نبيل فهمي يكتب: بعد عقدين من غزو العراق - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 7:54 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمي يكتب: بعد عقدين من غزو العراق

نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق
نبيل فهمي، وزير الخارجية الأسبق

نشر في: الإثنين 3 أبريل 2023 - 8:48 م | آخر تحديث: الإثنين 3 أبريل 2023 - 8:48 م

غزو الرئيس العراقى صدام حسين للكويت كان جريمة ضد دولة عربية مجاورة، ومخالفة صريحة للقانون الدولى، وخطأ فادحا كلف العراق كثيرا، ومثل بداية النهاية للامن القومى العربى الجماعى، لما ترتب عليه من شك وقلق وعدم ثقة فى تأمين الأوطان عربيا، وفتح الباب على مصراعيه للاعتماد على جهات أجنبية لتحقيق التأمين الوطنى، وخاصة إزاء التهديدات الوجودية.
وإزاء الغزو أصدر مجلس الأمن الدولى التابع للأمم المتحدة قرارات عديدة ضد العراق، وتشكل تحالف عسكرى متعدد الجنسيات لتحرير الكويت بقيادة أمريكية، وشمل مصر وسوريا تعبيرا عن رفضهم من حيث المبدأ احتلال الأراضى بالقوة، مهما طرحت من حجج ومبررات.
وفى ٢٠٠٣ قررت الولايات المتحدة تحت رئاسة جورج بوش الابن غزو العراق، دون سند قانونى أو شرعى وخارج المنظومة الدولية، وهو ما رفضته مصر وسوريا وآخرون حتى من حلفاء أمريكا، وهى خطوة مر عليها عقدان من الزمن الآن ومازال حولها الكثير من التساؤلات.
وقد سمح لى تمثيل مصر سفيرا بالولايات المتحدة من ١٩٩٩ــ ٢٠٠٨ بمتابعة الأحداث المرتبطة بغزو العراق عن قرب، وأن أكون فى قلب تلك المرتبطة بالمواقف المصرية، مع هذا اعترف بكل صراحة ان هناك الكثير من الخبايا حول الموقف الامريكى والبريطانى مازالت غامضة، ولن تتضح إلا مع مرور الوقت وبعد الافراج عن مستندات دولية عديدة ودراستها من قبل المؤرخين.
وأعتقد ان من الاحداث التى يجب التوقف عندها ما حصل قبل غزو العراق، بل ما كان مرتبطا بالتهديدات العراقية للكويت، عندما التقى صدام والسفيرة الامريكية ابريل جلاسبى، التى نقلت له رسالة خلص منها الرئيس العراقى أن الولايات المتحدة لن تتدخل فى الخلاف العراقى إلى الكويتى، وهناك أقاويل كثيرة ومتضاربة عما قيل بالضبط، حاولت الادارة الامريكية نفى أى اتهام بانها اعطت صدام الضوء الأخضر حتى بشكل غير مباشر، علما ان السفيرة سجلت فى مذكراتها بعد ذلك أنها نقلت التعليمات الواردة اليها بكل دقة وامانة.
وأتذكر ايضا حديثا دار بينى وبين توم بيكرنج المندوب الدائم الأمريكى فى الأمم المتحدة قبل تحرير الكويت، وذلك أثناء خدمتى بالبعثة المصرية بنيويورك، والذى كان فى غاية القلق من أن يقبل صدام أحد الاقتراحات الدولية لحل خلافه مع الكويت، أو ان يكتفى بالسيطرة على ١٠ كيلومترات من الأراضى الكويتية فقط، باعتبار أن كلا الاحتمالين سيقلل من حدة الخلاف والتجاوز العراقى ويجعل من الصعب حشد التأييد الدولى اللازم لخلق تحالف للتصدى للعراق عسكريا.
رأيت التذكير بموقف جلاسبى وبيكرنج، رغم حدوثهما ارتباطا بغزو العراق للكويت خلال ادارة الرئيس بوش الأب الذى رفض غزو العراق، لعل المؤرخين يبحثون فيما إذا كان لهما علاقة بالقرار الأمريكى اللاحق بغزو العراق، حيث لا أستطيع الجزم بصحة ذلك من عدمه، وإنما كان الاهتمام بالعراق واضحا منذ بداية ادارة الرئيس بوش الابن، والملغمة بما يسمى بـ«المحافظين الجدد»، والداعين إلى ضرورة استخدام أمريكا لقوتها كاملة فى تحقيق أهدافها.
بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ بأشهر قرر نائب الرئيس تشينى الإعداد للقيام بجولة فى الشرق الاوسط، فانتهزتها فرصة لزيارته لعرض المواقف المصرية الثنائية والقضايا الإقليمية مثل تعثر عملية السلام العربية الإسرائيلية، مبرزا الوضع الفلسطينى، ففاجأنى تشينى بالحاحه على التشاور حول العراق كأولوية أولى خلال الزيارة، وهو ما نوهت به للقاهرة مع لفت النظر إلى أن هناك شيئا فى الأذهان حول العراق سأسعى لاستيضاحه ومتابعته.
وتقديرى أن المحافظين الجدد كانوا عاقدين العزم على غزو العراق منذ تولى بوش الابن للرئاسة، وانما تختلف التقديرات حول المبررات لهذا الموقف، هل كانت رغبة لبوش الابن لإثبات ذاته باستكمال مشوار أبيه أو تجاوزه، أو ان الابن كان قد استثير من استهزاء صدام بالأب بعد نهاية ولايته، ام ان غزو العراق كان سعيا لاستعادة هيبة أمريكا بعمل عسكرى كبير بعد أحداث ١١ /٩ الإرهابية، وقد تكون كل هذه التفسيرات سليمة، إنما ارجح ان الدافع الرئيسى كان توافق بين المحافظين الجدد واليمين الأمريكى المؤيد إسرائيلى بانتهاز هذه الفرصة لإضعاف العالم العربى وتفتيته.
طرحت تساؤلات امريكية كثيرة عن موقف مصر من كل ذلك، رغم أنه كان واضحا وقاطعا ومستقرا، ألا وهو رفض الغزو العراقى للكويت، وضرورة احترام سيادة الدول بعدم غزو العراق، فضلا عن اننا حذرنا كثيرا وعلى أعلى مستوى من عدم استقرار العراق، ومن التداعيات الإقليمية للمساس بالتوازن الإقليمى الدقيق بالمنطقة خاصة بين العراق وايران، ونقلت ذلك للادارة والكونجرس والرأى العام الأمريكى، مما دفع بعض أعضاء الكونجرس للتعبير عن عدم رضاهم عن موقف مصر الصديقة، فكان ردى أن الصديق الحقيقى هو من لديه شجاعة المصارحة الكاملة وهو ما نلتزم به دائما.
لم يختلف أحد فى الدول العربية حول أن الرئيس العراقى السابق كان دمويا مع شعبه وعدائيا تجاه جيرانه، حتى من قرروا عدم اتخاذ مواقف ضده لحسابات خاصة بهم، وإنما اختارت الولايات المتحدة مبررات واهية غير صادقة لتبرير اصرارها على غزو العراق، واول الامر حاولت الربط بين أحداث ١١/٩ الارهابية والنظام العراقى، غير ان هذا طرح لم يحظَ بأى تأييد حتى داخل الادارة، أو من حلفائها فى حلف الشمال الأطلنطى عدا بريطانيا التى كانت شريكا مباشرا وضالعا.
ودفعت الولايات المتحدة أن العراق لديه أسلحة نووية وكيميائية وبيولوجية، رغم أن مفتشى الأمم المتحدة أكدوا عدم صحة ذلك قبل الغزو، وهو ما أكده فشل الولايات المتحدة فى العثور على أى من هذه الأسلحة بتاتا، بل ان مفتشيها أكدوا على عدم حيازة العراق لهذه الأسلحة، وهو ما جعلنى استفسر مباشرة من بول ولفوويتز أحد رواد المحافظين الجدد، والرجل الثانى فى البنتاجون الأمريكى حينذاك، ففاجأنى مضمون وبجاحة رده، بأن تعثر التوصل إلى توافق بين المؤسسات الامريكية الامنية والعسكرية والدبلوماسية على ان هناك خطرا على الولايات المتحدة أو مصالحها، فتبنت الإدارة هذه الحجة رغم ضعف الأدلة للقيام بالغزو.
كما صرح جورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات الامريكية بتوافر ادلة «قاطعة» بحيازة العراق لهذه الأسلحة، واعلن وزير الخارجية الأمريكى كولن باول فى مجلس الأمن أن لديهم خطابا موقعا من وزير خارجية النيجر بتصدير اليورانيوم للعراق، وهو ما فنده مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعى فى نفس الجلسة، موضحا أن وزير خارجية النيجر كان قد تغير قبل ذلك بكثير، وقد التقيت بباول مرة اخرى بعد ان ترك الإدارة وعبرت بصراحة عن استغرابى لموقفه، فلم يتردد فى الاعتراف بأنه تم تضليله، وهو نفس ما كرره فى مذكراته لاحقا، بل عبر فيها عن اعتذاره لمشاركته فى كل ذلك.
بعد عقدين من غزو العراق هناك تساؤلات امريكية ودولية عديدة عن أسباب وجدوى غزو العراق، وهل حقق ذلك المصلحة الأمريكية أو العربية، واعتقد ان الغالبية العظمى من المحللين الأمريكيين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يرون أن غزو العراق كان خطأ كبيرا، لأنه أحدث خللا فى توازن القوى بالمنطقة لصالح إيران على حساب العرب وبما يهدد اصدقاء امريكا بما فيهم إسرائيل، وخلق مناخا من عدم الاستقرار والامان والتطرف داخل العراق، ادى إلى ظهور داعش وإرهاق المنظومة العراقية الوطنية، ومن هؤلاء اليسار الديمقراطى واليمين الجمهورى مثل دونالد ترامب، الذى وصف غزو العراق بأنه أكبر خطأ فى تاريخ السياسة الخارجية الامريكية أمريكى، وصدرت إحصاءات رأى عام امريكية أخيرا تشير إلى أن الغالبية من الأمريكيين يرون كذلك أن القرار كان خاطئا.
هذا ورغم تكرار تحذير إسرائيل من المخاطر الايرانية أعتقد أن الفائز الوحيد والأكبر من غزو العراق هو التحالف السياسى بين المحافظين الجدد فى امريكا وإسرائيل، لاهتمامهم اساسا بتفتيت العرب وأسس الدولة الوطنية، وسعيه لبث الفتنة والطائفية على حساب الهوية الوطنية.
أما تقييم غزو العراق من الزاوية العربية، فالمسألة أكثر دقة وتعقيدّا، فالقضاء على صدام حسين ريح الكثير من الدول الخليجية لخشونة ممارساته وخطورة تجاوزاته وإنما تصعيد النفوذ الإيرانى كان له مخاطر جمة، وانكسار الثقة فى الخيار الأمنى العربى والوطنى جعل الكثيرين يعتمدون أكثر من اللازم على قدرات اجنبية، وإغفال التطوير المنهجى للقدرات الدفاعية الوطنية، مما خلق توازنا أمنيا شرق أوسطى فى غير صالح العرب.
ولعلنا كعرب نخرج من هذه التجربة ببعض الدروس المستفادة، بتكثيف التشاور والاتصالات العربية فى الاتفاق أو الاختلاف، وضبط الممارسات بين الدول العربية لعدم تأزم المشكلات والخلافات، بخلق وتنشيط آليات إقليمية للطوارئ وحل النزاعات فى إطار جامعة الدول العربية، بحيث تتبنى وتمارس الدبلوماسية الاستباقية الوقائية، وعلى العرب تنشيط دبلوماسية الاقليمية بالتحاور والتشاورات، الصديق أو الغريم من خارج العائلة العربية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك