سجل مؤشر الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» انخفاضات متتالية خلال الأشهر الماضية، رغم توقف اتفاقية تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، واستمرار الحرب فى منطقة البحر الأسود، بررها الدكتور عبدالحكيم الواعر، المدير العام المساعد والممثل الإقليمى للشرق الأدنى وشمال أفريقيا بالمنظمة، بتحوط الدول ضد ارتفاع الأسعار بسبب الأزمات العديدة التى مرت بالعالم خلال العقدين الماضيين، عبر زيادة الإنتاج وترشيد الاستهلاك، ورفع السعة التخزينية، ومن أبرز هذه الدول مصر والمغرب، لكنه لم يستبعد زيادة الأسعار مجددا فى الشتاء المقبل.
وقال الواعر إن السبب الرئيسى لتراجع أسعار الأغذية عالميا، هو تعلم الدول الدرس من الكوارث القريبة، خاصة الأزمة المالية العالمية فى 2007 و2008، ثم أزمة الربيع العربى فى 2010 و2011، وكوفيدــ19 فى 2019 و2020 و2021، ثم تبعتها أزمة الحرب بين روسيا وأكرانيا ومنع تصدير الحبوب.
وأضاف الواعر، فى حوار مع «الشروق»، على هامش مؤتمر للمنظمة فى القاهرة الأسبوع الماضى، أن تلك الأزمات كانت بمثابة جرس إنذار، إذ بدأت كثير من الدول فى إعادة حساباتها بشأن سياسات الإنتاج والاستهلاك والدعم، وعملت تلك الدول على زيادة الإنتاج عبر توسيع الرقعة الزراعية وتطوير تقنيات الزراعة، ما أدى إلى تقليل بعض الدول للواردات الغذائية من 70% من احتياجاتها إلى 40% و50% فقط، مثل المغرب ومصر التى عملت على زيادة الإنتاج من القمح بصورة واضحة.
كما عملت كل الدول وعلى رأسها مصر على زيادة السعة التخزينية للسلع الاستراتيجية مثل الحبوب، الذى زاد من قدرتها التخزينية من 3 إلى 9 أشهر، وهذا يقلل من السحب من السوق العالمية.
ولكن الواعر توقع ارتفاع الأسعار مع انخفاض المخزون من الإنتاج المحلى، وقال: «لا تزال الدول تنعم بالمحاصيل التى جنتها قبل 3 أشهر تقريبا، لكن مع دخول الشتاء وقلة الحصاد ربما ترتفع الأسعار مرة أخرى»، لافتا إلى أن الركود الاقتصادى العالمى الذى باتت بعض ملامحه تظهر فى دول مختلفة، كان من بين الأسباب، لكنه أقل تأثيرا من الأسباب سالفة الذكر.
وتابع: «التأثير الأكبر لزيادة قدرة الإنتاج المحلى، وأيضا ترشيد الاستهلاك، إذ أصبحت الجهات المختصة والحكومات أكثر وعيا بترشيد الاستهلاك والبحث عن أسواق بديلة وتعظيم الإنتاج داخليا، وهذا يقلل الاعتماد كثيرا على الأسواق الخارجية»، مضيفا «أيضا تدشين عدد كبير من الصوامع سيقلل الحاجة للخارج بشكل سريع، بدلا من الشراء كل ٣ أشهر، ويتيح لدى الدول القدرة على تمديد المدة التى تشترى الحبوب فيها من الأسواق الخارجية، كما تمنح الصوامع القدرة على مرونة اختيار وقت الشراء عندما يكون هناك وفرة فى السلع وانخفاض فى الأسعار.. ما أقصده أنه بات هناك نوع من الذكاء الاقتصادى لدى الدول المستهلكة، ففى السابق كانت تلك الدول مضطرة للشراء خلال أوقات قصيرة مهما كان السعر».
غير أن الواعر حذر من الكوارث الطبيعية المتعلقة بتغير المناخ، إذ يرى إنها قد تقوض من مجهودات الدول فى زيادة الإنتاج تخزين السلع الغذائية، وضرب مثالا بالبرازيل، وهى أكبر منتج عالمى للسكر، التى ضربها الجفاف بشدة فى الموسم قبل الماضى، ما ألحق أضرارا بالغة بإنتاج السكر، ورفع أسعاره العالمية»، مضيفا أن آثار الجفاف والظواهر المناخية المتطرفة لن تظهر آثارها سريعا، ولكن ستأخد بعض الوقت.
وعانت الدولة الجنوب أمريكية، الموسم قبل الماضى، من أسوأ موجة جفاف منذ عام 1930، أى ما يقارب من 100 عام، ما انعكس سلبا على إنتاج قصب السكر، الذى يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، كما خفض من إنتاج وقود (الإيثانول) المعتمد على هذا النبات، والذى تخلطه البرازيل مع البنزين اللازم لمحركات المركبات. يذكر أن البرازيل تعتمد على الطاقة الكهرومائية (المولدة من السدود) فى تلبية 70% من احتياجاتها، نظرا لطول موسم هطول الأمطار الاعتيادى من قبل، والذى يمتد من شهر نوفمبر وحتى مايو من كل عام.
فى سياق متصل، قال الواعر إن منطقة البحر الأسود تعد أقرب موقع جغرافى للدول العربية، فهناك ممرات غذاء عالمية متعددة فى أنحاء العالم، «وأقربها لنا فى الدول العربية هو البحر الأسود، وللأسف أثرت الحرب فى أوكرانيا بشكل كبير على دول المنطقة».
