الواقعية السياسية كالمثالية.. يمكنها إنهاء الحروب - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الواقعية السياسية كالمثالية.. يمكنها إنهاء الحروب

نشر فى : الأربعاء 28 ديسمبر 2022 - 8:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 28 ديسمبر 2022 - 8:40 م

نشرت مجلة Foreign Policy مقالا للكاتب ستيفن والت، يقول فيه إنه وإن كانت الواقعية السياسية تؤمن بالفوضى العالمية وأنه بسبب ما تقوم به الدول تزداد احتمالية نشوب الحروب والصراعات، إلا أن السمة اللافتة للنظر هى أن الحروب لها نتائج عكسية على الدولة التى تشنها. وبناء عليه، إذا أدرك الحكام هذه الحقيقة، فسيتراجعون عن خيار الحرب، ولن يكون أمامهم سوى اتخاذ سياسات من شأنها تقليل احتمال نشوب حروب جديدة وإنهاء الحروب القائمة... نعرض من المقال ما يلى:
بما أنه موسم الأعياد، فعادة ما يزداد التفكير فى إحلال السلام، حتى إن الجيوش المتحاربة فى هذا الوقت تعلن وقف إطلاق النار، وفى جميع أنحاء العالم تسعى الجماعات الدينية المختلفة إلى الدعوة للسلام وضرورة الحفاظ عليه باعتباره واجبا مقدسا.
حتى نكون صادقين، 2022 لم يكن عامًا جيدًا للسلام. إذ بالإضافة إلى الحرب الوحشية فى أوكرانيا ــ والتى لا تظهر أى علامات على قرب انتهائها بل قد تزداد سوءًا ــ لا تزال الصراعات العنيفة جارية فى اليمن وميانمار ونيجيريا وإثيوبيا وسوريا والعديد من الأماكن الأخرى. كما لا تزال أقوى دولتين فى العالم، الولايات المتحدة والصين، منقسمتين بشأن مجموعة من القضايا. وبالنظر إلى حالة العالم ورغبة الولايات المتحدة فى أن تظل القوة العالمية الرائدة، فلا ينبغى لأحد أن يندهش من أن مجلس الشيوخ صوت على زيادة بنسبة 8 فى المائة لميزانية الدفاع. حتى الدول ذات الميول السلمية سابقًا مثل ألمانيا واليابان اتخذت خطوات دراماتيكية لإعادة التسلح.
●●●
جوهر المدرسة الواقعية هو أنه فى عالم من البلدان المستقلة بدون سلطة مركزية، فإن احتمالية نشوب الحروب تظل قائمة بسبب الكثير مما تفعله هذه الدول. ومع ذلك، لا يمكن لمن ينتمون للمدرسة الواقعية أن يرفعوا أيديهم ويعلنوا أنه لا يوجد شىء يمكن فعله لوقف نشوب الصراعات. التحدى الحقيقى يكمن فى وضع وتنفيذ سياسات تقلل من مخاطر الحروب الجديدة وتساعد على إنهاء الحروب القائمة.
طبعا مفهوم أنه من السهل بل ومن المنطقى إلقاء اللوم على غطرسة وحماقة الحكام لأنها أدت إلى انتشار الحروب، فربما كان لدى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أسباب مشروعة للقلق بشأن توسع الناتو وتأثيره على أمن روسيا، لكن استجابته لتلك المخاوف تسببت فى مقتل الآلاف من الأبرياء ومعاناة الإنسانية وفى النهاية لن تصبح روسيا لا أقوى ولا أكثر أمانًا. وينطبق الشىء نفسه على تدخل السعودية فى اليمن أو الحملات الوحشية التى فرضها النظام فى إيران والمجلس العسكرى فى ميانمار. لكن قبل أن نجزم بأن الديكتاتورية هى المشكلة، لنتذكر أن الديمقراطيات القوية تستسلم أحيانًا لنفس المزيج من جنون العظمة والغطرسة، كما أظهر الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشينى وأتباعهما فى عام 2003.
صحيح لا نملك صيغة لسلام دائم لكن هناك ملاحظة. السمة اللافتة للنظر فى الحروب الأخيرة هى تكرار نتائجها العكسية على الدول التى تشنها. هاجم الرئيس العراقى السابق صدام حسين إيران وغزا الكويت وخسر الكثير فى المرتين. غزت الولايات المتحدة العراق وأفغانستان وانتهى بها الأمر فى مستنقع باهظ التكلفة، وأدى تدخلها فى ليبيا عام 2011 إلى تحول الأخيرة لدولة فاشلة. أدى التدخل الإسرائيلى فى لبنان إلى احتلال دام 18 عامًا، وهو احتلال لم يكن أفضل من جهود الولايات المتحدة الطويلة فى أفغانستان. أدى هجوم صربيا على كوسوفو فى النهاية إلى اتهام الزعيم الصربى سلوبودان ميلوسيفيتش بمجرم حرب وإزاحته من السلطة. إذن، لا يبدو أن قرار بدء الحرب يؤتى ثماره بشكل جيد للطرف الذى شنها، وإذا كانت حملة إثيوبيا ضد جبهة تحرير شعب تيجراى قد انتهت باتفاقية سلام لصالح الحكومة، إلا أن الحرب شوهت سمعة رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد التى كانت متألقة بشكل كبير وانتهت بحصوله على جائزة نوبل للسلام. يبدو أن الأيام التى يمكن أن تبدأ فيها أى دولة حربًا كبيرة وتحقق مكاسب استراتيجية دراماتيكية ــ كما فعلت اليابان ضد روسيا فى عام 1905 ــ قد ولت!.
رغم هذه الحقيقة، لم تنتهِ الصراعات الدولية، ولم يوضع حد حقيقى للحروب، كما لم تصبح الأخيرة أمرا مشكوكا فيه. لذا، فإن الرسالة الواجب إيصالها إلى كل الحكام والتى تسهم فى تحقيق السلام هى: ضرورة الحفاظ على قوات دفاع يمكنها حماية أراضى الدولة إذا تعرضت للهجوم أو مساعدة الحلفاء إذا حدث شىء مشابه لهم. وفى الوقت نفسه، ضرورة التساؤل عما إذا كانت سياسات الدولة الأمنية، الخارجية والداخلية، قد تتعدى عن غير قصد على المصالح الحيوية لدولة أخرى، إذا كان الأمر كذلك، فلا بد من التفكير فيما إذا كان هناك شىء يمكن القيام به للتخفيف من المشكلة دون المخاطرة طبعا بالأمن القومى. ولا شك أن تطبيق هذه الرسالة بصدق وانفتاح قد يقود للنجاح ويحقق الهدف المرجو.
الأهم من ذلك كله أنه إذا حاول أحد مستشارى الحاكم إقناعه بأنه يمكن حل بعض المشاكل السياسية عن طريق شن حرب، وأن الظروف مثالية، والوقت مناسب، والتكاليف ستكون منخفضة، والمخاطر صغيرة، وحان وقت العمل الآن. إذا حدث هذا، على الحكام قضاء بعض الوقت فى التفكير فى جميع القادة السابقين الذين ذهبوا إلى الحرب واثقين من النصر، بينما كان من الأفضل لهم اختيار السلام بدلا من ذلك، حينها سيردون بكل أدب على نصيحة المستشار طالبين منه رأيًا ثانيًا على الفور.
الخلاصة إذن إننا لسنا مضطرين لأن نكون مثاليين حتى نبتعد عن شن الحرب، يمكننا أن نكون واقعيين وننبذها طالما أدركنا أن نتائجها عكسية على الدولة التى تشنها.
●●●
يعتقد الكثير من الناس أن الاعتماد الاقتصادى المتبادل يعزز السلام بين البلدان وداخلها، وهى فكرة أثبت الغزو الروسى لأوكرانيا شكوكًا بشأنها. لكن قد يكون العكس صحيحًا، بمعنى أن السلام يجعل الاعتماد الاقتصادى أكثر جدوى. بعبارة أوضح، عندما ينخفض خطر الحرب، يمكن للمستثمرين إرسال رءوس أموال بأمان إلى دول أخرى؛ يمكن للدول أن ترحب بالزوار والطلاب الأجانب دون القلق من اكتسابهم المعرفة التى قد تُستخدم لإلحاق الأذى بهم. باختصار، عندما تكون الحرب غير مطروحة على الطاولة، يمكن للمجتمعات أن تكون أكثر انفتاحًا على تبادل الأفكار والدروس من ثقافات مختلفة عن ثقافاتهم.
بينما، مع اشتداد المنافسة بين الدول وتزايد مخاطر الحرب، تنخفض القدرة على التعاون حتى فى الأمور ذات الاهتمام المشترك. فاليوم مثلا، تواجه الإنسانية مجموعة من المشاكل الملحة، بما فى ذلك تغير المناخ والأمراض الوبائية وتدفقات اللاجئين واللاجئات المتزايدة، ولن يكون حل أى منها أمرًا سهلا، ببساطة لأنه كلما زاد عدد الدول التى تتقاتل، أو زاد الوقت والجهد والمال الذى يخصصونه للاستعداد للحرب، كلما كان من الصعب معالجة المشاكل الأخرى.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد

التعليقات