الوكالة الأفريقية للتصنيف الائتمانى.. الأهمية والتحديات - قضايا إفريقية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوكالة الأفريقية للتصنيف الائتمانى.. الأهمية والتحديات

نشر فى : الإثنين 30 أكتوبر 2023 - 9:25 م | آخر تحديث : الإثنين 30 أكتوبر 2023 - 9:25 م
أعلن الاتحاد الأفريقى عن إنشاء وكالة للتصنيف الائتمانى تكون خاصة به فى بدايات 2024، نتيجة عدم تصديق الدول الأفريقية لتصنيفات الائتمان التى تمنحها إياها وكالات التصنيف الثلاثة الكبار (موديز، واستاندرد آند بورز، وفيتش)، مما لا يعكس حالة الاقتصاد بشكل حقيقى. فى ضوء ذلك، نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة هايدى الشافعى، تناولت فيه المكاسب التى تعود على القارة الأفريقية من وراء إنشاء هذه الوكالة، كما تطرقت إلى التحديات... نعرض من المقال ما يلى.
فى محاولة لمعالجة مخاوف الدول الأفريقية بشأن عدم عدالة التصنيفات الائتمانية الممنوحة لهم، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الاقتصادات الأفريقية، أعلن الاتحاد الأفريقى عزمه على إطلاق وكالة التصنيف الائتمانى الخاصة به بحلول عام 2024.
• • •
بداية، تلجأ العديد من الدول الأفريقية إلى الاقتراض الخارجى بسبب العجز فى موازناتها، لما يوفره من دعم كبير فى التنمية الاقتصادية، خاصة فى تمويل تطوير البنية التحتية، ويتم إجراء التصنيفات الائتمانية للدول لتحديد مخاطر التخلف عن سداد القروض، ولمراعاة الشروط التى بموجبها يجوز للبنوك والمقرضين الآخرين تقديم الائتمان لدولة ما، ومن ثم تلعب وكالات التصنيف الائتمانى دورا مهما فى هذا الشأن، ورغم أن وكالات التصنيف تصر على أن تقييماتها هى مجرد آراء، وليست توصيات لشراء أو بيع أو الاحتفاظ بأوراق مالية، فإن التصنيفات تؤثر على الظروف التى بموجبها يصل المقترضون إلى أسواق الديون، حيث ينظر إلى التصنيفات الصادرة عن تلك الوكالات على أنها دقيقة، مما يؤثر على تكاليف الاقتراض للبلدان، أى إن الاقتصاد ذا التصنيف المنخفض ينظر إليه على أنه ذو مخاطر عالية للتخلف عن السداد، وبالتالى تصبح تكلفة الاقتراض له مرتفعة.
وعلى الرغم من وجود أكثر من 70 وكالة تصنيف ائتمانى على مستوى العالم، لكن تسيطر ثلاث وكالات فقط على 95% من السوق العالمية لهذه الصناعة، وهى: ستاندرد آند بورز، وموديز، وفيتش، وتعتمد المقاييس المستخدمة فى الوكالات الثلاثة على جزءين، أحدهما: كمى يتعلق بقيم الناتج المحلى الإجمالى، وتقلب معدل النمو، ونصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى ونسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى، إلى غير ذلك من المقاييس التى يمكن حسابها ومتابعتها بدقة. بينما يتعلق الجزء الثانى: بعوامل نوعية تعطى سلطة تقديرية كبيرة فى تعيين التقييم النهائى، وتشكل نحو 20% من المعايير فى حالة البلدان الأفريقية، وتشمل عوامل مثل العوامل الثقافية أو اللغوية على سبيل المثال، والتى لا علاقة لها بالمعايير المستخدمة لقياس الاستقرار الاقتصادى، مما جعل هذه التصنيفات فى كثير من الأحيان متحيزة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن جنوب أفريقيا كانت هى الدولة الأولى فى القارة التى يتم تصنيفها من حيث الجدارة الائتمانية فى عام 1994، ثم ارتفع عدد الدول الأفريقية التى تم تصنيفها من قبل وكالات التصنيف الثلاث الكبرى إلى 10 دول فى عام 2003، وصولا إلى 33 دولة فى عام 2023.
وتعد الوكالة الأفريقية مهمة بشكل خاص لأنه على مدى السنوات الماضية ادعت الدول الأفريقية أن تصنيفات الائتمان التى تمنحها إياها وكالات التصنيف الثلاث الكبار (موديز، واستاندرد آند بورز، وفيتش) غير عادلة، ولا تمثل انعكاسا حقيقيا لحالة الاقتصاد، بالإضافة إلى ميل هذه الوكالات إلى أن تكون أسرع فى خفض تصنيف الدول الأفريقية أثناء الأزمات، مثلما حدث أثناء جائحة كوفيدــ19 عندما خفضت تصنيفات بعض الدول الأفريقية خاصة الدول التى أعلنت انضمامها إلى مبادرة تخفيف الديون التى أعلنتها مجموعة العشرين، مما أدى إلى تخوف 27 دولة من الاشتراك فى المبادرة، رغم تأهلها، خشية تخفيض تصنيفاتها الائتمانية، هذا إلى جانب تأخير الترقيات فى التصنيف عندما تتحسن الظروف، وذلك على عكس نهجها المتبع مع الدول الأوروبية، فضلا عن أوجه القصور الملحوظة من حيث الاستقلالية والموضوعية، والمنهجيات غير الموثوقة.
وتأتى الحاجة لوكالة أفريقية للتصنيف الائتمانى فى ظل المخاطر الكبيرة المترتبة على تخفيض التصنيف الائتمانى للدول الأفريقية من جانب الوكالات الدولية، من بين هذه المخاطر ارتفاع أسعار الفائدة وتراكم الديون، حيث يترتب على تخفيض تصنيفات الدول الأفريقية فوائد أعلى على الديون أكثر مما كان مطلوبا لو أن التصنيفات تعكس واقع اقتصاداتها.
وتمتد الآثار الناتجة عن تخفيض التصنيف الائتمانى للدول الأفريقية إلى ما هو أبعد، حيث تؤدى المخاطر المرتفعة إلى عزوف المستثمرين والبنوك عن شراء السندات الأفريقية فى الأسواق العالمية، وبالتالى زيادة عجز الموازنة لتلك الدول، ونقص الأموال اللازمة للمشروعات التنموية، وما يترتب على ذلك من زيادة معدلات البطالة والفقر، بالإضافة لذلك، يسترشد المستثمر الأجنبى بالوضع الائتمانى للدول، ضمن عوامل أخرى، قبل الدخول فى الأسواق الأفريقية، ومن شأن التصنيفات المنخفضة أن تؤدى إلى تخفيض حجم الاستثمار الاجنبى المباشر المتدفق للدول الأفريقية، فضلا عن أن الفوائد المرتفعة على الديون، جراء التصنيفات الائتمانية المنخفضة، كان من الممكن توجيهها إلى التنمية وتحفيز النمو الاقتصادى بدلا عن دفعها لخدمة الدين.
• • •
ستعمل وكالة التصنيف الائتمانى الأفريقية على تقديم تقييماتها المستقلة للمخاطر المرتبطة بإقراض البلدان الأفريقية، من منطلق توسيع نطاق تنوع الآراء فى التقييمات الائتمانية، كما ستوفر سياقا إضافيا لمساعدة المستثمرين فى قراراتهم المتعلقة بالسندات الأفريقية وفرص الإقراض الخاص، مما يسهم فى معالجة مخاوف الدول الأفريقية بشأن التحيز، ويعمل فى نهاية المطاف على توفير نهج أكثر توازنا وإنصافا للتصنيفات الائتمانية للبلدان الأفريقية، بما يتوافق مع الهدف الأوسع للاتحاد الأفريقى المتمثل فى تعزيز دمج الدول الأفريقية فى الأسواق المالية العالمية.
كما يعد إنشاء وكالة تصنيف ائتمانى أفريقية خطوة مهمة نحو استكمال المؤسسات المالية للاتحاد الأفريقى، وتسريع التكامل القارى، وكذا يمثل فرصة للحصول على تصنيف ائتمانى لـ 22 دولة أفريقية لم تحصل على تصنيفات ائتمانية من الوكالات «الثلاث الكبرى». فضلا عن ذلك، أشارت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى أبريل الماضى إلى أنه من المتوقع أن تؤدى تصنيفات أقل ذاتية وأكثر عدالة ومراعية للظروف الخاصة بطبيعة الدول الأفريقية إلى توفير البلدان الأفريقية ما يصل إلى 74.5 مليار دولار، بما فى ذلك، نحو 28.5 مليار دولار أمريكى من مدفوعات الفائدة الزائدة، إلى جانب خسارة تقدر بنحو 46 مليار دولار أمريكى فى التمويل المحتمل، وهذا بدوره سيمكنها من تحرير الأموال للاستثمار فى رأس المال البشرى وتطوير البنية التحتية.
ومع ذلك، لا تهدف الوكالة الأفريقية إلى الاستغناء عن الوكالات الدولية الثلاث لتكون بديلا عنهم بشكل كامل، على الأقل فى الأجل القصير، وإنما لتقديم الدعم لهم، نظرا للميزة النسبية التى ستتمتع بها من فهم الديناميكيات الحقيقية للنظام الاقتصادى فى الدول الأفريقية، بالشكل الذى يساعد الوكالات الكبار فى وضع تصنيف أكثر عدالة يعكس الواقع الفعلى للاقتصادات الأفريقية.
من جهة أخرى، على الرغم من التوقعات المتفائلة للفوائد التى قد تعود على الدول الأفريقية من إنشاء وكالة تصنيف ائتمانى أفريقية، تبرز العديد من التحديات أمام تحقيق الفوائد المرجوة، ربما كان أبرزها: نقص الموارد، حيث يتطلب إنشاء وكالة تصنيف ائتمانى موارد كبيرة، بما فى ذلك، الموارد المالية والمهارات فى مجالات الاقتصاد والمالية وتحليل البيانات، فضلا عن المخاوف بشأن التدخل السياسى عندما تكون الوكالة تابعة لمؤسسة معينة أو حكومة معينة، فمن المفترض فى هذه الجهات الاستقلالية، واتباعها لأى جهة يقلل من استقلاليتها وموضوعيتها، وبالتالى يجعل مصداقياتها محل شك. وفى الوقت نفسه، ستواجه وكالة التصنيف الائتمانى الأفريقية منافسة شديدة، وستحتاج إلى ترسيخ نفسها كبديل موثوق ومستدام للاعبين التقليديين فى مجال التصنيف الائتمانى الدولى.

النص الأصلى:

التعليقات