ما وزن الاتهامات التى توجّه إلى نتنياهو؟ - يحيى عبدالله - بوابة الشروق
الخميس 1 مايو 2025 1:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ما وزن الاتهامات التى توجّه إلى نتنياهو؟

نشر فى : الأربعاء 30 أبريل 2025 - 8:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 30 أبريل 2025 - 8:25 م

يأتى فى صدر الاتهامات، التى توجه إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على خلفية الحرب على غزة، بخاصة، أن ما يحكم قراراته، وتصرفاته هو البقاء فى المنصب، والمصالح الشخصية، وأنه أفرغ منصب رئيس الحكومة من كل مضمون حقيقى، وأوصل إسرائيل إلى ما هى عليه الآن، من انقسامات ومشاحنات، وأنه لا يُتوقع منه أن يغير منهجه وأسلوبه فى الحكم، رغم أن هناك من لا يزالون يتوقعون منه أن يتصرف بشكل مختلف.
الدليل على ذلك، فى رأى، عيناف شيف، أنه لم يعترف، حتى الآن، بمسئوليته عن السابع من أكتوبر، ويرفض تشكيل لجنة تحقيق رسمية فى أسباب ما حدث، ولا يعرض نموذجا منطقيا بديلا للتحقيق فى المسألة، ولا يعيد التفويض إلى الشعب، ويرفض تقديم موعد الانتخابات، ويقاطع وسائل الإعلام التى لا تخضع لسلطته، ولا يعترف برئيس المحكمة العليا الذى عُين بشكل قانونى.
من جانب آخر، يهتم نتنياهو بقاعدته الانتخابية فقط، ولا يعبأ بسائر الشعب الإسرائيلى، الذى يطالب بأن تكون هناك مساواة بين كل المواطنين فى تحمل المجهود الحربى، فى الوقت الذى يسعى فيه إلى إعفاء طائفة «الحريديين» -المتدينين الأرثوذكس شركاءه فى الائتلاف الحكومى - من التجنيد فى الجيش. هو لا يعبأ، أيضا، بمطالبة الأغلبية الساحقة، من الشعب الإسرائيلى بإعطاء أولوية لإطلاق سراح كل الأسرى، المحتجزين لدى «حماس» - نحو 70% بحسب استطلاعات الرأى فى إسرائيل - حتى لو كان الثمن وقف الحرب، والانسحاب من غزة، لكنه يخشى تهديدات، بن جفير وسموتريتش، بالانسحاب من الائتلاف الحاكم، فينفرط عقده.
يتبع نتنياهو فى مسألة إطلاق سراح الأسرى سياسة: «فرق تسد»، كما يقول بوعز أتسيلى، مشيرا إلى أنه يبذل جهدا دءوبا للتفريق بين موضوع الأسرى، وموضوع إنهاء الحرب، وإلى أنه يوجه، هو وأبواقه، الأضواء، دائما على العدد الذى يريد إطلاق سراحه. أحد عشر بدلا من خمسة، أو عشرة بدلا من سبعة، متظاهرا بأنه يحاول مضاعفة «الربح» فى مسألة الأسرى المطلق سراحهم، فيما كان من الممكن، فى واقع الأمر، إعادتهم جميعا فى إطار المرحلة الثانية والثالثة من الاتفاق الذى اقترحه ترامب ووقعت عليه إسرائيل. كان الهدف الحقيقى لنتنياهو، من وراء مفاوضات إطلاق سراح الأسرى، كما شهد بذلك، لاحقا، رئيس الشاباك، المقال، رونين بار، هو «إدارة مفاوضات من أجل إدارة مفاوضات وليس من أجل إعادة الأسرى».
• • •
من أهم الاتهامات التى توجه إليه، أنه أحدث انقساما داخل المجتمع الإسرائيلى، لم يكن له مثيل من قبل، فى نظرى، وأنه «يدوس التضامن المتبادل»، بحسب بن درور يمينى، و«يفعل كل شئ ممكن يتعارض مع المصالح القومية، ويملأ مكتبه بمستشارين يخدمون مصالح قطر». من جملة الاتهامات، أيضا، أنه يفرط فى إطلاق الوعود، الخاصة بالحرب على غزة، ومنها وعده، بتحقيق «نصر مطلق» على حماس، أو «نحن على بعد خطوة من تحقيق النصر»، و«حماس على شفا الانكسار»، و«المزيد من القوة سيدفع حماس إلى أن تكون أكثر مرونة»، و«العرب يفهمون فقط عندما نأخذ منهم الأرض»، لكنها كلها وعود، وشعارات جوفاء لم تتحقق على أرض الواقع، حتى بعد مضى أكثر من عام ونصف عام على نشوب الحرب.
ينسب نتنياهو لنفسه وحده، أى «إنجاز»، ويحمّل الآخرين مسئولية كل الإخفاقات، متهما إياهم بأنهم «فوضويون» أو «يساريون»، أو «حفنة من المتقاعدين»، بل ويكاد يقول فى كل إطلالة له عبر وسائل الإعلام إنهم خونة. فى هذا الصدد، يسخر، بن درور يمينى، من هذا الطرح، متسائلا: «من المسئول عن أن المزيد والمزيد من جنود الاحتياط لا يمتثلون للخدمة؟ هل هم الفوضويون، بعد مئات من الأيام فى الخدمة العسكرية، وبعد انهيار أشغالهم، وبعد إصابتهم جسديا ونفسيا، أم مَن يتبنون قانون التهرب من الخدمة العسكرية (لصالح الحريديين) ويحولون المليارات إلى مدارس (الحريديين) المتهربين من الخدمة؟ من المسئول عن عرائض الاحتجاج، هل هو من يتخلى عن المخطوفين ويجرنا إلى حرب استنزاف بداخل مستنقع غزة، أم من يحملون هذه الدولة على أكتافهم، فى خدمة الاحتياط، وفى البحث، وفى التطوير، وفى دفع الضرائب؟».
من بين الاتهامات، أن نتنياهو يندفع إلى مواصلة الحرب على غزة، بحسب مسئولين كبار فى الجيش، وفى هيئة الاستخبارات، وفى جهاز الأسرى والمفقودين، من دون تحديد أهداف واضحة وقابلة للتحقق، خاصة فيما يتعلق بما يُسمّى بـ«اليوم التالى» للحرب فى غزة، مشيرين إلى أن الحرب تعرض حياة الأسرى للخطر، وتكرس فقط الأسباب التى بسببها تستمر الحرب منذ عام ونصف. فى مسألة استئناف الحرب على غزة، فى الثامن عشر من شهر مارس الماضى، وخرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذى جرى التوصل إليه مع حماس، بوساطة مصرية- قطرية -أمريكية، يتساءل، ناحوم برنياع: "...إذا، ما الذى نفعله، فى الحقيقة، هناك، فى غزة؟"، مشيرا إلى وجود رؤيتين متعارضتين، إحداهما يتبناها رئيس الأركان، إيال زامير، وجماعته فى الأركان العامة، تقول إن الهدف من استئناف الحرب على غزة هو، «الضغط على القيادة العسكرية لحماس» فى القطاع من أجل التوصل إلى صفقة، وإطلاق سراح المخطوفين، وإن الجيش ليس لديه نية للاحتفاظ بالأراضى التى استولى عليها فى الشهر الماضى - نحو 40% من مساحة القطاع بحسب بعض التقديرات الإسرائيلية - وإدخال شركات أمريكية للقطاع لتتولى مسألة توزيع الطعام».
أما الرؤية الثانية، فيتبناها، رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ومعظم شركائه فى الائتلاف الحاكم، وتقضى بإعادة احتلال كل قطاع غزة، بشكل دائم، وطرد سكانه منه، وإعادة استيطانه، إرضاءً لنزوات اليمين الاستيطانى المتطرف، خاصة نزوات بتسلئيل سموتريتش، الذى دعا إلى انتهاز فرصة رد حماس على المبادرة الإسرائيلية لإطلاق سراح الأسرى و«إبادة الحركة، واحتلال غزة، كلها، وتنفيذ خطة ترامب».
عبَّر نتنياهو عن هذه الرؤية فى بيان ألقاه مساء يوم السبت، 19 أبريل 2025م، برر فيه استئنافه الحرب، قائلا: «لن أستسلم لـ«حماس»؛ وإذا حدث اتفاق بشروط حماس، فإن الرؤيا المهمة للرئيس ترامب لا يمكن أن تتحقق - الرؤيا التى ستغير وجه غزة مرة واحدة وإلى الأبد».
