صُنع في مصر القديمة.. يوميات عمال ورش الفراعنة في معرض بريطاني يكشف الجانب الإنساني لصناع الحضارة - بوابة الشروق
الجمعة 3 أكتوبر 2025 8:03 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

صُنع في مصر القديمة.. يوميات عمال ورش الفراعنة في معرض بريطاني يكشف الجانب الإنساني لصناع الحضارة

سلمي محمد مراد
نشر في: الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 6:00 م | آخر تحديث: الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 6:00 م

قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، في ورشة صغيرة قرب مدينة طيبة، كتب رجل يُدعى ناخت آمون رسالة عاجلة على قطعة فخار مكسورة، طلب من أحد الحرفيين أن يصنع له أربع نوافذ بأبعاد دقيقة، وأكد على ضرورة إنجازها غدًا وبالضبط كما يريد، ولم يكتفِ بالكلمات، بل رسم شكل النوافذ وأبعادها مستخدمًا رمز "الارتفاع"، وهو صورة لشخص يرفع ذراعيه عاليًا.

ما كان مجرد ملاحظة عملية سريعة تحوّل اليوم إلى إحدى أبرز القطع المعروضة في متحف فيتزويليام بجامعة كامبريدج، ضمن معرض جديد بعنوان "صُنع في مصر القديمة"، الذي يفتح أبوابه للجمهور بين 3 أكتوبر 2025 و12 أبريل 2026.

العمال المجهولون خلف آثار خالدة

ويركز المعرض على قصة الفئة التي نادرًا ما تُذكر في التاريخ، وهم العمال المهرة الذين عاشوا قرب طيبة، وعملوا في تشييد مقابر الفراعنة وصناعة التوابيت والصنادل الملكية، ورغم أن إنجازاتهم ظلت ماثلة آلاف السنين، فإن حياتهم اليومية بقيت في الظل.

وبحسب الجارديان، توضح هيلين سترودويك، عالمة المصريات وأمينة المعرض، أن "عادة ما نقرأ الآثار المصرية من زاوية الأساطير والدين، لكن إذا نظرنا إليها كأدوات حياتية سنقترب من أصحابها أكثر، ونكاد نلتقي بهم وجهًا لوجه".

شظايا تحكي الغياب والأجور

ومن أبرز المعروضات مجموعة من الشظايا الفخارية والحجرية التي استُخدمت مثل أوراق لتدوين الملاحظات، فعلى إحداها، دوّن المشرفون غياب عامل يُدعى بانيبو بعدما مرض نتيجة لدغة حيوان مجهول.

وفي يوم آخر، سُجّل غياب رئيس العمال راميري مع خمسة من زملائه، وشظية أخرى توثق إيصالًا لتزيين نعش بتكلفة تعادل أجر ثلاثة أشهر كاملة.

وتكشف هذه الكتابات العفوية أن ضغوط العمل، والمرض، وحتى الحسابات المالية، كانت جزءًا من حياة المصريين القدماء تمامًا كما هي اليوم.

رسوم كدليل للرسامين

ويعرض المتحف أيضًا لوحًا حجريًا مرسومًا عليه شبكة دقيقة تتراكب فوقها صور قطة وأسد ووعل، وكان هذا اللوح بمثابة دليل تدريبي للفنانين الذين زينوا جدران المقابر، حيث يوضح كيف كان العمل الفني منظمًا بدقة، وكيف تلقى الرسامون تدريبًا منهجيًا على الأشكال والزخارف.

بصمات تكشف الجانب الإنساني

ما يميز المعرض ليس فقط القيمة الأثرية للقطع، بل أيضًا لمساتها الإنسانية، فبعض الألواح تحمل آثار بصمات تركها العمال بالخطأ، وأخرى تكشف أخطاء طفيفة في الرسم، وتقول سترودويك: "هذه التفاصيل الصغيرة تجعلنا نرى المصريين القدماء كأشخاص عاديين، بقلوب وأيدٍ وأخطاء مثلنا تمامًا".

إعارة استثنائية من متحف اللوفر

أيضًا يضم المعرض قطعًا مُعارة من متحف اللوفر في باريس، في أول إعارة رئيسية من مجموعته المصرية القديمة منذ عشرين عامًا، ويعكس هذا التعاون الأهمية الفريدة للمعرض، الذي يُعتبر الأول عالميًا المخصص بالكامل لإبراز دور الحرفيين المجهولين في بناء حضارة مصر القديمة.

إعادة الاعتبار لصنّاع الحضارة

ولا يكتفي المعرض بتسليط الضوء على إنجازات تقنية وفنية، بل يفتح نافذة على الحياة اليومية للعمال: قلقهم من الإنجاز في الوقت المحدد، تعاملهم مع المرض، تسجيل الأجور، وحتى ترك بصماتهم على الحجر، وتذكّر هذه اللمسات الزوار بأن وراء المقابر المهيبة والأعمال الفنية العظيمة، عاش أناس بسطاء بأحلام ومخاوف شبيهة بحياتنا اليوم.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك