تحل اليوم، 2 أغسطس، ذكرى وفاة العالم الكبير الدكتور أحمد زويل، الذي رحل عن عالمنا عام 2016، عن عمر ناهز 70 عامًا، بعد صراع مع سرطان النخاع الشوكي.
رغم رحيله، لا يزال زويل رمزًا عالميًا للعلم والاجتهاد، باعتباره أول مصري وعربي يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، عن اكتشافه الرائد في "كيمياء الفيمتو"، التي مكّنت العلماء من تتبع حركة الذرات داخل الجزيئات خلال التفاعلات الكيميائية، في زمن مقداره جزء من مليون مليار جزء من الثانية.
وفي ذكرى وفاته، نسلّط الضوء على جانب آخر من حياته، ربما لا يعرفه الكثيرون، وهو الجانب الروحاني والإيماني، الذي وصفه الدكتور زويل بنفسه في كتابه الشهير "عصر العلم"، الصادر عن دار الشروق.
المسجد.. نواة طفولته وبداية شغفه بالعلم
يقول الدكتور زويل: "لمسجد سيدي إبراهيم الدسوقي أهمية خاصة في حياتي، فقد حدد هذا المسجد معالم طفولتي المبكرة. كنا، أنا ورفاقي، منجذبين إليه للصلاة والمذاكرة، وقد شكّل بالفعل نواة للدراسة الجدية في هذا العمر."
ويضيف: "المعروف أن دور المسجد في الإسلام لم يقتصر على أداء الصلوات فقط، بل كان مركزًا للتعليم والدراسة أيضًا. وله حرمة وقدسية خاصة، وبالإضافة إلى قبابه وأعمدته ومآذنه، فهو يتألق هيبة واحترامًا."
رمضان.. روح الجماعة والالتزام
وفي حديثه عن طقوس شهر رمضان في طفولته، يقول زويل: "كنت أتوجه مع أصدقائي بعد الإفطار إلى المسجد لأداء الصلاة، ثم نذهب إلى بيوتنا أو بيوت أصدقائنا لنذاكر دروسنا حتى الفجر، قبل أن نعود لأداء صلاة الفجر. لقد شكّل المسجد محور حياتي وحياة أهل المدينة كلها، وكان قوة جاذبة للعمل والحياة معًا في جو من التناسق والوئام."
البيت والمئذنة.. جغرافيا الذاكرة
ويشير الدكتور زويل إلى القرب المكاني بين بيته والمسجد بقوله: "يتفرع من ساحة مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي عدد من الشوارع، يقع منزلنا في أحدها، على بعد أمتار قليلة من المسجد. كنا نسمع صوت المؤذن بوضوح ونحن في البيت، وكانت أسرتي تشجعني على أداء صلاة الجمعة بانتظام."
الأخلاق.. السياج الخفي للمجتمع
ويؤكد زويل على التأثير الإيجابي للمسجد في السلوك العام، قائلًا: "كان للمسجد دور إيجابي في حياتنا وسلوكنا، ولم نسمع يومًا أن أحد رفاقنا تعامل مع المخدرات أو ما شابهها. ربما جرب بعضنا تدخين سيجارة، لكن أبدًا ليس أمام أهله. لم نشهد عنفًا في الشوارع، فالقيم النبيلة للمسجد أحاطت المجتمع بسياج من الأخلاق الفاضلة."
ويتابع متأثرًا: "أتذكر تمامًا مشهد غروب الشمس في رمضان، والناس يسرعون لمنازلهم، وصوت المؤذن الهادئ يدعو للصلاة، والمحلات تغلق أبوابها استعدادًا للإفطار، قبيل انطلاق مدفع الإفطار بلحظات."
الثقة والأمان.. تفاصيل من ذاكرة المدينة
ويتحدث عن تفاصيل الحياة اليومية، التي كانت مليئة بالثقة المجتمعية، قائلًا: "كان أصحاب الدكاكين حول المسجد يعرفونني كما يعرفون والدي، وكنت أشتري ما أحتاجه دون أن أدفع فورًا، لأن والدي سيدفع لاحقًا. كان هناك شعور عام بالطمأنينة والثقة، شكّل سياجًا من القيم انضبط به سلوك المجتمع كله."
ويضيف: "أتذكر أنني كنت أجلس على دكة خشبية مع عم حمودة البقال، والد أحد أصدقائي. كنت أستمتع بنصائحه وحكمته، وكان يحبني كواحد من أولاده."
الإيمان السمح.. أساس التربية
ويختم زويل حديثه عن الجانب الروحي في نشأته قائلًا: "كنا كأطفال منجذبين للإيمان، ووجدنا تشجيعًا دائمًا من إدارة المسجد. عشنا في ظل تعاليم دينية بسيطة وسماحة الإسلام، دون تشدد أو جمود، وهو ما انعكس على أسلوب حياتنا."
ويضيف في ختام شهادته: "كان يُقال لنا دائمًا إن أول ما نزل من السماء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان: «اقرأ». وقد باركت أسرتي هذا التوجه وشجعتني على العلم، ولم يكن للتطرف أو الجمود العقلي مكان في حياتنا."