«الشروق» داخل معسكرات النازحين فى «دارفور».. حياة بلا حياة (1ــ 2) - بوابة الشروق
الجمعة 9 مايو 2025 4:41 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

«الشروق» داخل معسكرات النازحين فى «دارفور».. حياة بلا حياة (1ــ 2)

تصوير ــ إبراهيم الطيب الفكى
تصوير ــ إبراهيم الطيب الفكى
رسالة دارفور ــ سمر إبراهيم:
نشر في: الثلاثاء 1 يونيو 2021 - 7:49 م | آخر تحديث: الثلاثاء 1 يونيو 2021 - 7:49 م
آبار «زمزم» مُرة.. وأشواك الفقر فى «أبو شوك»
ــ نصف السيدات أرامل ونصف المواليد يموتون لسوء التغذية.. ومعاناة من نقص مياه الشرب فالآبار تنتج مياها مالحة
ــ نقص حاد فى الغذاء منذ وقف كروت الأغذية للأسر من «برنامج الأغذية العالمى».. ومدرس ثانوى: «اليونسيف» أوقفت دعمها للتعليم بالمنطقة منذ نحو 10 سنوات
ــ معسكر زمزم بلا كهرباء ويفتقد للخدمات الصحية الحقيقية.. وبهجة: الطبيب الوحيد بالمستشفى ذهب ولم يعد
ــ نعمة: أعيش فى المعسكر منذ 18 عاما ولدى 10 أطفال.. ويومية زوجى لا تكفى ثمن الخبز والمياه
ــ فيصل (10 سنوات): أعمل فى جر عربة مياه.. والموت أفضل من العيش فى زمزم.. ونعيمة: أعمل 4 أيام فى صنع الطوب وأدرس يومين بجامعة الفاشر
ــ مسئول لجنة المياه فى معسكر «أبو شوك»: نحتاج 5 آبار إضافية.. والبنى آدم هٌنا لا مُشرف ولا مُكرم!
ــ مبادرة «نفير شمال دارفور» تتبنى إعادة بناء المركز الطبى الألمانى.. ونائب رئيس المبادرة: نسبة الإصابة بمرض الملاريا بلغت 100 % تقريبا

هُنا لا يشغلهم فيروس كورونا، لا موجته الأولى الفتاكة ولا موجاته التالية الأشد فتكا!
هُنا فى دارفور.. فيروس الحرب هو الذى ظل يفتك بالمواطنين طيلة عقدين وأكثر من الزمان فى حرب أهلية عنيفة، تدخل فيها نظام الرئيس السابق عمر البشير ليزيد معاناة البؤساء من أبناء هذا الإقليم المنكوب.
هُنا.. لا يبحثون عن كمامات أو كحول أو اتخاذ تدابير احترازية للوقاية من الفيروس القاتل، إنما يفتشون عن شربة ماء نظيفة، ويبحثون عن كسرة خبز تُقيم أود أطفالهم، منتظرين قوافل الإغاثة لعلهم يجدون فيها ما يبقيهم على قيد حياة ظلوا يتمسكون بها وسط النار والبارود، فى قلب الجوع والعطش والخوف، وبين رحلات الفرار من الموت العاجل إلى الموت البطىء.
هُنا فى دارفور بين النازحين من أبناء الإقليم الطيبين، التعساء، سافرت «الشروق» إلى ولاية «الفاشر» عاصمة ولاية شمال دارفور، وأمضت 5 أيام ما بين معسكرى «زمزم، وأبوشوك» بين أطفال ونساء وعجائز دارفور الذين ينتظرون من اتفاق «سلام جوبا» الذى وقع فى 3 أكتوبر الماضى، أن يكون بداية الغيث لتغيير حياتهم ونقلهم إلى أعتاب حياة جديدة آمنة وكريمة، لعلها تُنسى أطفالهم قسوة الخوف المغموس فى ألم الجوع والشقاء! وتُنسيهم مرارة سنوات وحياة خاويةً على عروشها.
