تواصل "الشروق" على مدار شهر مارس، إبراز مجموعة من الأخبار والموضوعات والطرائف واللطائف التي نشرتها الصحف المصرية في شهور فبراير ومارس وأبريل 1919، تزامنا مع اندلاع ثورة 1919، في محاولة استرجاع صورة للمجتمع المصري أيام الثورة، بعيدا عن السياسة، بالتركيز على الأنشطة والأحداث الاجتماعية والثقافية والفنية.
•••••
"ظن بعض الشباب المتأنقين أنهم لا يمتلكون مظاهر الحرية والظرف إلا بمغازلة الأوانس والسيدات في الطرقات والمواقف العمومية، ممن ليست لهم بهن سابق تعارف، وحسبوا أن كل فتاة تسير منفردة لا تمتلك لنفسها شيئًا من الحياء والأدب بل تجري وراء الأهواء الفاسدة".
هكذا افتتحت صحيفة «مصر» مقالها عن أزمة التحرش التي طفت على السطح في المجتمع المصري، بالتزامن مع انتشار مفاهيم الانفتاح لكن بالمخالفة لمبادئها، قبل مائة عام، في عددها الصادر في 27 فبراير عام 1919، في مقال تحت عنوان «آداب الشباب في الطرقات العاصمة»
تناول المقال قدرة فتيات وسيدات عام 1919 المعاصرات آنذاك على صفع «الأغرار» «الطائشون» الذين يتعرضن لهن بالتحرش، وهي قدرة اكتسبنها مؤخرًا.
وتضمن المقال مفاهيم أخلاقية واعية ومتطورة ترمى إلى عدم الخلط بين الانفتاح والانحلال، وربط الحرية بالإطار العام للآداب.
وأوردت الصحيفة تعيين سيدتين كـ«حكمدارية نسائية» لردع ظاهرة التحرش في العاصمة، لكنها طالبت بزيادة عدد هذه الشرطة النسائية؛ جراء زيادة حالات التحرش في القاهرة واسعة الأرجاء، فشرطيتان ليستا كافيتان لـ «حفظ الآداب العامة» في العاصمة، كما طالبت بنشر الـ«الحكمدارية النسائية» في محافظات وأرجاء البلاد كافة.
لم تكتمل الصورة الراقية والمتطورة للدفاع عن حق النساء؛ فكما هو الحال في مجتمعنا الآن لم يخل المقال من استثناء السيدات اللائي «يتبرجن» من حقهن في عدم التعرض لهن بالتحرش، مبررًا ذلك بأنهن «يمشين متبرجات خليعات».
ولكن كاتب المقال دعا الرجال الذين« انطفأت رجولتهم» للتصدي لمشاهد التحرش بالفتيات والنساء، والدفاع عن حق نساء مصر الحرائر العاملات أن يمشين في أجواء آمنة لا يعكرها التحرش.
وغدا حلقة جديدة....