وأوضح أن اتفاقية الحبوب جاءت بمبادرة من تركيا والأمم المتحدة، وهى اتفاقية لها جوانب سياسية وتجارية ولوجيستية، لكن روسيا انسحبت منها، «ولا ندرى الأسباب».
وشهدت أسعار السلع ارتفاعا كبيرا بعد غزو موسكو لكييف فى فبراير 2022، ما خفض تدفق إنتاج الدولتين الرئيسيتين فى قطاع الحبوب، خاصة القمح والذرة، للأسواق العالمية، وما دفع بدوره إلى إبرام اتفاقية الحبوب فى وقت لاحق لتصدير المحاصيل من منطقة البحر الأسود، وتكرر تجديدها، إلى أن انسحبت روسيا منها قبل أشهر، بحجة أنها غير مفيدة لها بسبب عراقيل غربية أمام صادراتها.
وتراجع مؤشر المنظمة لأسعار الغذاء للشهر الـ 13 على التوالى فى أكتوبر الماضى.
وأفادت (الفاو)، فى تقريرها الصادر مطلع شهر نوفمبر الحالى، بأن مؤشر الأسعار العالمية للسلع الغذائية سجل تراجعا معتدلا بانخفاض 0.5٪ عن مستواه المسجل فى سبتمبر السابق.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية الذى يتتبع التغيرات الشهرية فى الأسعار الدولية من السلع الغذائية المتداولة عالميا، 120.6 نقطة فى أكتوبر، بانخفاض 10.9٪ عن قيمته على مستوى سنوى.
وتراجع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب بنسبة 1٪ عن مستواه المسجل فى الشهر السابق. وانخفضت أسعار الأرز الدولية بنسبة 2٪ بفعل الطلب العالمى السلبى عموما على الواردات، بينما هبطت أسعار القمح الدولية بنسبة 1.9%، بفضل الإمدادات الكبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية واشتداد المنافسة بين المصدرين. وفى المقابل، ارتفعت أسعار الحبوب الخشنة بصورة طفيفة، وفى طليعتها أسعار الذرة نتيجة انحسار الإمدادات فى الأرجنتين.
وانخفض المؤشر لأسعار الزيوت النباتية بنسبة 0.7٪ عن مستواه المسجل فى سبتمبر السابق، إذ أدى انخفاض أسعار زيت النخيل العالمية الناجم عن ارتفاع الإنتاج الموسمى وضعف الطلب العالمى، إلى التعويض إلى حد كبير عن ارتفاع أسعار زيت الصويا وزيت دوار الشمس وزيت بذور اللفت. وقد ارتفعت أسعار زيت الصويا مدعومة بالطلب القوى من قطاع الديزل الحيوى.
وتراجع مؤشر المنظمة لأسعار السكر بنسبة 2.2٪ وإن بقى أعلى بنسبة 46.6٪ عن مستواه المسجل فى الشهر نفسه من العام الماضى.
وكان التراجع المسجل فى شهر أكتوبر الماضى، مدفوعا بشكل أساسى بوتيرة الإنتاج القوية فى البرازيل، غير أن المخاوف بشأن التوقعات بتقلص الإمدادات العالمية فى السنة المقبلة أدت إلى كبح انخفاض الأسعار.
وسجل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار اللحوم تراجعا بنسبة 0.6٪ فى ظل ضعف الطلب على الواردات، ولا سيما من شرق آسيا، الأمر الذى أدى إلى هبوط الأسعار الدولية للحم الخنزير، ما عوض بشكل كبير عن الارتفاع البسيط فى أسعار لحوم الدواجن والأبقار والأغنام.
من جهة أخرى، قال الواعر إن المفاوضات لا تزال جارية بشأن تمويل بنكى التجارى الدولى والإسكندرية سان باولو للمشروعات متناهية الصغيرة فى المنيا التى استفادت من برنامج «تحسين سبل العيش والتغذية والتمكين للمرأة الريفية وأسرتها فى محافظة المنيا».
وردا على تساؤل بشأن طول مدة المفاوضات، نفى الواعر رفض البنكين التمويل، قائلا: «بالعكس رحب البنكان بالتمويل، لكنهما يجريان الدراسات الاقتصادية لجدواه، ولا مشكلة فى سعر الفائدة، إذ إنه عادة ما يكون التمويل الأصغر ذا فائدة منخفضة حتى إذا كان معدل الفائدة فى الدولة مرتفعا، إذ إن البنوك عادة لا تستهدف ربحا من مثل هذا التمويل، لذلك لا تتعدى التكلفة المصاريف الإدارية وهامش ربح محدود جدا».
وفى يوليو الماضى، قال الواعر، لـ«الشروق»، إن «الفاو» ترغب فى تزويد السيدات اللاتى تمتلكن المشروعات، من خلال البرنامج، بقروض صغيرة ميسرة، ويكون السداد خلال مدة طويلة نسبيا لا تقل عن ٣ سنوات.
وبدأ المشروع منذ ٣ سنوات، لمساعدة النساء فى ١٠ قرى، على إقامة مشروعات صغيرة فى القطاع الزراعى والأعمال المرتبطة مثل تربية الماعز والبط، وعمليات تحويل اللبن إلى منتجات أخرى، تمنحها قيمة مضافة.
وأعلن الواعر توقيع اتفاق مع كندا لتكرار المشروع فى كل محافظات مصر، بتمويل قيمته ١٠ ملايين دولار.
وأوضح أن «الفاو» ترغب فى مواصلة تلك السيدات أعمالهن، بعد انتهاء برنامج المنظمة.