«الانتحار الاستعراضي» في مصر.. رسالة سياسية أم اكتئاب عقلي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:00 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الانتحار الاستعراضي» في مصر.. رسالة سياسية أم اكتئاب عقلي

«الانتحار الاستعراضي» في مصر.. رسالة سياسية أم اكتئاب عقلي
«الانتحار الاستعراضي» في مصر.. رسالة سياسية أم اكتئاب عقلي
إعداد – مصطفى ندا
نشر في: الخميس 2 أكتوبر 2014 - 10:26 ص | آخر تحديث: الخميس 2 أكتوبر 2014 - 10:38 ص

«تعددت الأشكال والانتحار واحد».. شنقا من فوق لوحة إعلانية، وسقوطا مدويا في نهر النيل من أعلى الكوبري، وتوجيه طلقات نارية للرأس مباشرة، أو تناول سم الفئران للتخلص من الحياة.. ليست مشاهد نراها فقط في أحدث الأفلام التي تتصدر شباك التذاكر الأمريكية، وإنما أصبحت جزءا من واقع مؤلم لحالات متكررة خلال الآونة الأخيرة في الشارع المصري، تغيرت فيها فطرة حب البقاء إلى التخلص من أعباء الحياة وأزماتها بالانتحار.

ضيق اليد والديون والبطالة وعدم وجود فرص عمل للشباب والاحتقان السياسي والاضطراب النفسي منذ يناير 2011.. كلها عوامل اجتمعت معا وفقا لما أشار إليه خبراء الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وأدى تراكمها طيلة السنوات الماضية إلى تكرار حوادث الانتحار الاستعراضي «الشو».. في مكان عام ربما لإيصال رسالة سياسية إلى الحاكم أو رغبة من قبل المنتحرين لكي تطفوا أزمتهم على السطح وتظهر للرأي العام ووسائل الإعلام، مع يقينهم باستحالة رؤية نتيجة فعلهم.

إحصائيات وترجمة للانتحار على أرض الواقع

في دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية جاءت مصر في المركز 96 على مستوى العالم من حيث عدد الأفراد المقبلين على الانتحار، وكان ذلك في عام 1987 ثم جاء عام 2007 ليشهد 3708 حالات انتحار متنوعة من الذكور والإناث، وقد سجل المركز القومي للسموم التابع لجامعة القاهرة وقوع 2355 حالة انتحار بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و23 عاما، طبقا للإحصائيات الرسمية.

ومنذ يناير 2011 وحتى عام 2014، شهد عالم الانتحار في مصر نقلة نوعية من حيث الأدوات المستخدمة في الانتحار، أيضا الزمان والمكان فيما أطلقت عليه وسائل الإعلام بـ«الانتحار الاستعراضي».

ثورة يناير.. وظهور «الانتحار الاستعراضي»

قبل اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير كان مبنى مجلس الشعب القائم بشارع القصر العيني شاهدا على محاولات انتحار عدة من أناس تتفاوت أعمارهم بين 40 عاما و70 عاما، وصولا إلى الفئات العمرية للشباب، تحديدا في سن العشرينات، فنجد صاحب مطعم يدعى عبده .ع.ح يبلغ من العمر 40 عاما أشعل النيران في جسده يوم 17 يناير أمام مجلس الشعب بسبب ضائقة مالية، ووعلى نفس المنوال أقدم آخر يدعى سعيد.ع سائق تاكسي على التخلص من ديونه باستخدام البنزين والولاعة لإحراق نفسه أمام مقر المجلس، بعد أن أجرى اتصالات هاتفية بكافة القنوات الفضائية لتكون شاهدة على انتحاره يوم 21 يناير 2011، وفي الإسكندرية "جزار" شاب يدعى خضير.ف.خ قرر التخلص من حياته بالشنق لعدم حصوله على فرصة عمل بالخارج، وفق تصريحات والده.

وفي عام 2012 تغير أسلوب التخلص من الحياة، بعد أن ألقى مواطن يدعى خالد .أ.ج بنفسه تحت عجلات مترو الأنفاق، بمحطة دار السلام بسبب خلافات مع زوجته، وفقا لما جاء في محضر الواقعة.

وعام 2014 وتحديدا شهر سبتمبر الماضي، كان شاهدا على أكثر من 13 حالة انتحار مآسوية ما بين إطلاق الرصاص في الرأس لطالب رسب في امتحان الثانوية العامة، أو الشنق من أعلى لوحة إعلانية على طريق مصر إسماعيلية الصحراوي بسبب ضائقة مالية، وأخيرا شاب يدعى مجدي يبلغ من العمر 27 عاما ألقى بنفسه في النيل من أعلى كوبرى قصر النيل، بعد أن ترك "بطاقته" لأحد المارة بسبب معاناته من البطالة، على حد ما وصف أقاربه.

رحلة «الشروق» للكشف عن الحقيقة.. والأرقام غائبة

ذهبنا إلى اللوء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، للحصول على رقم بعينه لحالات الانتحار على مدار الثلاثة سنوات الماضية، وأجاب بضرورة الاتصال المباشر بمكتب العلاقات العامة بالجهاز للحصول على المعلومات اللازمة.

تواصلنا مع أحد موظفي العلاقات العامة الذي أشار إلى أنه لا يوجد أرقام محددة عن حالات الانتحار على الموقع الرسمي للجهاز، فضلا عن عدم وجود أي نشرات إحصائية عن الأمر، إلا أنه أوضح أن الآلاف من محاولات الانتحار تحدث سنويا في مصر.

الطب الشرعي: التفاصيل تحتاج رسالة ماجيستير

وبسؤال الدكتور هشام عبد الحميد، المتحدث الرسمي باسم مصلحة الطب الشرعي، عن السمة أو العمل المشترك في حالات الانتحار الواردة إلى مصلحة الطب الشرعي، قال إن الموضوع يحتاج إلى مزيد من الوقت والبحث لإيجاد القواسم المشتركة لحالات الانتحار وأسبابها.

وأضاف، أن تلك البحوث تجرى في الغالب لمن يريد القيام برسالة ماجيستير أو دكتوراه عن حالات الانتحار في مصر، فضلا عن وجود حالات متعددة للانتحار بأشكال مختلفة ومن الصعب إحصاؤها في وقت زمني قصير.

«والجثث المتعلقة بحالات الانتحار لا يتم تشريحها إلا بأمر من النيابة العامة لمعرفة السبب الحقيقي للوفاة، وإذا تم الاشتباه في واقعة جنائية فقط لا غير» يقول المتحدث باسم الطب الشرعي.

«الاكتئاب العقلي» السبب.. وأشكال الانتحار الأخيرة رسالة للحكام

قال الدكتور شحاتة زيان، أحد المتخصصين في المركز القومي للبحثو الاجتماعية والجنائية، إن معظم اللاجئين للانتحار هم ضحايا ظروف اجتماعية قاسية دفعتهم إلى حل المشكل من زاوية أحادية الجانب وسط كم من ضغوط الحياة أصبحوا غير قادرين على تحمله.

وأضاف، أن حوادث الانتحار في مصر لم تتحول الى ظاهرة بعد وأن وسائل الإعلام المختلفة حاولت أن تقدم الأمر بشكل دعائي بمزيج بين البروباجندا والشو للفت الأنظار والانتباه في ظل المناخ السياسي المحتقن، خاصة بعد ما وقع مؤخرا من حالات استعراضية للانتحار سواء من القفز في نهر النيل أو الشنق من أعلى لوحة إعلانية.

وأرجع السبب المحوري وراء تلك الحالات إلى مستويات المعيشة المتدنية لهؤلاء وكذلك التضخم وقلة فرص العمل والحاجة الماسة للمال وكل هذه الأمور لم تعد متوفرة في ظل الظرف السياسي الغير مستقر الذي تمر به البلاد.

موضحا أن هناك جانبا سيكولجيا لا يمكن التغاضي عنه فيما يتعلق بتلك الحالات، وأن هناك نوعين من الاكتئاب تؤدي إلى هذا الأمر وهما الاكتئاب النفسي والاكتئاب العقلي، وأوضح زيان أن الاكتئاب النفسي يصيب الجميع، ولكنه لا يؤدي إلى الإقدام على الانتحار.

واستطرد في حديثه، أن الحالات التي أقدمت مؤخرا على الانتحار قد أصابها الاكتئاب العقلي الذي يمثل خلل في تنظيم الهرمونات داخل المخ ويولد الإحساس باليأس، والإرهاق والملل من الحياة بشكل عام ما يؤدي بدوره إلى جعل التفكير البشري هش أمام الأزمات النفسية التي يتعرض إليها، حتى وإن كانت بسيطة ومن الممكن حلها.

و«الأماكن التي وقعت فيها حالات الانتحار في شهر سبتمبر الغرض منها إيصال رسالة سياسية للسلطة الحاكمة، لإيجاد حل فوري لأعباء المعيشة والضغوط الاقتصادية وتأثير الميديا، فضلا عن أن الأمر من الممكن أن يستغل من قوى المعارضة للنظام المتحكم في مقاليد الأمور وهو أمر غير مقبول» يقول زيان.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن مصر هي أقل دول العالم في حالات الانتحار بسبب وجود الأديان السماوية لدى المسلمين والمسيحيين والوازع الديني الذي يمنع ويحرم من الإقبال على تلك التجربة المريرة.

«عجز الموازنة» سبب مباشر في الانتحار

هبة الليثي، إستاذة العلوم السياسية والاقتصاد بجامعة القاهرة، تؤكد أن الدولة المصرية كانت تتعامل بأسلوب المسكنات في كل الأزمات الاقتصادية المتعلقة بالمواطن المصري قبل ثورة 25 يناير، وبالتالي حدث تراكم للأزمات المادية للعائلات والأسر المصرية سواء الفقيرة أو المتوسطة ومحدودة الدخل.

وتفسر بأن من الأسباب المباشرة للانتحار لجوء الدولة إلى الحول الجذرية في التعامل مع عجز الموازنة من خلال إلغاء الدعم على الطاقة والوقود دون أن توفر البديل المباشر للمواطن الكادح الذي يعاني من التضخم والبطالة وقلة فرص العمل، ما أدى بدروه إلى إقدام البعض التخلص من حياته نتيجة للكم الهائل من الضغوط المادية التي يتعايش معها.

وختمت بالإشارة إلى ضرورة أن تهتم الدولة بوضع برامج اقتصادية عاجلة بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي لفقراء مصر ومحدودي الدخل لوضع حد لتلك النهاية المآسوية بعد أن تمت معالجة الأمور الاقتصادية بعكس الاتجاه من جانب المسئولين في الوزارات بحسب وصفها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك