صدرت حديثًا عن دار الآداب للنشر والتوزيع رواية "لا بريد إلى غزة"، للكاتب والروائي محمد جبعيتي، وهي عمل أدبي جديد يغوص في أعماق التجربة الإنسانية في ظل ظروف استثنائية.
من أجواء الرواية نقرأ:
"بينما كان الآباء الآخرون يأخذون أبناءهم إلى السّوق أو شاطئ البحر، حرصَ والدي على أن أواظب الذهاب إلى المقبرة. إنَّها المهنة التي أكلنا منها خبزنا المشبع برائحة الموت.
صرتُ عندما أقابل الناس أنظر إليهم على أنَّهم مشاريع موتى، ومثلما يقيس الخيَّاط أجساد الزبائن بعينَيْه ليفصِّل لهم الملابس الملائمة، تخيَّلتُ مقاسات القبر المناسب لكلِّ واحدٍ منهم.
تكدَّست القبور في مخيِّلتي، واتَّخذتُها لعبتي المُفضَّلة، أُمضي في ممارستها وقت فراغي. وحدها أمِّي عجزتُ عن حفر قبرٍ لها، بقيتْ نائيةً عن أيِّ احتمالٍ للموت، لكنْ يحدُث أن أتخيَّلها تمشي في جنازات الآخرين ملمومةً على نفسها، تستر وجهها بطرف منديلها الأبيض، بينما الدموع تهطل غزيرةً من عينَيْها المنتفختَيْن.