صدر مؤخرًا عن أكاديمية الفنون والهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب "الفن الحركي في عروض مسرح الطفل" للدكتورة ندى طارق، ليُشكل إضافة نوعية ومهمة للمكتبة العربية المتخصصة في فنون الأداء عمومًا، ومسرح الطفل خصوصًا.
يطرح الكتاب رؤية نقدية تحليلية معمقة حول دور الفن الحركي كعنصر جوهري في تشكيل عروض مسرح الطفل، مستعرضًا تطوره وتجلياته في السياقين المصري والعالمي.
يُعدّ الفن الحركي لبنة أساسية في بناء أي عرض مسرحي، وتزداد أهميته وتأثيره في عروض مسرح الطفل تحديدًا، حيث يُشكل لغة بصرية قوية ومباشرة تتجاوز حدود اللغة المنطوقة، وتُمكن الأطفال من التفاعل مع العرض وفهم رسائله بشكل أعمق وأكثر حيوية، وهنا يبرز دور كتاب الدكتورة ندى طارق في تسليط الضوء على هذه العلاقة المتشابكة، وتفكيك آلياتها بشكل منهجي ومُحكم.
يُقدم الكتاب رحلة معرفية متكاملة تبدأ بتحديد ماهية الفن الحركي، تعريفًا وتأصيلًا، ليضع القارئ في سياق مفهومي واضح، وينتقل بعدها إلى تتبع تاريخه ونشأته وتطوره عبر العصور، مع التركيز على أبرز المحطات التي شكلت هذا الفن ووجهت مساره، وهنا تُبرز الدكتورة طارق دور رواد الفن الحركي العالميين الذين أسسوا قواعده، وعبروا به إلى آفاق تعبيرية جديدة، مما يُشكل قاعدة معرفية ضرورية لفهم التطورات اللاحقة.
تُخصص الدكتورة ندى طارق جزءًا مهمًا من كتابها للحديث عن أهم رواد الفن الحركي وسماته وخصائصه، وهذا التحليل لا يُقدم مجرد سرد للمعلومات، بل يتجاوزه إلى تحليل نقدي يُبرز كيفية توظيف هؤلاء الرواد للحركة في بناء عوالمهم المسرحية، وكيف أثروا في جماليات الصورة البصرية.
يتناول الكتاب أيضًا مميزات وأهمية الفن الحركي في مسرح الطفل بشكل خاص، مُشيرًا إلى قدرته على جذب انتباه الأطفال، وتنمية خيالهم، وتعزيز قدرتهم على التعبير الجسدي، وتوصيل القيم والمعاني بشكل غير مباشر وجذاب.
كما يعتمد الكتاب على التطبيق على بعض العروض العالمية والمصرية، وهذه المنهجية تُقدم للقارئ أمثلة حية تُوضح كيفية تجلي الفن الحركي في أعمال مسرحية حقيقية، كما يُحلل الكتاب هذه العروض بشكل نقدي، مُبرزًا آليات توظيف الحركية، ومدى فعاليتها في تحقيق الأهداف الفنية والتربوية للعروض، وهذا الجزء من الكتاب يُشكل جسرًا هامًا بين الجانب النظري والعملي، ويُمكن القارئ من فهم عميق للتحديات والفرص التي يُقدمها الفن الحركي في مسرح الطفل، ويُبرز هذا التحليل أيضًا مدى التباين والتنوع في استخدام الفن الحركي بين التجارب العالمية والمصرية، ويُمكن أن يُشكل نقطة انطلاق لمزيد من الأبحاث المقارنة.
يُعد كتاب "الفن الحركي في عروض مسرح الطفل" إنجازًا بحثيًا قيمًا يُحسب للدكتورة ندى طارق، نظرا لجهدها البحثي وتعمقها في الموضوع، وهو ما يُشكل مرجعًا مهمًا للباحثين، المخرجين، ومصممي الديكور السينوغرافيا ، وكل المهتمين بمسرح الطفل، وعليه يُمثل كتاب "الفن الحركي في عروض مسرح الطفل" للدكتورة ندى طارق إضافة نوعية تستحق القراءة والاهتمام، إذ يُقدم الكتاب أساسًا معرفيًا متينًا، ويفتح آفاقًا جديدة للتفكير في كيفية توظيف الفن الحركي في إثراء التجربة المسرحية للطفل، مؤكدًا على أن الفن الحركي ليس مجرد عنصر جمالي بصري، بل هو لغة قائمة بذاتها تُسهم بفاعلية في بناء المعنى وتشكيل الصورة وبالتالي تشكيل الوعي