنته من أن يربح المليون.. ويكسر حاجز الفقر إلى الثراء فيما يشبه قصة من قصص ألف ليلة وليلة، التى تلعب فيها الأقدار لعبتها المدهشة.

أثار الفيلم بقصته المأساوية ثائرة الشعب الهندى فى البداية، لأنه قدم للعالم تلك المناظر السوداوية المهينة لكرامة الشعب.. وقد رأى فيه بعض المثقفين الهنود، وكأنه محاولة من المؤسسات العالمية والاستثمارات الاحتكارية التى استغلت أوضاع الفقر والتخلف ورخص الأيدى العاملة، ما يعتبر تبريرا للشعور بالذنب إزاء ما ارتكبته العولمة فى حق الشعب الهندى.

غير أن الجوائز التى حصدها «المليونير الفقير» أو «كلب الأزقة الفقيرة» أعادت للهنود الثقة بأنفسهم، حين رأوا تصفيق العالم لهم.. واعتبروه رمزا لرحلة الصعود الشاقة التى قطعتها الهند من أسفل القاع إلى قمة الدول البازغة.

وحينئذ ينتهى الفيلم بمناظر العمارات الشاهقة والمبانى الأنيقة التى حلت محل المساحات الشاسعة للعشوائيات الغارقة فى القمامة.

والطريف أن الفيلم لم يتكلف غير بضعة ملايين من الجنيهات.. فقد لعب الأطفال أدوارهم الطبيعية كما هى فى الحياة الواقعية.. وكان كل طفل يحصل على 50 روبية كل يوم لقاء دوره.. وحين رأوا أنفسهم على الشاشة فى فيلم يطوف العالم، تحول الحلم إلى واقع يكسب تعاطف الملايين.. إنها قصة هندية بالمعنى الحقيقى.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات