كان وأصبح (4) : ضريح خاير بك.. سبيل التكفير عن الخيانة التاريخية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:32 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كان وأصبح (4) : ضريح خاير بك.. سبيل التكفير عن الخيانة التاريخية


نشر في: الخميس 9 مايو 2019 - 8:34 م | آخر تحديث: الخميس 9 مايو 2019 - 8:34 م

لا ينفصل تاريخ الفنون عمارة وتصويرًا ونحتًا عن السياسة والاجتماع والاقتصاد، ولا تقتصر قيمته على الجمال والإبداع والاحتراف، بل هي شهادة حية على أيام خلت وأحداث مضت وشخصيات كان يمكن أن تتوه في غياهب النسيان.

وفي سلسلتنا الجديدة «كان وأصبح» التي ننشر حلقاتها على مدار شهر رمضان، نعرض نماذج لحكايات منشآت معمارية أو قطع آثرية مصرية تنتمي لعصور مختلفة، تسببت التحولات السياسية والاجتماعية في تغيير تاريخها، أو إخفاء معالمها، أو تدميرها بالكامل، لتخبو بعدما كانت ملء السمع والبصر.

وتنشر الحلقة الجديدة من هذه السلسلة يومياً في الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة.


ضريح خاير بك
في منطقة الدرب الأحمر المزدحمة بكنوز العمارة المملوكية الجركسية، وعلى مقربة من مسجد "آق سنقر"، في شارع باب الوزير، يقع مسجد "خاير بك"، الذي أسسه، خاير بن ملباي المحمودي، في القرن الـ16، هو نائب سلطان مصر قنصوة الغوري بحلب، ثم أول والي لمصر تحت الولاية العثمانية وهناك يحل ضريحه، فهذا الضريح ظل عبرة عصره لقرون، قبل أن يتحول إلى "أثر".

إحدى أشهر السرديات التي تواترتها أقلام المؤرخين حول ضريح "خاير بك" الذي يعود لأواخر عصر المماليك الجراكسة، أنه كان سبيلا وكُتَابا بناه خاير بن ملباي المحمودي، عقب ابتلائه بداء لم يعرف له أطباء عصره دواء، ودشن بداخله كتاب وإلى جواره سبيل ماء للمارة بحسب العرف السائد،على سبيل "التكفير عن خيانته" لقنصوة الغوري آخر سلاطين الدولة المملوكية في مصر.

ويحكي ابن زنبل الرمًال، وهو مؤرخ مصري عاش في القرن الـ16، عن كون ضريح خاير بك ظل عبرة لمن لا يعتبر قائلًا : "يمر عليها الباشات والصناجق والأغوات عند ذهابهم وإياهم، فلم يلتفت إليه منهم أحد، ولا يترحم عليه ولا يقرأ له الفاتحة، مع أنها تربة مليحة المنظر، ومع ذلك صد الله عنه قلوب الخلق لأنه كان سبباً في هلال ألوف مؤلفة من الجراكسة والأروام والعرب وغيرهم وكان موته عبرة لمن اعتبر، فما هي قصته؟

ولد خاير بن ملباي المحمودي، في بلدة "صمصوم" بـ"بلاد الكرج" ،جورجيا حاليا، أحضرة والده إلى قايتباي، سلطان مصر، وصار ضمن مماليكه، تم العفو في عهد السلطان قنصوه الغوري، ثم أصبح حاجب الحجاب، ونال لقب أمير، بتوليه منصب نائب السلطان في حلب، في عام 910 هجرية_1504م ، واستمر في هذا المنصب لنحو 12 عامًا، حتى غزا العثمانيين الشام ومصر1516.

كان لانتهاء عصر الدولة المملوكية، وبداية العهد العثماني الذي استمر في مصر عوامل عديدة؛ لكن أحد أبرز الفصول التي تناولها المؤرخون، كعامل رئيسي، في هزيمة جيوش المملوكيين، ووقوعها تحت حكم السلطان العثماني سليم الأول، خيانة، خاير بك" نائب حلب، لسلطانه قنصوة الغوري، إذ انسحب بقواته التي كانت تشغل الجبهة اليسرى في صفوف المماليك، في معركة "مرج دابق" ليمكن القوات العثمانية من اختراق الجيش المملوكي، وسقط السلطان الغوري نفسه صريعاً تحت سنابك الخيل، ولم يعثر لجثته على أثر بعد ذلك وكان مقابل خيانته للغوري أن أول والي على مصر في عصر الدولة العثمانية، وهو ما ورد في ابن إياس، أهم مؤرخي العصر المملوكي، في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور، الجزء الخامس ص 85.


استمر خاير بك في هذا الدور بعد معركة مرج دابق، فقد عمل على بث روح الهزيمة ونشر بذور الفتنة بين قواد المماليك، مما تسبب في السقوط المروع لدولة المماليك نهائياً بعد موقعة الريدانية، وهو ما أكده "ابن إياس" قائلا إن خاير بك تعمد خيانة سلطانه قنصوة الغوري، وأنه كان على صلة بالسلطان العثماني، سليم الأول لذا لقبه العامة بـ"خاين بك"، ثم استكمل حلقات خيانته بالتحريض على إعدام طومان باي، الذي خلف الغوري عقب وفاته، فبعد هزيمة طومان باي في معركة الريدانية، سلمه أحد شيوخ العربان إلى السلطان العثماني، سليم الأول بعد استيلاءه على القاهرة 1517، فأعدمه وأعدم عدد كبير من المماليك بتحريض من خاير بك، الذي نال مقابل خيانته بأن أصبح أول وال على مصر بعد ضمها إلى الإمبراطورية العثمانية في العام لينتهي بذلك عهد السلاطين الجراكسة، وتدخل مصر في عهد الولاية العثمانية الذي استمر لنحو4 قرون.

اشتهر حكم خاير بك بالشدة والمظلمة وكرهه العامة واحتقروه، وكان يرسل بدلًا من المنادي في الاسواق إثنين، أحدهما ينادي في الناس باللغة العثمانلية، وظتوترت علاقته بالشعب، وفي حكمه يقول ابن إياس إن خاير بك كان ملكا جليلا معظما كفؤا للسلطنة، عارفا بأحوال المملكة، ولولا ما حصل فى أيامه من المظالم والحوادث المقدم ذكرها لكان خيار من ولى على مصر".

سبيل للتكفير عن ذنبه
مرض في آخر أيامه مرضا لم يعرف له أطباء عصره علاج قط، وشمت فيه العامة، فظل يوزع المال بغية إرضائهم حتى يدعوا له بالشفاء، وكي تتحسن صورته بين العامة أعتق الجواري والعبيد، وبنى مسجدًا جميل المظهر يرتفع عن مستوى الطريق، وله قباب مزخرفة بالنقوش، وداخله كتاب لتلقين علوم الدين، وإلى جواره سبيل مياه على حوافه أكواب وجرار فضية للمارة، لكن المرض لازمه حتى أُصيب بالشلل ومات على إثره في حوالي عام 1521.

سار العسكر العثماني إلى جانب الأمراء الجراكسة أمام نعشه، لكن أحدًا من العامة لم يسر في جنازته، بل قالوا في مرضه إنه نظير خيانته.
دفن في المسجد والسبيل الذي بناه، بباب الوزير ليظل هذا المسجد شاهدًا على العمارة المملوكية الجركسية، لكنه لم يحسن من سيرة صاحبه الذي ظل موصومًا بالخيانة.

وغدًا حلقة جديدة



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك