من المفترض أن النشاط السياسى فى مجمله، يستهدف الصالح العام والعمل من أجله، بحثا عن حياة أفضل للمواطنين، وفى الغالب تدور الصراعات السياسية فى الدول الديمقراطية عبر التنافس فى إيجاد حلول حقيقية للمشكلات الكبرى التى تواجهها مجتمعاتهم، ومن المفارقات الغريبة، ان كلمة «الصالح العام» تكاد تكون غائبة فى مختلف الصراعات السياسية التى شهدتها مصر خلال الفترة الماضية، فى مختلف تطورات الموقف منذ ثورة يناير حتى الآن، وكانت فكرة الانتصار لسياسات كل فريق هى الغالبة، ومحاولات فرض قرارات بعينها هى معركة التيارات السياسية، لذا حينما يخرج نادر بكار مساعد رئيس حزب النور ويعلن صراحة أن حزبه من الممكن ان يتنازل عن بعض مواقفه من أجل تماسك الدولة والصالح العام، نكون بصدد وعى جديد تكون لهذا الفريق السياسى تستوجب تحيته، وتشجيعه، خاصة أنه كشف عن فهم حقيقى للسياسة حينما أكد انه لا توجد لحزبه خطوط حمراء فى مناقشة تعديلات الدستور، فهكذا يجب ان تكون السياسة، تكون كل الخيارات متاحة فى النقاش من أجل الوصول إلى التوافق الذى هو أساس التعايش السياسى، والعنوان الأفضل للمراحل الانتقالية فى حياة أى شعب، وهو التوافق الذى كنا نبحث عنه ونطلبه، طوال عام من حكم جماعة الاخوان، فلم نجد له أثرا، بل الكثير من التعنت والتشبث بالمواقف والغطرسة، التى سدت كل الطرق والمنافذ لاستمرار الوضع الذى كان قد بدأ فى يوليو ٢٠١٢.
وبصراحة، الإعجاب بمواقف حزب النور لا تتوقف عن تصريحات بكار الأخيرة، فهى ممتدة فى عدة اتجاهات، فى مقدمتها الموقف الوطنى المشرف للحزب تجاه محاولات قوى غربية وأممية، بدفعهم للمشاركة فى إحداث انشقاق على المستوى الداخلى، عبر إغراءات ضخمة، وهو الأمر الذى رفضه الحزب دون نقاش أو تردد للحظة واحدة، وكان حاسما فى اختياره وانحيازه، دون أن يزايد بهذا الموقف، أو يتاجر به، بل على العكس تماما، فقد صمت قادة الحزب باعتبار ان الانحياز للوطن أمر بديهى وطبيعى، لا يتوجب الاعلان عنه، فقط ظهروا وقالوا ان هناك الكثير من الدول التى تحاول ان تصل بمصر لحالة الفوضى، واعلنوا ان من يدعو إلى تفكيك الجيش وقتل جنوده وإطلاق الشائعات عنه، هو خائن وأخرق، مؤكدين على موقف الحزب الوطنى تجاه ما تمر به البلاد، ومحاولتهم الخروج من الأزمة بما يستهدف الصالح العام.
أعتقد ان كل القوى السياسية الفاعلة، مطالبة الآن، فى هذه اللحظات بالغة الصعوبة التى تمر بها مصر، أن تكون واضحة فى كل مواقفها، مثل حزب النور، وان تكون هذه المواقف من أجل الصالح العام، لا من أجل تحزب أو انتصار لأفكار، لأن الموقف ليس سهلا أو هينا كما يرى البعض، وأعتقد أيضا ان ما يحدث الآن هو اختبار كبير وامتحان نهائى لكل من يشارك فى هذا المشهد السياسى، وان الجماهير لن ترحم أو تسامح أى تيار أو فصيل سيعمل بعيدا عن الصالح العام، خاصة أن الجماهير لم تعد ساذجة أو مغيبة، وتعلم جيدا الفرق بين من يعمل بحثا عن مجد شخصى أو مكاسب خاصة، والذين يعملون باخلاص وصدق من أجل «الصالح العام».