فى هذا الإطار، يتهم دكتور ميخائيل ميلشتاين، نتنياهو، بأنه «لا يدير حوارا مع الجمهور بشأن الأهداف الاستراتيجية للحرب، خاصة إذا كان الهدف هو احتلال غزة، ولا يحدثه عن وجود صعوبة جوهرية فيما يتعلق بإعادة احتلال القطاع بشكل كامل، إزاء الفجوة المتفاقمة على صعيد أفراد الاحتياط، وغياب توافق داخلى حول الأمر، والثمن الباهظ الذى سندفعه، بما فى ذلك تغيير حياة الإسرائيليين بشكل كبير لفترة طويلة».
ويخلص ميلشتاين إلى أن حكومة نتنياهو ليس لديها، فى واقع الأمر، استراتيجية، وأنها تسوّق الحرب، نفسها - على كل الجبهات، وعلى رأسها جبهة غزة - على أنها رؤيا، من دون تحديد أهداف وإطار زمنى واضحيْن، مع توهم بأن عصر ترامب يمثل فرصة لتنفيذ أحلامها التوسعية، من دون وضع اعتبار للجماعة الدولية والعالم العربى.
• • •
بيد أن أخطر التهم، التى وجهت إلى نتنياهو، هى سعيه إلى الانفراد بالحكم، والسيطرة على الأجهزة المؤثرة - هيئة القضاء، وجهاز الشاباك، والمؤسسة العسكرية، وجهاز الشرطة، ووسائل الإعلام الحكومية - وقمع كل معارض لسياساته، وتغيير قواعد اللعبة السياسية فى إسرائيل، والتمكين لحكم اليمين التوسعى المتطرف وإقصاء الفلسطينيين داخل إسرائيل من الحياة السياسية، عبر سن تشريعات مقيدة لهم.
عبَّر عن هذا السعى اللواء، احتياط، جيورا آيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومى الإسرائيلى، الذى قال: «يجب أن ندرك أن كل زعيم - قاصدا نتنياهو - يحول الدولة من ديمقراطية إلى ديكتاتورية، لا يفعل ذلك مرة واحدة، وإنما عبر احتلال المزيد والمزيد من الأهداف، بشكل عام. فى اللحظة التى لا يكون هناك مستشار قضائى مستقل، ويُعيَّن رئيس شاباك يدين بالولاء (لنتنياهو)، وتُسن تشريعات بعيدة المدى كما يحدث الآن مع تغيير أعضاء لجنة اختيار القضاة، سينشأ وضع لا يكون هناك من نلجأ إليه لوقف الإجراءات التى تقودها الحكومة».
وقد أشار رئيس الشاباك، المقال، رونين بار، أيضا، إلى هذه النزعة الديكتاتورية لدى نتنياهو فى إفادته المعلنة ـ فضلا عن إفادة سرية من 31 صفحة وبضعة ملاحق - أمام المحكمة العليا يوم الاثنين 21 أبريل 2025م، التى أشار فيها، ضمن أمور أخرى، إلى طلب نتنياهو منه أن يدين له، هو شخصيا، وليس للمصالح القومية، بالولاء، وأن يصطف مع الحكومة وليس مع قرارات المحكمة العليا، إذا نشأت أزمة دستورية، وأن يقمع الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات الحكومة.
• • •
جملة من الاتهامات التى تنال من مصداقية نتنياهو، لكنها ليست كفيلة بإزاحته من الحكم. فهو لديه ائتلاف حكومى متماسك، فى مقابل معارضة مفككة، ومنقسمة على نفسها، وغير مقنعة، يتبنى معظمها، حتى، سياسات نتنياهو فى مجال الأمن والتوسع، بخاصة؛ وهو يتمتع بقاعدة انتخابية لا بأس بها، وجمهور عريض ينظر إليه بوصفه «ملكا»، و«مسيحا مخلصا»، فى مقابل احتجاجات باهتة، وغير مؤثرة، لم تبلغ بعد الكتلة الحرجة المطلوبة لإزاحته.

يحيى عبدالله أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة المنصورة
التعليقات