الطريق من العاصمة السودانية «الخرطوم» إلى مدينة «الفاشر» بدأ بشغف مهنى للتعرف عن قرب على «أصحاب المصلحة» كما يُطلق عليهم فى ديباجة «اتفاق السلام»، وسافرت «الشروق» من مطار الخرطوم الدولى على متن الطيران الداخلى إلى عاصمة شمال الإقليم الأسوأ حظا على مر تاريخ السودان فى رحلة استمرت قرابة الـ 150 دقيقة.
يقطن إقليم دارفور نحو 9.5 مليون نسمة، وتبلغ مساحته حوالى 493 ألف كيلو متر أى ما يقرب من نصف مساحة مصر.
منذ قرابة 20 عاما اندلعت الحرب فى الإقليم، البداية كانت بمناوشات بين القبائل التى تسكن شمال الإقليم ذى البيئة الصحراوية، وتلك التى تسكن فى الجنوب حيث الأراضى الزراعية الخصبة، حيث أدى التصحر إلى جفاف مراعى الشمال ومن ثم زحف الرعاة إلى الأراضى الزراعية جنوبا، لتنشب الاحتكاكات بالمزارعين هناك.
سرعان ما تحولت تلك المناوشات إلى اشتباكات دامية زاد من اشتعالها انعكاسات الحرب الأهلية فى دولة تشاد المتاخمة لحدود الإقليم، لتتحول إلى صراع إثنى بين القبائل الشمالية ذات الأصول العربية والقبائل الجنوبية ذات الأصول الأفريقية، بالرغم أن الطرفان يدينان بالإسلام وينتميان إلى الإنسانية!
تدخلت حكومة البشير فى الصراع بعنف عقب تعرض مراكز الجيش والشرطة لهجمات من حركات مسلحة، واتهمت بانحيازها للقبائل العربية وقيامها بتطهير عرقى ضد القبائل الأفريقية، مما أدى إلى طلب المحكمة الجنائية الدولية بتسليم الرئيس البشير، آنذاك، لمحاكمته على جرائم حرب ارتكبها نظامه ضد المدنيين العزل بالإقليم.
أصابع الاتهام أشارت أيضا إلى أيادٍ أجنبية عملت على تأجيج الأحداث فى دارفور، لاسيما فى ظل تمتع الإقليم بثروات طبيعية ضخمة كـ«البترول».. وأيضا باليورانيوم تلك المادة الاستراتيجية!
تقديرات الأمم المتحدة ذكرت أن الحرب فى دارفور أسفرت عن مقتل ما يقرب من 30 ألف مواطن، ونزوح وتشريد ما يقرب من 2.8 مليون من أبناء الإقليم المنكوب.
لم تهدأ وتيرة الأحداث عقب ذلك، بل اشتعلت ذروة الحرب التى بلغت مراحلها ما بين عامى 2003 وحتى 2005، ثم عادت بصورة متقطعة حتى أعلنت الحكومة الانتقالية الحالية التى تولت زمام أمور البلاد عقب عزل البشير بثورة شعبية، وقفا شاملا لإطلاق النار عقب مباحثات مبدئية مع الحركات المسلحة منذ عامين.
من مدينة «الفاشر».. وفى صباح باكر شديد الهدوء والجمال والعذوبة يشبه فى سكينته طبيعة العاصمة، انطلقت بالسيارة جنوبا لمسافة 12 كيلو مترا إلى معسكر «زمزم» والذى يُعد أكبر معسكرات نزوح المواطنين فرارا من ويلات الحرب فى دارفور.
على جانبى الطريق احتضنت الشمس خطوات المارة والرعاة وسيارتنا أيضا، بالإضافة إلى زراعات المحاصيل التى تشتهر بها منطقة «الفاشر» كالفول السودانى، والسمسم، والذرة، قبيل المعسكر سوق شعبى كبير يتبعه لبيع الخضراوات والفاكهة ومستلزمات المعيشة البسيطة.
يقع المعسكر فى منطقة «زمزم» التى يكتسب اسمه منها، وللمفارقة فإن أكبر مشاكل سكانه (وعددهم أكثر من 136 ألف مواطن) هى مياه الشرب!! لاسيما بعد أن قام نظام البشير فى الفترة ما بين عامى 2014 لـ 2015 بطرد أكثر من 9 منظمات إغاثية دولية من بينها منظمة «أوكسفام» البريطانية المتخصصة فى إنشاء آبار للمياه وتنقيتها لتكون صالحة للشرب.
المعسكر شاسع المساحة، تربته رملية حمراء اللون والتى تُميز أرض إقليم دارفور، يبلغ طوله حوالى 15 كليو مترا وعرضه 8 كيلو مترات، يُشرف على إدارته 93 عمدة و 840 من مشايخ العائلات، منازله تم بناؤها من الطوب مسقوفة بـ«العريش» من أعواد الذرة وأغصان الأشجار.
وجوه الجميع، عجائز وشباب، نساء ورجال، أطفال ورضع، بائسة تعسة تشكو العطش والجوع وسوء التغذية، ملامحهم تصرخ بقسوة المعيشة والفقر اللعين.
وسيلة الانتقال هى «الحمير»، وهى أشد بؤسا من راكبيها، وبين مسافة وأخرى توجد طلمبات بدائية تضخ مياها مالحة ذات مرارة لا تروى الظمأ، بل ربما تنقل المرض.
المعسكر مقسم إلى 4 قطاعات، أولها يضم الذين نزحوا عام 2003، والثانى لنازحى عام 2009، والثالث للنازحين ما بين عامى 2011 لـ 2013، والرابع يضم نازحى عامى 2014 و 2015، وهم آخر من تم تهجيرهم قسريا من قراهم الأصلية.
داخل المعسكر تجمع حولى عدد كبير من النازحين ظنا أن أكون من منظمات الغوث، أحمل لهم مواد إغاثية أو بشرى بعودة استئنافها مجددا بعد أن تم وقفها من جانب «برنامج الأغذية العالمى» بحجة أن الأوضاع استقرت فى الدولة! ولكن بترحاب شديد من جانبهم استمعت إلى شكواهم وأحوالهم بعدما علموا إننى صحفية مصرية جئت خصيصا لأراهم وأستمع إليهم عن قرب.
الزين حسن عمر، والتى نزحت إلى المعسكر عام 2005، قالت: نعانى من نقص الغذاء منذ شهور عديدة، بعدما تم وقف كروت الأغذية للأسر من «برنامج الأغذية العالمى»، ولجأت الأسر إلى تشغيل السيدات وحتى الأطفال فى عُمر 7 سنوات يعملون فى مجالات مختلفة مثل «الزراعة، البناء، والرعى»، حيث يذهبون إلى العاصمة الفاشر بحثا عن فرص العمل، وبعض النساء تذهبن للعمل فى الزراعة بإحدى المناطق التى تبعد 40 كيلو مترا عن المعسكر، ويتعرضن لمضايقات وأحيانا اعتداءات جسدية.
وتضيف: مشكلتنا الأكبر بعد نقص الغذاء، هى مياه الشرب فليس لدينا إلا آبار تنتج مياه مالحة ومع ذلك إلا أن سعر الجركن بـ 10 جنيهات سودانى، ومن يمتلك حمارا هو الشخص القادر على شراء مياه عذبة من خارج المعسكر.
خروج الأطفال من المعسكر لجمع الحطب يعرضهم للتعذيب وانتهاكات من الميليشيات المسلحة فى هذا المحيط غير الآمن على الإطلاق.
أحمد عبدالشافع عبدالرازق ويعمل مدرسا بالمرحلة الثانوية، قال: جئت إلى المعسكر عام 2009 وكنت فى العشرين من عمرى، كنت أقيم فى منطقة «الطويلة» بشمال دارفور، ونزحت عقب هجوم الميليشيات على منازلنا التى هدموها وتوفى عدد من أفراد عائلتى، ومعى فى المعسكر أمى و 4 أشقاء من السيدات والرجال.
المدارس هنا عبارة عن مساحات مفتوحة تحت الأشجار، منها 7 مدارس خاصة يمتلكها أفراد قادرون ماديا، ومدرستان حكوميتان، وقد أوقفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» دعمها للتعليم فى المنطقة منذ ما يقرب من 10 سنوات، وأقوم بالتدريس للطلبة عبر شراء الكتب من السوق وأدرس مادة الرياضيات الذين يشترون هم أيضا كتبهم.
فيصل والذى يبلغ من العُمر 10 سنوات، كان قوله حاسما حد المرارة التى ارتسمت على وجهه البرىء، حيث قال: ولدت فى المعسكر، استقيظ يوميا 6 صباحا للذهاب إلى العمل فقد تركت مدرستى منذ الصف الثالث الابتدائى، والدى غير قادر ماديا ومريض لا يستطيع العمل، أعمل على عربة جر مياه بـ 100 جنيه فى اليوم أدفع نصفهم لصاحب العربة، وأعول عائلتى بالمبلغ المتبقى حيث لدى 3 أشقاء، ووالدتى تعمل أيضا حيث تبيع «السندوتشات».
أتمنى الموت.. هو أفضل من المعيشة هنا فى المعسكر..!
لا توجد كهرباء فى المعسكر، والإنارة تزول مع غروب الشمس، ولا توجد خدمات صحية حقيقية، فليس هناك سوى مستشفى وحيد أنشأته هيئة الإغاثة الدولية.
تقول بهجة موسى «مساعدة طبيبة بالمستشفى»: يوجد فقط غرفة للولادة، وعنبران للرجال والنساء المرضى، وغرفة كشف وغيارات جراحية.
أما المعمل فلا يقدم إلا خدمات بسيطة وفحوصات تحاليل البول والملاريا، ولا يوجد بالمستشفى أى مستلزمات لفحوصات «فيروس كورونا» ولا أنابيب أكسجين، والمشتبه فى إصابته يتم تحويله إلى مستشفى العاصمة الفاشر.
زينب مراد وسارة الحاج ممرضتان بالمستشفى منتدبتان من وزارة الصحة لمدة عام واحد، تشكو الممرضتان من وجود طبيب واحد فقط، ترك المستشفى منذ أسابيع ولم يعد، بينما معظم الأطفال يعانون من سوء التغذية خاصة بعد أن توقف العمل بكروت التغذية التى كانت تقدمها منظمات الغوث للأسر، ومن ثم لم يعد هناك ماء ولا طعام.
وتقول عزة يوسف «أمينة المرأة فى قطاع (ب) بالمعسكر»: لا يوجد إغاثة، وجلسنا مع المنظمات والعون الإنسانى ونسمع وعودًا بلا نتيجة والدعم الغذائى كان يصل إلى 20 % فقط من سكان المعسكر، وسوء التغذية يعانى منه الأطفال والحوامل والأمهات المرضعات.
وتضيف: لا توجد رعاية صحية للأطفال حديثى الولادة، وبلغت نسبة الوفيات منهم 50 % أى نصف المواليد، فجميع المنظمات التى كانت تعمل فى مجالات الصحة وغيرها تم طردها فى عهد النظام البائد بدعوى الضغط على النازحين للعودة قسريا إلى مناطقهم الأصلية، برغم عدم وجود مساكن لهم وانعدام الأمن والأمان فى قراهم.
ومن معسكر «زمزم» جنوب الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، توجهت إلى معسكر «أبوشوك» ثانى أكبر معسكرات النازحين، الذى يقع إلى الشمال من العاصمة.
الوضع لا يختلف نهائيا عن معسكر «زمزم»، فمعسكر «أبوشوك» يُشبه اسمه فالأشواك تملأ صدور سكانه وعددهم البالغ 47 ألف نازح يعيشون فى معاناة الظمأ والجوع وافتقاد أبسط متطلبات الحياة كالعلاج والتعليم، وقبل ذلك الشعور بالأمان.
حالات النازحين هُنا ربما هى الأسوأ فى المعسكرات، الوجوه هى نفسها التى تراها فى معسكر «زمزم» لكن آثار 18 عاما من النزوح واللجوء إلى المعسكر وضعت بصماتها بقسوة على الأرواح قبل الأوان.
وتقول خديجة سليمان (45 عاما): نزحت مع أسرتى من منطقة «كورما» عام 2003، وتتذكر بأسى شديد ليلة نزوحها، قائلة: «كنا نعيش فى أمان فى منازلنا وذات ليلة خرجنا من منازلنا والهلع يملأ قلوبنا فوجدنا اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية والحركات المسلحة، ثم جئنا إلى الفاشر ونقلتنا المنظمات إلى المعسكر، كنت أعيش حياة مستقرة، منزلى احترق أمام أعينى وهرولت وأنا أحتضن أبنائى الصغار، هاربين من الموت المحقق.
وتضيف: زوجى يعمل فى الزراعة الموسمية، وكارت الغذاء توقف عام 2011 بعد زيادة أعداد النازحين، ونحن لا نريد العودة إلى قرانا، فلا يوجد أمان بها، فكيف نعود؟!
أما نعمة حامد التى تسكن المعسكر منذ 18 عاما، تقول: «لدى 10 أولاد وبنات، لم ولن أستطيع نسيان ليلة الحرب والنزوح القاسية، قتل وإهانة شديدة وتشريد.
هرولت بأطفالى فزعا، زوجى لم يرافقنى رحلة النزوح فلم يكن متواجدا فى المنزل، كنت حاملا فى الشهور الأخيرة، ووضعت وليدى فى الطريق، والسيدات العجائز قطعن لى الحبل السرى خلال عملية الولادة وأكملت الرحلة قهرا والنزيف مستمر لم يتوقف، مرضت وتم نقلى للمستشفى ومكثت بها 7 أيام فى محاولة لإنقاذى من الموت.
وتابعت: زوجى يعمل فى صنع الطوب البلدى، أجرته فى اليوم 300 جنيه فقط! وتضيف: كرة العيش والتى تكفى 10 أفراد ثمنها 200 جنيه، والـ 3 لترات مياه بـ 10 جنيهات أيضا، اليومية لا تكفى ثمن الخبز والمياه، لدى ولدان فى المرحلة الثانوية وطفلان آخران تركا الدراسة للعمل وإعالة الأسرة فالعائد المادى للوالد ضعيف.
وتضيف: فى السنوات الماضية كان الأمن متوفرا فى المعسكر، ولكن فى الوقت الراهن لا نشعر بالأمان، الملاريا زادت نسبة الإصابة بها والأطفال مصابون بالأنيميا، ولا توجد مساعدات من منظمات أو غيرها من أى جهة، وفى ذروة تفشى «فيروس كورونا» قالت لنا الحكومة لا تخرجوا من منازلكم لكن نحتاج للعمل، «الله وحده يحمينا».
كلثوم حسن قالت: لا أعلم عمرى كم سنة، أنا سيدة مطلقة ولدى 3 أولاد، أعمل فى حياكة الملابس والعمل مؤقت غير دائم، أجرتى 250 جنيها فى اليوم الواحد.
وتضيف: أتداين من الدكان وأسدد لمالكه بعد الحصول على أجرتى، لدى فتاة تدرس فى المرحلة الثانوية بالفاشر لأنها متفوقة والأخرى تدرس بإحدى مدارس المعسكر، كارت المعونة الغذائية أستطيع صرفه كل شهرين وأحصل على شوال عيش فقط دون ملح أو زيت أو أى مواد أخرى، و1000 جنيه سودانى لكل فرد.
