• انتظروا الجزء الثانى آخر العام الحالى.. ويتضمن فترة عملى بجامعة الدول العربية ودور مصر الدبلوماسى فى القضايا الدولية
• إبراهيم المعلم: أصدرنا سلسلة كبيرة من مذكرات أهم من شاركوا فى صنع هذا التاريخ.. ونحرص على نشرها لأنها «تاريخ أمة»
• حاولت إقناعه بكتابة مذكراته لسنوات طويلة واستجاب فى نهاية المطاف
• موسى استطاع أن يحول العمل الدبلوماسى إلى عمل وطنى وسياسى فأصبح نجما شعبيا فى مصر والوطن العربي
أعرب الدبلوماسى الكبير عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، عن سعادته بالمشاركة فى معرض القاهرة للكتاب، واصفا إياه بأنه أكبر معرض للكتب فى الوطن العربى، ومشيدا باختيار جمهورية الجزائر ضيف شرف لهذا العام.
جاء ذلك خلال الندوة التى عقدت مساء أمس بقاعة لطيفة الزيات ضمن فاعليات الدورة 49 للمعرض، وأدارها المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة الشروق، بحضور أحمد بدير العضو المنتدب لدار الشروق، ونانسى حبيب نائب مدير النشر بالدار، والكاتب الصحفى خالد أبو بكر مدير تحرير جريدة الشروق.
وقال «موسى» فى مستهل الندوة إن «كتابيه» ليست مذكرات شخصية بل تسجيل لحياة ومهنة وتاريخ بلد بكل انتصاراته وإخفاقاته، كاشفا عن أهم الأشياء التى تناولها فى الجزء الأول من مذكراته والتى جاءت فى 18 فصلا، بدءا من نشأته فى القرية والحياة الاجتماعية بها، ثم رحيله للمدينة والدراسة بكل مراحلها، مشيرا إلى أنه لم يكن يسرد سيرته الشخصية بل المجتمع المحيط به والحياة المصرية بكل التغيرات التى طرأت عليه، وما تعرضت له السياسة المصرية، وذلك من منطلق تحليل تاريخى يعتمد على الوثائق والمستندات، داعيا أصحاب التجارب المهمة إلى أن يكتبوا مذكراتهم، قائلا: «على كل شخص يصل إلى نهاية مشواره أن يكتب مذكراته ويخبرنا ماذا قابل وعاش».
وكشف موسى عن كواليس خروج مذكراته للنور، وقال: جاءت بناء على طلب من المهندس إبراهيم، بعد زيارته لى بوزارة الخارجية، وقال لى المعلم.. عليك أن تكتب مذكراتك، فلديك تجربة ثرية، تمثل جزءا من تاريخ هذه الأمة، الذى يجب أن يُسَجل، كما أن الظروف تقتضى التوثيق والتعليق والتحليل، وحينها وضعت الأمر فى ذهنى لكنى لم أتخذ القرار، إلا بعد فقدى للصديق العزيز أسامة الباز، وتذكرت بأننا بوفاته فقدنا نصا مهما فى التاريخ المصرى، حيث كان الفقيد أقرب الناس للرئيس السادات وكذلك مبارك، بل كان ضمن مجموعة الشباب الموجودين حول مكتب الرئيس عبدالناصر، وأنه كان لديه الكثير ليقوله، فكان موته جرس إنذار لى لأن أكتب نصى أنا الآخر قبل الرحيل، وأخذت الأمر بجدية، ثم تشاورت مع «المعلم» فى الأمر بعدها وكيفية خروج النص، فقال لى: عندى محرر مهم جدا، ورشح لى الكاتب الصحفى خالد أبو بكر، وعند عملنا معنا على المذكرات وجدته نموذجا من الناس الذى يؤدى مهامه بالشكل الأمثل، وهذا هو النوع الذى يستطيع أن يبنى مصر فى مختلف مجالاتها، إذا أردنا النهوض بالوطن.
وكشف موسى عن موعد صدور الجزء الآخر من مذكراته «كتابيه» مشيرا إلى أنه سيكون فى آخر العام الحالى، وأنه سيتضمن فترة عمله بجامعة الدول العربية ودور مصر الدبلوماسى فى العديد من القضايا الدولية.
وألقى صاحب «كتابيه» الضوء على عدة نقاط حول تاريخ مصر وسياساتها فى مراحل مختلفة، منذ فترة الأربعينيات شارحا كيف خلقت مصر سياسة الحياد، ورفضت أن تدخل فى حروب لا ناقة لها بها ولا جمل، بحسب وصفه، ضاربا مثال بطلب دخولها فى الحرب الكورية، ولكنها رفضت ذلك، وقت لم تكن أى دولة تستطيع قول هذا، مضيفا: إن هذا كان بداية تشكيل كتلة عدم الانحياز فى العالم الحديث، وبأن مصر دائما كانت إشعاعا مهما للدول النامية، وهى دولة قائدة منذ بداية تاريخها والعالم كله تعلم منها، مستشهدا بتحية الزعيم الهندى غاندى، لثورة 1919 وزعيمها سعد زغلول، ووصفه إياها بالملهمة، ثم مرحلة حكم جمال عبدالناصر والتى شهدت نشاطا عربيا كبيرا لمصر وكان صداه إيجابيا فى العالم كله، مما نتج عنه العداء الشديد لنظام الرئيس عبدالناصر من جانب أمريكا وغيرها.
وأشار موسى إلى أنه ناقش خلال الكتاب الوجه الداخلى والخارجى لمصر فى فترات زمنية مختلفة، وقوفا على أسباب حدوث هزيمة 1967، ولماذا حدثت، وذلك حتى لا تقع مصر فى مثل هذه الإشكاليات مرة أخرى، وقال: إن المقصود بها هو دراسة تاريخ مصر، وأن تعى الأجيال المتتالية النجاحات المصرية والهزائم رافضا سياسة التعتيم ونشر الجهالة والحجر على عقل الشعب بأن يقرأ هذا ولا يقرأ ذاك.
وعن القوة الناعمة فى مصر ودورها الكبير على مدى تاريخها، قال موسى: أثرت مصر بقوتها الناعمة على المنطقة باتساعها، فأمير الشعراء كان من مصر، وكوكب الشرق كانت مصرية، وكذلك أكبر ملحن، وعميد الأدب مصرى، هؤلاء العمالقة أبناء مصر، وقوتها الناعمة التى جعلت كل من ينطق بالعربية يقرأ لطه حسين، والعقاد
والمازنى وشعر شوقى، ويسمع أم كلثوم وعبدالوهاب، لافتا أن هذا هو ما أعطى أهمية للشرق الأوسط، ولم يكن النفط فقط كما هو شائع ويروج له.
وعن رؤيته للمستقبل قال موسى: أمامنا تحدٍ كبير يبدء بأن نُصلح ما فسد، وأن نعمل لمصلحة الأجيال القادمة، وأن نُعد أنفسنا للمستقبل خاصة فى ظل الزيادة السكانية التى نشهدها، وهناك ضوء فى نهاية النفق، ومصر باستطاعتها العودة وستعود ولكن بالعمل الجاد وبالجودة وبأن نطرح أنفسنا كبلد تقود المنطقة ولا تقاد.
وأوضح أن العالم يشهد سيوله كبيرة ومن الصعب التحديد بدقة كيف سيسير العالم، فالولايات المتحدة تواجة تحديا كبيرا من الصين وليست من روسيا، فالصين تنطلق بقوة، وفى صعود مستمر، مستشهدا بخطاب الرئيس الصينى الذى وصفه بالتاريخى، أثناء حملة ترامب، حين قال إن لم ترد أمريكا أن تقود العولمة فستقودها الصين.
