واقع التربية العربيّة ومُستقبلُها - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

واقع التربية العربيّة ومُستقبلُها

نشر فى : الثلاثاء 29 نوفمبر 2022 - 8:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 نوفمبر 2022 - 8:00 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب أحمد حلوانى تناول فيه أهمية التربية للمجتمع كونها العمود الفقرى لعملية التنمية، مشيرا إلى واقع التربية العربية من ترسيخ لمبادئ الخنوع والاقتصار على التعليم المدرسى دون الربط بواقع المجتمع، مقترحا أهدافا للوصول للتربية بمفهومها المعاصر لاستيعاب متغيرات العصر فى ظل ظاهرة العولمة... نعرض من المقال ما يلى:
يُجمِعُ التربويّون الثقات على أنّ التربية هى مفتاح الحياة اللّازمة للعيش الكريم والتطوُّر العلمى والحضارى؛ وأنّ هذه التربية وفق اليونسكو هى روح النقد والشكّ والاستقلال وتضامُن العلوم والمعارف والمرونة وقيَم الحوار والمسئوليّة والاعتراف بالرأى الآخر.
وعليه فإنّ التربية تشكِّل العمود الفقرى لعمليّة التنمية، والاهتمام بها هو اهتمامٌ دائمٌ ‏ومستمرّ ويشكّل ركيزةً استراتيجيّة فى العمليّة التنمويّة لأى مجتمع من المُجتمعات، بحيث تكون العمليّة التربويّة مواكبة لمختلف التطوّرات والتغيّرات التى يمرّ بها المجتمع والنتائج التى تنجم عنها.
وإذا كانت التربية فى الوطن العربى فى شكلها الحديث قد تأسّست منذ بدايات القرن العشرين على مؤثّرات المجتمع العربى الإسلامى، فإنّ التطوّر العولمى لا بدّ أن يجعل التربية مُواكِبة للعولمة بقيَمها ومفاهيمها الجديدة والمتغيّرة التى يشهدها العالَم والتى أثّرت فى الميادين الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة.
إنّ التربية والمؤسّسات التعليميّة المُختلفة هى الميدان الأهمّ فى استيعاب هذه الظاهرة العولميّة الجديدة ومواجهتها، فهى الجهة التى تتولّى مسئوليّة إعداد الجيل لتحمُّل مسئوليّة التنمية والنهوض والتطوُّر، الأمر الذى يتطلّب التجديد فى الأفكار وتطويرها فى البرامج وتحديثها فى المناهج والأساليب فى مُواجهة تعوْلُم الأسواق والثقافات والمعلومات.
وعليه أيضا فإنّ عمليّة التخطيط التربوى لمدّ المُجتمع العربى بمقوّمات المُواجهة وتحقيق التطوُّر التنموى ونشْر الثقافة المعرفيّة والديمقراطيّة ووقاية المجتمع من التشتُّت والتخبّط فى التعامل مع العولمة الحديثة، هى الكفيلة بتحقيق القوّة البنيويّة للبناء والتفاعُل الحى مع المستجدّات.
• • •
وقبل البدء بالحديث عن أُسس التخطيط التربوى المُقترح، لا بدّ من الحديث عن السمات العامّة للتربية العربيّة التى يلخّصها الدكتور عبدالله عبدالدايم، الأستاذ المؤسِّس لكليّة التربية وعلم التربية فى جامعة دمشق على النحو التالى.
اقتصار الجهود التربويّة أو توجيه معظمها نحو التربية النظاميّة المؤسّساتيّة، وإهمال برامج التربية غير النظاميّة وعائدها الإنمائى.
اتباع استراتيجيّة النموّ الكمّى للتعليم على حساب نوعيّته.
اقتصار التعليم على العمل المدرسى المعزول عن حياة المجتمع وواقعه.
اتباع مناهج رسميّة ومركزيّة جادّة، مع التركيز على استخدام الكُتب المقرَّرة نفسها فى جميع المدارس، وعدم توفير المرونة للمُعلِّم فى اختيار ما هو ملائم لقدرات الطلبة واحتياجاتهم واهتماماتهم.
مُعاناة التربية من إشكاليّة إعادة إنتاج عنصر الأزمة التى يعانى منها الفكر العربى والثقافة العربيّة بسبب الافتقار إلى الفلسفة التربويّة، وضعف التحصيل الدراسى لدى الطلبة.
تركّز معظم الأنظمة التربويّة فى الوطن العربى على تعليم الطلبة النظامَ والطاعة المطلقة، ثمّ القراءة والكتابة عن طريق التعليم وتعليم الطلبة ضرورة المحافظة على قيم ومعايير المجتمع التى من شأنها ترسيخ الوضع القائم.
تقوم فلسفة التربية فى معظم البلدان العربيّة على أساس أنّ التعليم يجب أن يخدم التنمية، بمعنى أن يكون هناك ربطٌ بين مخرجات التعليم وسدّ حاجات المجتمع من الموارد البشريّة، ولذلك يُصبح هدف التعليم الأساسى هو توفير الكوادر للقيام بالوظائف والمِهن التى يحتاجها المجتمع، وبالتالى فإنّ ذلك ينعكس على إهمال التربية لقضيّة الربط بين التعليم والثقافة والمعرفة والفكر ومتطلّبات عمليّة التغيير الاجتماعى.
ما زالت التربية العربيّة بعيدة عن الوظائف الأساسيّة للتربية، وهى الإسهام فى التغيير والتجديد النَّوعى، ونشْر قيَم الديمقراطيّة والعدالة والحريّة والمُساواة والتفكير المستقلّ وحريّة الرأى والتغيير، إذ إنّ التربية العربيّة تسعى إلى التركيز على الطاعة المُطلقة، والمحافظة على ما هو قائم مع قليلٍ من التغيير. ويضيف د. عبدالدائم فى وصف حالة التربية العربيّة قائلا: وفى ظلّ هذه الظروف تتحوّل المدرسة إلى مجتمعٍ أبويّ يشبه إلى حدٍّ كبير مجتمع العائلة التقليدى، حيث يسود احترام السلطة الهرميّة، الأمر الذى يؤدّى إلى تفشّى أخلاق الطاعة والخضوع، وإيثار التقليد على التجديد ويؤدّى إلى إصابة المجتمع بالعجز عن دخول الثورة العلميّة والمُشاركة الخلاّقة فيها.
• • •
ويُفصّل د. عبدالدايم عناصر امتلاك الاستعداد للتعامل مع المستقبل بالشكل الآتى:
التركيز على التعليم الذاتى، كونه أبرز عنصر من عناصر تربية المستقبل، وفى هذا السياق لا بدّ من التأكيد على ضرورة أن يكون الإنسان قابلا لأن يتعلّم لا إنسانا متعلّما فحسب، يجب أن يتمّ إعداد إنسان يملك الأدوات والمعارف والمهارات اللّازمة كى يزداد علما وقدرة على مواجهة كلّ جديد، وخصوصا بعد انتشار الحاسوب والإنترنت وسائر وسائل المعرفة والإعلام والاتّصال.
الاهتمام بموضوع التربية المستمرّة الدائمة طوال الحياة، حيث إنّها عنصر مهمّ من عناصر التربية المستقبليّة، وهو مرتبط بعنصر التعليم الذاتى ويكمّله. ومن أهمّ فضائل التربية المستمرّة وما تشتمل عليه من تدريبٍ وتجديدٍ للتدريب، أنّها يُمكن أن تكون أفضل الحلول لتحقيق التوافق بين حاجات سوق العمل وهى متغيّرة بسرعة، وبين مخرجات النظام التربوى التى كثيرا ما يتقادم عليها الزمن ويُبطلها التطوّر السريع لأدوات الإنتاج وتغيّراتها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاهتمام بالتربية المستمرّة ونشْرها وإتقانها من شأنه أن يساعد على إعادة النظر فى المدرسة النظاميّة من حيث المناهج والبيئة وعدد سنوات الدراسة.
الاهتمام بتكوين المواقف والاتّجاهات النفسيّة والمهارات التى لا بدّ منها للتكيُّف مع أيّ طارئ جديد فى شكل العمل أو أدواته أو مستلزماته فى المستقبل، وهذا هو العنصر الثالث من عناصر التربية المفتوحة على المستقبل.
ولا بدّ من التأكيد على أنّ مقوّمات التربية المعاصرة هو القدرة على استشراف المستقبل الذى نشأت له علوم جديدة سُمّيت بعلوم المستقبليّات، وهو ما يجب أن نُمكّن جيلنا الجديد من امتلاك مقوّماته وتحليلاته والتنبّؤ العلمى به.
‏ويُمكن تحديد الأهداف التى يتوجّب التركيز عليها فى هذا المجال بالنقاط التالية:
إيجاد حالة من التوازن بين العقائد الدينيّة ومستلزمات التفكير العلمى من منطلق أنّ جميع المشكلات التى واجهها المجتمع والطبيعة بشكلٍ عامّ لها أسبابها الماديّة التى تخضع فى جلّها إلى منطق العِلم فى إطار الأخلاق الأساسيّة والمتوافقة مع روح الديانات.
الابتعاد عن أسلوب التلقين فى المعلومات وحفْظها ببّغاويّا المؤدّى إلى قتلِ الإبداع.
بلْورة عادة التسامح فى حلّ المشكلات والعمل على تربية الفكر الديمقراطى بقبول الآخر بآرائه المُختلفة، واستنكار التعصُّب الذى يزيد من حالة التوتُّر والانقسام.
أمّا موضوع المساواة بين الرجل والمرأة فتتحمّل التربية مسئوليّة كبيرة فيه من خلال التأكيد على تقبُّل إنسانيّة الإنسان وشرح فوائد التعامل على أساسه فى الحياة العامّة من حيث التكامل فى عمل المجتمع وفى إلغاء تجميد نصفه وحصرها فى أمورٍ هامشيّة محدّدة.
‏وموضوع الوطنيّة يحتاج إلى مزيدٍ من الحقوق العمليّة فى إعطاء ميدان التربية مجالاتٍ متكافئة للجميع من دون تفرقة أو حدود بعيدا عن العرقيّة أو الجنسانيّة الذكوريّة أو الأنثويّة.
‏وفى التعليم المهنى والتكنولوجى تتحمّل التربية مسئوليّة تقديم أهميّته لكونه العامل الأساسى فى التطوّر والتنمية الاقتصاديّة أو نشْر وعيٍ عامّ فى عدم ترتيبه متخلّفا عن التعليم النظرى للآداب والعلوم الإنسانيّة.
‏ولا يُمكن تجاهُل شرح موضوعات الأعراف والتقاليد فى أبعادها الأخلاقيّة والاجتماعيّة فى العمليّة التربويّة وعدم وقوفها فى وجه احترام الآراء المتعدّدة بحريّتها ومن دون أن يعنى ذلك أى انتقاصٍ فيها أو الإساءة إلى مُنتسبيها مع إعطاء أهميّة أيضا للعمليّة التربويّة عند الشباب وتعزيز دَورهم فى بلْورة الإيمان بمفهوم العدل الاجتماعى والعمل على إزالة مسبّبات الظلم الاجتماعى وطُرق التخلُّص منه.
• • •
وأخيرا، فإنّ فى فضاءات التربية الحديثة من تعليمٍ مفتوح وتعلُّمٍ ذاتى وافتراضى وتخصّصاتٍ دقيقة وتواصُلاتٍ علميّة كبيرة وتعليمٍ مستمرّ وتواصلٍ لا ينقطع عبر المواقع التقنيّة المُختلفة بين الطلبة والأساتذة وبين جامعات العالَم كلّها واتّفاقات جامعيّة لتبادُل الأساتذة والطلبة والمناهج وطُرق اعتماد عبر منظّمات تختبر المعايير والجودة وأبحاث ضمن الحريّة الأكاديميّة المفتوحة والتى نؤكّد عليها، كلّ ذلك وغيره كثير يؤكِّد أنّ هذه الفضاءات إذا ما احتضنتها التربية العربيّة بأُفقٍ مُنفتح بعيد عن التعصّب، وفى ظلّ الثقة بالنَّفس واحترام الرأى الآخر وقبول كلّ فكر مُقترن بالبراهين العلميّة، كلّ ذلك سيُهيّئ لمناخٍ ديمقراطى ينمو فى حياتنا العربيّة والإسلاميّة. وتسقيه خصالنا ومبادؤنا الإيمانيّة بالخصب والنموّ والعطاء.

النص الأصلي

التعليقات