لماذا تشن إسرائيل هجمات بالفسفور الأبيض في غزة وداخل لبنان؟ - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 12:51 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا تشن إسرائيل هجمات بالفسفور الأبيض في غزة وداخل لبنان؟


نشر في: الجمعة 12 أبريل 2024 - 7:20 م | آخر تحديث: الجمعة 12 أبريل 2024 - 7:20 م

على مدى الأشهر الستة الماضية، واصلت إسرائيل إطلاق ذخائر الفسفور الأبيض عبر الحدود على جنوب لبنان. وباعتباره غازا ساما، يضر العينين والرئتين ويمكن أن يسبب حروقا شديدة، وبالتالي يتم تنظيم استخدامه بشكل صارم بموجب القوانين الدولية.
ويقول الجيش الإسرائيلي إنّ استخدامه لهذا السلاح المثير للجدل ضد المسلحين في كل من غزة ولبنان أمر قانوني. ومع ذلك، تقول جماعات حقوق الإنسان إنه يجب التحقيق في الأمر باعتباره جريمة حرب. ويقول الأمريكيون إنّهم سيحققون في استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في كلا البلدين.
وباستخدام مثل هذه القذائف على مقربة شديدة من المدنيين، هل تنتهك القوات الإسرائيلية القانون؟ أم أنّ ذلك يعد حقاً خلال الحرب؟
"إنه يحلق مثل الضباب الأبيض. ولكن عندما يصطدم بالأرض، يتحول إلى مسحوق".

"يقولون إنّ رائحته تشبه رائحة الثوم، لكنّها أسوأ من ذلك بكثير. كانت الرائحة لا تطاق. أسوأ من مياه الصرف الصحي"، هكذا وصف علي الهجوم بالفسفور الأبيض.

 تحترق ذخائر الفسفور الأبيض عند درجات حرارة تصل إلى 815 درجة مئوية، وهي شديدة الاشتعال وشديدة السميّة.

 يقول علي وهو من قرية الظهيرة "بدأت المياه تتدفق من أعيننا... لولا أننا كنا نغطي أفواهنا وأنوفنا بقطع قماش مبللة، لما كنّا على قيد الحياة اليوم".
وتحققت بي بي سي بشكل مستقل من الاستخدام المتكرر لذخائر الفسفور الأبيض من قبل الجيش الإسرائيلي، في أربع بلدات وقرى في لبنان بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومارس/آذار 2024.
ومنذ بداية الحرب في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، تصاعد العنف أيضا على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ما أدى إلى سقوط ضحايا من الجانبين وتشريد آلاف الأشخاص.
ويعتبر حزب الله، المتحالف بشكل وثيق مع إيران وحليف حماس، أحد أكثر القوات العسكرية غير الحكومية تسليحا في العالم. وقد قوبلت الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار، التي يشنها مقاتلو حزب الله بشكل شبه يومي، بغارات جوية ومدفعية ثقيلة من قبل الجيش الإسرائيلي بما في ذلك استخدام الفسفور الأبيض.
وعندما يُطلَقُ الفوسفور الأبيض من قذيفته، فإنّه يتفاعل مع الأكسجين لتكوين ستارة دخان سميكة، وهذا يوفر غطاءً فوريا تقريبا للقوات الموجودة على الأرض، ما يحجب الرؤية عن الأعداء. إنّه تكتيك عسكري فعال للغاية وقانوني في ظل ظروف معينة، ومع ذلك، فإنّه بموجب القانون الدولي، تقع على عاتق جميع الأطراف مسؤولية حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.
استُخدمَ الفسفور الأبيض من قبل معظم الجيوش الكبرى في العالم في القرن الماضي. وقد استخدمه الاتحاد السوفييتي على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية، وفقا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. كما اعترفت الولايات المتحدة باستخدامه في العراق عام 2004، ثم مرة أخرى في سوريا والعراق ضد داعش في عام 2017. أفادت إسرائيل أيضًا باستخدام المادة الكيميائية خلال هجوم 2008-2009 على غزة. ولكن بعد أن قالت الأمم المتحدة إن الجيش الإسرائيلي "مستهتر بشكل ممنهج" في هذا الشأن، قال الجيش الإسرائيلي في عام 2013 إنه "سيتم إخراج هذا السلاح من الخدمة الفعلية قريبا".
ومن المعروف أنّ مقاتلي حزب الله يتحركون في وحدات صغيرة، تتألف من شخصين إلى أربعة أشخاص. ويستخدمون الأحراش للاحتماء، وكثيرا ما يطلقون الصواريخ والقذائف عبر الحدود باتجاه الجيش الإسرائيلي المتمركز على الجانب الآخر. وربما يكون غمرهم بالدخان إحدى الطرق التي يستخدمها الإسرائيليون من أجل استهدافهم.
وفي الأيام التي تعرضت فيها قرية علي (الظهيرة) للقصف في الفترة من 10 إلى 19 أكتوبر/تشرين الأول، قال علي إنه لم تكن هناك مجموعات مسلحة في المنطقة.
يقول علي "لو كان حزب الله موجوداً، لكان الناس قد طلبوا منهم المغادرة لأنهم لا يريدون الموت. لم يكن حزب الله موجودا".
ولم تتمكن بي بي سي من التحقق بشكل مستقل من وجود أو عدم وجود أي جماعات مسلحة في القرية، في الأيام المحيطة بالهجمات.