وطالب موسى خلال اللقاء المهندس إبراهيم المعلم، بضرورة العمل على ترجمة الكتاب، وقال: مطلوب قراءته فى الخارج، كثيرون ينتظرون الترجمة، لافتا إلى أن الترجمة ناقلة للقوة الناعمة لمصر لتصل إلى العالم.
وردا على سؤال عن الروشتة التى يقدمها لتستعيد مصر مكانتها؟، ورأيه فى الاستعانة بمجلس شيوخ من خيرة علماء مصر؟ أجاب موسى: أنا من أنصار وجود مجلس شيوخ منتخب ومعين، وأن يكون له دور فى التشريع، ولكن يظل بعيدا عن أمرين هما «الميزانية» و«الرقابة على الحكومة»، لأن هذه من سلطات مجلس النواب فقط.
وألمح إلى أنه تحدث مع الرئيس السابق عدلى منصور فى ذلك، ولفت النظر إلى ضرورة تشكيل مجلس استشارى اقتصادى واجتماعى لا علاقة له بالسلطة التشريعية أو التنفيذية يعود إليه البرلمان.
ومن جانبه قال المهندس إبراهيم المعلم، إن قوة معرض القاهرة للكتاب، تأتى من الحضور الكبير والمتنوع لزائريه، وهم ليسوا من المصريين فقط، ولكن من كل أنحاء الوطن العربى، وهذا ما يجعله أكبر معرض للكتب فى الشرق الأوسط، لافتا إلى أن القائمين على معرض الكتاب يبذلون أكبر جهد فى حدود الإمكانيات والظروف المتاحة، لكى يخرج المعرض بشكل لائق بالقاهرة عاصمة الثقافة التاريخية، متمنيا أن تكون الدورات القادمة أكثر تنظيما، وعصرية بما يليق بمكانة القاهرة، وتاريخ مصر ومستقبلها.
وقال المعلم: «يسعدنى المشاركة والحديث فى ندوة مع أحد فرسان الدبلوماسية المصرية، وواحد من أهم الشخصيات فى الحياة السياسية والدبلوماسية بمصر والوطن العربى».
وأشار إلى دور عمرو موسى فى الحياة الدبلوماسية منذ بداية التحاقه بوزارة الخارجية وعمله كملحق، وسفير، ومدير إدارة الهيئات الدولية بوزارة الخارجية، ومندوب مصر الدائم فى الأمم المتحدة، وسفير مصر بالهند، ووزير الخارجية، ثم أمين عام جامعة الدول العربية، ثم رئيس لجنة الخمسين لكتابة الدستور، لافتا النظر إلى مكانته العربية والدولية، والتقدير والإعجاب المتزايد به ولدوره وأفكاره ومواقفه، وقال: «منذ سنوات طويلة أحاول إقناعه بكتابة المذكرات، إلى أن استجاب فى نهاية المطاف»، موضحا أن «عمرو موسى استطاع أن يحول العمل الدبلوماسى إلى عمل وطنى وسياسى ويصبح نجما شعبيا فى مصر والوطن العربى».
واختتم «المعلم» كلمته قائلا: المذكرات تاريخ أمة، و«دار الشروق» أخذت على عاتقها نشر تلك المذكرات لأصحابها وأصدرت سلسلة كبيرة لمن شاركوا فى صنع هذا التاريخ، بدءا من مذكرات نوبار باشا، والخديوى عباس حلمى، والفريق كمال حسن على، محمود فوزى، وحازم الببلاوى، وجيهان السادات، وعصمت عبدالمجيد، وبطرس غالى، ونبيل العربى، وثروت عكاشة، ويحيى الجمل، ونبيل شعث، وغيرهم.
وقال المعلم إن استشراف المستقبل يتطلب معرفة وفهم للتاريخ، وأن المذكرات هى جزء من هذا التاريخ تحمل رؤى وتجارب أصحابها والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى عاصروها ومر بها الوطن.