من يقرأ بتركيز بنود خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى أعلنها، أمس الأول، بشأن اليوم التالى فى قطاع غزة، سيدرك بسهولة شديدة أنه يكمن فى معظمها مئات الشياطين.
ويمكن القول بثقة بالغة إنه بعد ثلاثة أيام فقط من تسلم إسرائيل الأسرى الأحياء والأموات، فلا شىء محدد أو مضمون بل مطاط بشكل رهيب، ولو أن إسرائيل هى التى وضعت بنود هذه الخطة بنفسها، ما خرجت بمثل هذه الصياغة التى تجعل كل شىء فضفاضًا وقابلًا لكل التفاسير.
عمليًا فإن الإسرائيليين، هم من وضعوا الخطة، وهناك تقارير تقول إن وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلى رون ديرمر، شارك فى اللقاء الحاسم فى ٢٧ أغسطس الماضى فى واشنطن الذى وضع تفاصيل هذه الخطة، وحتى إذا لم يكن قد شارك، فإن الاجتماعات المتتالية بينه وبين ستيف ويتكوف لعبت دورًا حاسمًا فى خروج هذه الخطة، وكأنها خرجت من مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
لن أتحدث عن رأيى كمواطن أو صحفى مصرى عربى منحاز للأشقاء فى فلسطين، لكن سأعرض لمضمون تقرير مهم نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» على موقعها الإلكترونى، صباح أمس الثلاثاء، باللغة الانجليزية، للكاتب جاكوب مجيد، عنوانه: «نتنياهو أجرى تعديلات جوهرية على خطة ترامب لإبطاء وتقييد انسحاب إسرائيل من غزة»، والعنوان الشارح جاء فيه: «الجيش الإسرائيلى لن ينسحب إلا عند استيفاء معايير محددة وإنشاء منطقة عازلة».
يبدأ التقرير بأن نتنياهو قال، فى مقطع فيديو، فى نهاية زيارته للولايات المتحدة واجتماعه مع ترامب بأن العالم أجمع بما فيه العالمان العربى والإسلامى يضغط الآن على حماس لقبول الشروط التى وضعناها مع ترامب. لاحظ مدلول قوله «وضعناها».
أضاف أن الجيش الإسرائيلى سيبقى فى معظم أنحاء القطاع، ثم صرخ بالعبرية: «من كان ليصدق ذلك؟!».
جوهر التقرير يقول إن نتنياهو من حقه الاحتفال، لأنه تمكن من تأمين تعديلات جوهرية فى اللحظات الأخيرة على الخطة.
فمطلب حماس الأساسى المدعوم عربيًا هو انسحاب إسرائيل الكامل من غزة مقابل الإفراج عن الرهائن، كما أن تسليم أسلحتها كان خطًا أحمر لتحتفظ بقدر من النفوذ فى القطاع.
والذى حدث أن أمريكا سعت لمعالجة هاتين النقطتين، بصورة ترضى إسرائيل بعد أن قدمتها للشركاء العرب والمسلمين خلال الاجتماع مع ترامب بصورة غامضة.
البند الثالث من الخطة يقول إن القوات الإسرائيلية ستنسحب إلى خطوط القتال اعتبارًا من تاريخ تقديم مقترح ويتكوف، ولم تحدد الخطة أى مقترح له، حيث إنه قدم العديد من المقترحات.
وفى مقطع الفيديو يؤكد نتنياهو أنه اتفق مع ترامب أن قواته ستبقى فى معظم أنحاء القطاع حتى بعد الانسحاب الأول، استعدادًا لإطلاق الأسرى.. ثم يتمكن الجيش من البقاء فى مواقعه حتى تصبح قوة الاستقرار الدولية مستعدة للانتشار، والعمل بشكل كامل لنزع سلاح حماس.
وحتى بعد هذه المرحلة الثانية سيبقى الجيش الإسرائيلى فى أكثر من ثلث القطاع وفقًا للخطة.
ويفترض أن الانسحاب الثالث سيخرج الجيش من غزة، لكن الخريطة تظهر أنه سيتم إنشاء منطقة عازلة على طول محيط قطاع غزة بأكمله، استجابة لمطلب إسرائيلى خوفًا من خطر تكرار حماس أو غيرها لما حدث فى ٧ أكتوبر.
فى البند رقم ١٦ فإن الجيش الإسرائيلى سيسلم تدريجيًا أراضى غزة التى يحتلها، لكن النسخة المحدثة تضيف سطرين يقولان: «إن الانسحاب سيكون طبقًا لمعايير ومعالم وجداول زمنية مرتبطة بنزع السلاح وبناء على الاتفاق مع الجهات الضامنة وأمريكا».
وفى كل الأحوال ستظل القوات محتفظة بشريط أمنى عازل لمواجهة أى تهديد إرهابى متجدد!».
حسب التقرير فإن نتنياهو نجح أيضًا، وعقب اجتماعين مطولين مع ويتكوف وكوشنر فى نيويورك، فيما يتعلق بنزع سلاح حماس.
فالبند رقم ١٣ ينص فى نسخته المعدلة على الآتى: «سيتم تدمير جميع البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية بما فى ذلك الأنفاق ومنشآت تخزين الأسلحة، ولن يعاد بناؤها، وستكون عملية نزع السلاح تحت إشراف مراقبين مستقلين، ووضع الأسلحة خارج الاستخدام».
طبقًا للتقرير فإن نتنياهو كانت له الكلمة الفصل وإقناع واشنطن بالتعديلات، إضافة إلى قول ترامب إن نتنياهو يعارض الدولة الفلسطينية، وأنه يرى ذلك مفهومًا.
كل ما سبق هو ما جاء فى الصحيفة الإسرائيلية، والسؤال مرة أخرى: هل كانت هناك بدائل لدى العرب والفلسطينيين أم أن مجرد توقف العدوان وإسقاط مخطط التهجير مكسب كبير للفلسطينيين؟!