كان أول من وصل إلى مكان الحادث في الظهيرة رجل الإسعاف المتطوع، خالد قريطم.
يقول خالد "بدأنا بإجلاء الأشخاص الذين فقدوا وعيهم". ولكن بينما كان لا يزالون يحاولون الوصول إلى الناس، تعرّض فريق الإنقاذ لإطلاق النار.
يقول خالد "لقد أطلقوا علينا ثلاث قذائف. إمّا لمنعنا من إنقاذ الناس أو لخلق جو من الخوف".
يتذكر خالد نقل تسعة أشخاص على الأقل إلى المستشفى الإيطالي في مدينة صور، من بينهم والده إبراهيم.
إبراهيم البالغ من العمر 65 عاما، دخل المستشفى لمدة ثلاثة أيام بسبب صعوبات شديدة في التنفس. يقول طبيبه، الدكتور محمد مصطفى، إنّه عالج العديد من المرضى الذين تعرضوا للفسفور الأبيض.
يقول الدكتور مصطفى "كان المرضى يصلون وقد ظهرت عليهم علامات الاختناق الشديد، والتعرق الغزير والقيء المزمن وعدم انتظام ضربات القلب... كانت تفوح منهم رائحة الثوم. وأكدت نتائج الدم تعرضهم للفسفور الأبيض".

عندما ذهبنا للقاء إبراهيم بعد ثلاثة أشهر، كانت عيناه لا تزال حمراء، وكان جلد ذراعيه وقدميه مغطى بالطفح الجلدي ويعاني التقشير. ويقول إنّ الأطباء أخبروه أنّ السبب في كل ذلك هو الفسفور الأبيض.
يقول إبراهيم "منذ السبعينيات، نعيش في حروب... ولكن لا شيء مثل هذا أبدا، الانفجارات تقع بالقرب من منازلنا".
ويضيف أنّ إحدى القذائف سقطت على بعد ستة أمتار من سيارته، عندما كان يحاول الفرار. ويقول إنه كانت هناك طائرات استطلاع بدون طيار تابعة للجيش الإسرائيلي تحلق فوق رؤوسهم.
يقول إبراهيم "كان بإمكانهم رؤيتنا. لقد كانوا يطلقون النار بشكل عشوائي".
وتقول منظمة العفو الدولية إنّ الهجوم على قرية الظهيرة "يجب التحقيق فيه باعتباره جريمة حرب، لأنّه كان هجوماً عشوائياً أدى إلى إصابة تسعة مدنيين على الأقل، وألحق أضراراً بأهداف مدنية، وبالتالي كان غير قانوني".
ورداً على شهود عيان، قالوا إنّ الفسفور الأبيض يُستخدم "بتهور" وفي مناطق مأهولة بالسكان، قال الجيش الإسرائيلي لبي بي سي "تتطلب توجيهات جيش الدفاع الإسرائيلي عدم استخدام قذائف الدخان التي تحتوي على الفسفور الأبيض في المناطق المكتظة بالسكان، مع مراعاة بعض الاستثناءات. هذه توجيهات عملياتية سرية ولا يمكن الكشف عنها".
أدلة على الفسفور الأبيض
مباشرة بعد الهجوم على قرية علي (الظهيرة)، بدأت التقارير تظهر على الإنترنت. في البداية، نفى الجيش الإسرائيلي استخدام ذخائر الفسفور الأبيض، لكنّه تراجع لاحقا واعترف باستخدامه ولكن "ضمن القوانين الدولية".
ومن خلال فحص جميع الأدلة المتاحة، تمكنت بي بي سي من التحقق بشكل مستقل من استخدام الفسفور الأبيض فوق الظهيرة، بالإضافة إلى ثلاث قرى أخرى على طول الحدود في الأشهر الستة الماضية.