مازن ابن السيدة كلثوم والذى كان يجلس بجوارها خلال حديثها قال إنه لا يريد أن يترك المعسكر، فأنا ولدت به ولا أعرف مكانا غيره.
ومن رحم المعاناة تُولد العزيمة، ويتجسد ذلك فى تجربة الفتاة نعيمة ذات الـ 21 عاما التى تقطن معسكر «أبوشوك»، والتى قالت: أدرس بجامعة الفاشر وأذهب للدراسة يومين فى الأسبوع، وأعمل 4 أيام فى صنع الطوب الأحمر، أترجل من المعسكر إلى الجامعة ذهابا وإيابا لتوفير مصاريف المواصلات، أحصل على 120 جنيها فى الأسبوع من المصنع، وأستطيع توفير مصاريف الجامعة والتى تقدر بـ 6000 جنيه سنويا.
العمدة بوش أحمد صالح ومسئول لجنة المياه والبيئة بالمعسكر، حصر مشاكل وأزمات النازحين داخل «أبوشوك» فى نقص المياه وتحديدا فى فصل الصيف، لقلة عدد الآبار حيث يحتاج المعسكر إلى 5 آبار إضافية.
ويقول: مع موسم الأمطار تتحول المياه إلى نقمة، حيث تتسبب بحيرات المياه الراكدة إلى بيئة جاذبة للناموس ولذلك هناك انتشار لمرض الملاريا فى المعسكر، أما الطعام فقد أصبح مشكلة بعدما تم وقف كروت الغذاء والمستمر منها من الكروت الموسمية التى تُصرف كل 3 أو 7 أشهر يصل إلى 9 آلاف فقط بينما من المفترض أن تخدم 50 ألف مواطن.
ويضيف: التعليم وضعه صعب للغاية، فالأسر ليس لديها مقدرة مادية على تعليم أبنائها ومعظم الأطفال مشردين، ونصف البيوت هُنا أرامل والأطفال يتامى، تركوا الدراسة من أجل العمل فى أشغال صعبة لا تناسب أعمارهم أو أجسادهم الضئيلة. وتابع قائلا: «البنى آدم هُنا لا مُشرف ولا مُكرم».
وفى المعسكر يوجد المركز الصحى الألمانى وهو المركز الطبى الأكبر بالمعسكر والذى تأسس عام 2004 وتم إهماله عقب طرد المنظمات الدولية على مدار السنوات الماضية، ولذلك أطلق مجموعة من الشباب مبادرة «نفير شمال دارفور» والتى تبنت إعادة بناء المركز.
ويقول محمد يوسف نائب رئيس المبادرة لـ«الشروق» بعد انهيار المركز وصلت نسبة الإصابة فى المعسكر بمرض الملاريا لـ 100 % تقريبا، ولذلك قررنا جمع التبرعات لتأهيل وبناء المركز من جديد كما وضعنا برامج صحية مستقبلة لتأهيل جميع المعسكرات بولاية الفاشر، وجميع العاملين متطوعين وحتى المهندسين الذين صمموا تخطيط وبناء المركز كان بشكل تطوعى، ولا زال العمل مستمرا للانتهاء منه قريبا لتوفير بيئة صحية جيدة وحياة كريمة لأبناء المعسكر.
ويبقى السؤال هل هناك بصيص أمل فى نهاية نفق المعاناة لنازحى دارفور؟! هل يستطيع اتفاق «سلام جوبا» الذى جرى توقيعه بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة منذ 6 أشهر نقل النازحين من حياة الموت البطىء إلى أمان المعيشة فى قراهم؟!
الرسالة الثانية لـ«الشروق» من «دارفور» نطرح فيها تلك الأسئلة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك