الحركات الاجتماعية بين الحراك والعراك - سمير مرقس - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 2:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحركات الاجتماعية بين الحراك والعراك

نشر فى : الأحد 29 مارس 2009 - 8:46 م | آخر تحديث : الأحد 29 مارس 2009 - 8:46 م

خلصنا فى مقالنا الماضى إلى أن الحالات الاحتجاجية التى شهدتها مصر فى السنوات الخمس الماضية لم تستطع أن تتطور وتنمو كى تبلغ ما يعرف من خلال خبرات المجتمعات الأخرى وما يطلق عليه فى العلم «الحركات الاجتماعية». أى إنها حالات احتجاجية وليست حركات اجتماعية بعد. ربما تتكرر هذه الحالات الاحتجاجية وتتنوع فى أشكالها وهو ما وصفناه بـ«دورات الاحتجاج»مادامت الاختلالات فى المجتمع باقية. ولكن ولأنها لم تتبلور فى تكوينات سياسية ومدنية فى إطار المجال العام توقفت عند حد التحرك على تخوم المجال العام ومن ثم اقتصر أثر هذه الاحتجاجات على أصحابها على المستوى الفئوى والنوعى والمهنى من دون أن يكون له تأثير كبير يدعم التغيير بمعناه الواسع الذى يصب فى تقدم الجماعة الوطنية بما يعود بالفائدة على المواطنين ككل وليس على الجماعات الأولية أو الفئوية كل على حدة بالمنطق «الطوائفى».

ولكى يكون للحالات الاحتجاجية الراهنة أثرها الفعال لإحداث التغيير المرجو لابد من إعادة النظر فى الكيفية التى تتحرك بها. وفى الوقت نفسه مطلوب من السلطة قدر من الانفتاح السياسى العملى فالديمقراطية لا تعنى فقط حرية التعبير والكلام والكتابة وإنما الفعل فى إطار المجال العام السياسى والمدنى بالطرق السلمية والمشروعة وفق المبادئ المدنية المتعارف عليها.. وإلا فإن تكرار دورات الاحتجاج مع الانسداد السياسى سوف ينتج عنه العنف والذى يعنى ضمنا العنف المضاد.. وهو ما نشهده اليوم بدرجة أو أخرى...

وفى هذا السياق، فإن السؤال الذى يفرض نفسه، هل يصب ما نراه من شد وجذب فى دعم الحراك السياسى فى مصر.. واقع الحال أن هذا الشد والجذب يدور فى إطار «العراك» لم يتجاوزه بعد إلى «الحراك» الذى من شأنه تفعيل العملية السياسية.. وتعبير حراك هو تعبير علمى يستخدم فى أدبيات الحركات الاجتماعية الراهنة فى علاقتها بالمواطنة، كما سنشرح.. وأظن أيضا أن تعبير «عراك» يتسق تماما مع ما تشهده مصر من حالات احتجاجية.. كيف؟

من خلال خبرات كثير من المجتمعات الشبيهة بمجتمعاتنا (البرازيل، وجنوب إفريقيا..)، وجد المتابعون أن الحالات الاحتجاجية كلما وقعت فى فخ العراك سواء الداخلى والذى يؤدى إلى انقسامات فكرية وتنظيمية، أو الخارجى بتبنى لغة وأساليب لا ترقى لمستوى العمل السياسى ردا على استفزازات السلطة فى هذا المقام.. وعليه حرمت الحالات الاحتجاجية من الزخم المطلوب الذى يمكنها من التحول لتكون حركة اجتماعية تمثل إضافة نوعية للحراك السياسى.. إن أخطر ما يمكن أن تقع فيه الحالات الاحتجاجية هو العراك الذى فى الأغلب يكون حول ما هو آنى وضيق.. فالاستدراج الواعى أو غير الواعى للحالات الاحتجاجية لكى تنشغل بقضايا الحاضر الصغيرة fight in the present،من جهة، والاستجابة لهذا الاستدراج بسبب الانقسامات الداخلية أو غياب الرؤية الشاملة للتغيير من جهة أخرى، يباعد بينها وبين إمكانية أن تكون حركة اجتماعية فاعلة قادرة على صنع المستقبل من خلال تفعيل المواطنة وتعبئة المواطنين من أجل بناء المستقبل الأفضل Mobilize citizens for future..

وهذا هو بالتحديد الفرق بين «الحراك»و«العراك»، فالعراك يبقى الحالة الاحتجاجية على حالتها ويجعلها لا تدرك ما يطرأ على العالم من مستجدات ولا على الواقع المحلى من متغيرات.. فتتضاءل الطموحات ويقل السقف الاحتجاجى مع الوقت من دون إنجاز ما كانت تنشده الحركة الاحتجاجية... وتصبح الحالة الاحتجاجية رهينة الحاضر وربما مع الوقت يدفعها العراك للعودة إلى الماضى فتسكنه ويسكنها.. هذا على الرغم من أن كثيرا من المراقبين والباحثين فى مجال الحركات الاجتماعية يؤكدون الميزة التى أتاحتها كل من ثورتى الاتصالات والمعلومات فى أن تغذى الحركات الاجتماعية فى كل مكان بعضها البعض وأن تتبادل فيما بينها الخبرات، ليس على المستوى التقنى فقط وإنما على المستويين الرؤيوى والفكرى.. بالإضافة إلى ما تشير إليه كثير من الدراسات على نجاح «التهجين» بين أجندة الحركات الاجتماعية القديمة التى كانت تعنى بقضايا الصراع الطبقى وما يترتب عليها من ظلم وقهر اجتماعى، والنضال من أجل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومواجهة استبداد الدولة.. وأجندة الحركات الاجتماعية الجديدة التى تتعلق بالدفاع عن مستويات معيشية مقبولة ومواجهة القيم الاجتماعية المحافظة التى تحول دون التقدم، وكشف أشكال الهيمنة الجديدة من تحالفات أصحاب المصالح والاتجاهات الدينية، والدفاع عن البيئة ليس من منطلق جمالى فقط ولكن من منطلقات عدة: فلسفية، وسياسية.. إلخ.. لقد أدى هذا التفاعل بين «الأجندتين» القديمة والجديدة للحركات الاجتماعية إلى أن تكتسب أهمية قصوى من خلال ما يلى:

تجديد حيوية العملية السياسية بالأفكار والتكوينات والكوادر الجديدة، تفعيل المجال العام: السياسى والمدنى باعتبارها المساحة الطبيعية التى تجمع كل المواطنين على اختلافهم وليست المجالات الخاصة الأولية (دينية أو عشائرية أو قبلية..) جعل الدولة فى حالة نشطة فلا تتخلى عن أى من أدوارها كما تجتهد فى الاستجابة لكل ما تتعرض له من تحديات، ترويض قوى السوق الشرسة من أجل مجتمع عادل، هذه الأهمية التى اكتسبتها الحركات الاجتماعية تحملها مسئولية كبيرة حيث إنها تناضل فى هذه الحالة نضالا تاريخيا من أجل التغيير وإتاحة فرص متساوية أمام المواطنين على أن يسيطروا على تاريخهم control of historicity بحسب أحد الباحثين وعليه لابد لهذه الحركات من أن تكون واعية بأن دورها أكبر بكثير من الاستغراق فى العراك، أو الاحتجاج الفئوى أو الجزئى الذى لا يتحقق معه أى تغيير..(وحول الوعى بالدور ربما يحتاج الأمر إلى حديث مفصل).

صفوة القول، فإن الاستغراق أو الاستدراج «الإرادى» أو «القسرى» للحركات الاحتجاجية فى «العراك»يحول دون إحداث أى «حراك» سياسى مطلوب لهذا الوطن.. وهو ما يصيب الناس باليأس من جدوى العمل السياسى وفاعلية العملية السياسية وبالتالى عدم الاستجابة للتعبئة السياسية إلا فى حدودها الدنيا:المطالبية والمعيشية والدينية.. وبالتالى صعوبة إحداث أى تغيير سواء على المستوى السياسى العام من خلال الانتخابات المتنوعة (لم تزد نسبة المشاركة السياسية فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية اللتين أجريتا فى 2005 على 23%، ناهيك عن النسبة المتدنية جدا للمشاركة فى انتخابات الشورى والمحليات ).. أو على مستوى الاستجابة للحركات الاحتجاجية والتى باتت تعمل فى الأغلب بمعزل عن بعضها البعض كما تتحرك على أطراف المجال العام السياسى والمدنى..

وبالأخير لا يجد الإنسان (لا المواطن) نفسه إما بعيدا عن أى مشاركة أو منتظم فى «تكوينات أولية» خارج المجال العام متصورا أنها سوف تحقق التغيير.. ولكن يبقى الحال على ما هو عليه. 
 

التعليقات