وفي قرية "كفر كلا"، حصلت بي بي سي على شظية قذيفة سقطت بين منزلين مدنيين، وأجرت عليها اختبارات كيميائية. أُجري التحليل من قبل أستاذ كيمياء شهير. ولدواع أمنية، طلب عدم الكشف عن هويته.

 يرتدي البروفيسور قناع غاز ومعدات حماية شخصية كاملة، ويفحص عدة كتل لزجة داكنة على الحافة الداخلية للشظيّة المعدنية.
يقول "هذا جزء من قذيفة هاوتزر عيار 155 ملم، تشير العلامة M825A1 إلى أنها ذخيرة فوسفور أبيض، إنّها صناعة أمريكية".
يحمل ولاعة حتى يصل إلى الكتل اللزجة، التي اشتعلت فيها النيران على الفور.
"تخيل أنّك تحاول إزالة هذه المادة من ملابسك وهي تحترق وتلتصق بجلدك".
ويقول إنّه حتى بعد مرور 30 يوما، لا يزال من الممكن أن تشتعل بقايا الفسفور الأبيض.
واتهم المسعف خالد قريطم إسرائيل بتعمد استخدام الفسفور الأبيض، لإبعاد الناس عن المناطق الحدودية.
يقول "كانت لدينا حياة ريفية جميلة. بدأوا بقصف مناطق الغابات بالفوسفور عمداً لإحراق أشجار الزيتون وبساتين الأفوكادو".
ردا على ادعاءات خالد، رد الجيش الإسرائيلي بما يلي:
"الجيش الإسرائيلي يرفض تماما أيّ ادعاءات بأن قذائف الدخان تستخدم لإبعاد المدنيين في لبنان عن الحدود".
هل خرقت إسرائيل القانون؟
لم يتم تعريف الفسفور الأبيض كسلاح كيميائي، وحتى مصطلح السلاح الحارق مثير للجدل.
بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأسلحة التقليدية، هناك قيود على الأسلحة المصممة في المقام الأول لإشعال الحرائق أو حرق الناس. ومع ذلك، فإن غالبية الدول، بما في ذلك إسرائيل، تتفق على أنه إذا تم استخدام الفوسفور الأبيض في المقام الأول لخلق ستائر من الدخان، وليس الحرائق (حتى لو حدثت عرضيا)، فإن قانون الأسلحة الحارقة لا يعد ساريا.
ومع ذلك، فإن منظمة هيومن رايتس ووتش لا توافق على هذا الرأي. وتقول إن هناك الكثير من "الثغرات" في اتفاقية الأسلحة التقليدية.
ويقول رمزي قيس، الباحث في هيومن رايتس ووتش "إن اتفاقية الأسلحة التقليدية تحتوي على ثغرات، لا سيما فيما يتعلق بتعريفها للأسلحة الحارقة".
"ولكن بموجب القانون الإنساني الدولي، يجب على جميع أطراف النزاع اتخاذ الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الضرر بالمدنيين. خاصة عند استخدام الذخائر التي تحتوي على الفسفور الأبيض".
ولتحديد ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت القانون الدولي الإنساني، يقول البروفيسور بيل بوثبي، المحامي المستقل والخبير العسكري، إن إحدى المشاكل هي "تضارب الأدلة".
يقول البروفيسور بوثبي "يقول الإسرائيليون إن هدفهم كان خلق ساتر من الدخان... يقول القرويون إنه لم يكن هناك أي غرض من إنشاء ستارة من الدخان، لأنه لم يكن هناك مسلحون. هل كان هذا بالفعل هو الغرض من استخدام الفسفور الأبيض؟ إن معرفة الإجابة على ذلك ستتطلب معرفة ما كان يدور في أذهان أولئك الذين اتخذوا القرار بشأن الهجوم".
ويقول البروفيسور بوثبي إن "التناسب" عنصر مهم أيضا. أن يكون أي ضرر يحدث ليس مفرطا، قياسا إلى المكاسب العسكرية المتوقعة.
"نحن نتحدث عن ضرورة إثبات أن الإصابات المتوقعة في صفوف المدنيين، والأضرار التي لحقت بالأهداف المدنية، كانت مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة التي توقعوا الحصول عليها قبل الهجوم".
وهو ما يعتمد مرة أخرى، كما يقول البروفيسور بوثبي، على معرفة ما كان يدور في أذهان من اتخذوا القرار بشأن الهجوم وما هو هدفهم.
وعندما سُئل عن أهدافه في الظهيرة، رد الجيش الإسرائيلي على بي بي سي "هذه توجيهات عملياتية سرية، ولا يمكن الكشف عنها".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك