عقبت منى أنيس رئيسة تحرير الأهرام ويكلي، على حفل إطلاق وتوقيع كتاب "نجيب محفوظ بين القصة القصيرة والرواية الملحمية" للناقد الكبير الراحل إبراهيم فتحي والصادر في طبعة حديثة عن دار الشروق: "كانت ندوة رائعة تليق بإبراهيم فتحي الذي أحسست بروحه معنا في المكان الذي طالما صال وجال فيه، وتألق في هذه الندوة الدكتور حسين حمودة والدكتور محمد بدوي فكانا خير خلف لخير سلف، وأعادا لي الثقة في أن بمصر نقاد كبار يواصلون ما أرساه فينا الراحلون الكبار".
وأضافت: "شكرًا لهما وشكرًا للعزيز محمد شعير الذي أدار الندوة باقتدار، وشكرا للعزيزة أميرة أبو المجد وفريقها من دار الشروق الذين شرفونا بحضورهم. وشكرا لمدير أتيليه القاهرة الفنان التشكيلي أحمد الجنايني على كرم ضيافته".
وتابعت أنيس، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "تحدثت في البداية، وتحدثت الدكتورة هناء سليمان في النهاية، واتفقنا على أن هذا الحضور الدافئ أعاد لنا ذكريات شجية عن أيام خلت كانت الحياة الثقافية فيها أكثر ثراء مما هي عليه الآن، والتالي نص الكلمة القصيرة التي قلتها في البداية".
واستطردت: "الحمد لله الذي أغنانا بفضله عمن سواه، ومنحني الصحة والقدرة لاقف بينكم هذه الليلة بعد خمسين سنة من ارتيادي لهذا المكان العزيز على نفسي ونفس أجيال رحل اكثرهم، لأقول، كما قال ماركيز قبل ان يصاب بمرض من امراض الذاكرة، "عشت لاروي".
وأردفت: "أنا فعلا أسعى الآن جاهدة للكتابة عن أماكن سكنتها وسكنتني وعن أفراد عرفتهم فاثروا حياتي، واجد من حقهم على أن أحكي عنهم قبل أن يدركني أنا الأخرى مرض الذاكرة المثقوبة؛ لذا سامحوني إذا ركزت في كلمتي على هذا المكان أتيليه القاهرة وعلى شخص المحتفى بكتابه: العزيز جدا إبراهيم فتحي، وأترك الحديث عن الكتاب وعن إسهام إبراهيم فتحي في الحياة الثقافية لمن هم أقدر مني على ذلك: الأعزاء حسين حمودة ومحمد بدوي".
وكانت استهلت "أنيس" حدثيها خلال الندوة: "بالنسبة لهذا المكان فكلما دخلته اجدني استرجع ما قال الشريف الرضي: "وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الديار تلفت القلب" هذا المكان مسكون بأطياف أحبة عشت معهم دهرا وما زالوا يعيشون في القلب: يحيي الطاهر، أمل دنقل، عبد الحكيم قاسم، إبراهيم منصور، جميل عطية، علاء الديب، محمد البساطي، إبراهيم أصلان، رضوى عاشور، امينة رشيد وطبعا إبراهيم فتحي، الذي ربما كان من اكثر من عرفتهم ارتباطا بالمكان عبر مئات الندوات التي تحدث فيها من فوق هذه المنصة التي اجلس عليها الآن".
وأضافت: "عايزة في الأول أحكي ذكرى خاصة عن علاقتي بالأتيليه، انا ابتعدت عن المكان وعن مصر ما بين ١٩٧٦ و١٩٩٠ لما كنت بدرس في بريطانيا. وبعد ما رجعت مصر واشتغلت صحفية في جريدة الاهرام ويكلي، في بداية التسعينيات صدرت رواية رضوى عاشور "سراج" ولقيت رضوى بتكلمني وبتطلب مني اني اتكلم في ندوة الثلاثاء الشهيرة في الاتيليه عن روايتها مع الدكتور على الراعي وابراهيم فتحي".
وواصلت، "انا انبسطت واتخضيت في نفس الوقت، واعتبرت ان دا تدشين لي في مصر كناقدة ادبية بعد سنوات الدراسة الطويلة في الخارج. ومسكت الرواية فصصتها وكتبت ملحوظات على فيش من بتاعه زمان قبل الانترنت والجوجل، فيش مليانة مصطلحات النقد الادبي اللي اتعلمتها من التفكيك، الى البحث عن المركز الغائب، للكلام عن الزمكان والاليجوري، واتكلمت بعد الدكتور على الراعي وقبل ابراهيم فتحي وطول ما انا بتكلم وانا حاسه ان الكلام بايخ وتنقصه الحرارة والاحتفاء بانجاز صديقتي الحميمة اللي تكبرني بسنوات قليلة، واميال بعيدة من المعرفة والانجاز".
واستطردت، "فجأة وعلى رأي عبد الحليم حافظ "في نص الكلام قام سكت الكلام" واتلخبطت واختصرت واتنكدت. ولما ابتدا ابراهيم فتحي يتكلم بعدي لقيته بيشيد بكلامي وبمعرفتي النظرية، ويعلن مولد ناقدة ادبية تعد بالكثير. حسيت يومها انه كان حاسس بربكتي وعدم توفيقي، وانه كان بيرفع من معنوياتي كما كان دوما يفعل. انا بحكي الحكاية دي لاني بعد ٣٠ سنة من هذه الواقعة وقعت ضمن اوراقي القديمة على الفيش اللي كان فيها كلامي عن رواية رضوى، وتأكدت من ان الكلام اللي قلته كان بايخ وعلاقته بالرواية هزيلة وكله استعراض لمعرفة نظرية بلا داع".
وأردفت قائلة: "نأتي لعلاقتي بابراهيم فتحي. عرفت ابراهيم—في ظروف صعبة بالنسبة لابراهيم— فور تخرجي من الجامعة وقبل ما اسافر انجلترا. كان لسه خارج من حبسة ١٩٧٣، بلا عمل وبلا سكن، واستطعنا انا واصدقاء قدامى له: منهم جميل عطية وابراهيم منصور ومحمد البساطي ومحمد ابراهيم مبروك ان نساعد في ايجاد مسكن بسيط له وعناية بشئونه الحياتية، وتجميع بعض كتاباته، ومنها عمله الاول عن نجيب محفوظ، ونشرها. وكان هو في هذا الوقت يترجم كتاب لوفيفر عن المادية الجدلية، وكنت انا اترجم كتاب ميتشل عن الاخوان المسلمين بمساعدة منه في اعادة صياغة الجمل، وتعليمي قواعد اللغة العربية. واذا كان ابراهيم فتحي في منتصف السبعينيات احتاج لبعض المساعدة في ترتيب حياته اليومية فقد رد لاصدقائه، ولي بشكل خاص، هذة المساعدة اضعافا مضاعفة، حيث تعلمت منه في خلال سنتين من التواصل الانساني القريب اشياء ثمينة لن انساها ما حييت".
وتابعت، "ابراهيم فتحي هو الذي شجعني على السفر والدراسة، وسويا انتقينا الكورسات التي سادرسها في النقد الادبي وقرأنا الكثير من الكتب النظرية التي كنت احتاج لمعرفتها استعدادا للدراسة، معه قرأت لوكاتش ونصوص ماركس الجمالية التي كانت ضمن مواد دراسة ماجستير سوسيولوجيا الأدب في جامعة اسكس، وعندما سافرت بشكل نهائي صيف ١٩٧٦، استمرت علاقة الأستاذ والتلميذة على البعد فكنت أرسل له نسخ من أغلب كتب النقد الحديثة التي كنت ادرسها ليناقشها معي بالمراسلة، وكنت أبعث له فوتوكوبي من الـpapers اللي بكتبها قبل ما أسلمها، ولعل الكثير مما أحرزته في الدراسة من درجات عالية كان بفضل مساعدته. ولعلني لا ابالغ اذا قلت انه صاحب الفضل الأكبر في تحفيزي على الدراسة والجدية في العمل من بعد أمي وأبي".
أرجو أن أكون قد أوفيت بجزء صغير من هذا الدين بشغلي على هذا الكتاب مع رفيقة حياته خلال الأربعين سنة الاخيرة، العزيزة جدا هناء سليمان.."فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال.. طبت حيا وميتا يا رفيق".
كانت قد نظمت دار الشروق، أمس الاثنين، حفل إطلاق وتوقيع كتاب "نجيب محفوظ بين القصة القصيرة والرواية الملحمية" للناقد الكبير الراحل إبراهيم فتحي والصادر في طبعة حديثة عن دار الشروق، وذلك بحضور الكاتب الصحفي محمد شعير، والناقد الأدبي د. حسين حمودة، والكاتب والمترجم د. أحمد الخميسي، الدكتور محمد بدوي أستاذ الأدب العربي، والدكتورة هناء سليمان حرم المبدع إبراهيم فتحي، والأستاذة منى أنيس رئيسة تحرير الأهرام ويكلي.