آلام النكبة وآمال العودة.. كما يرويها الكاتب الفلسطيني سلمان أبو ستة
الوثائق الإسرائيلية سجلت مساحة غزة حسب اتفاق الهدنة ٥٥٠ كم مربع ولكنها أصبحت ٣٦٥ كم عام ١٩٥٠.
تأسست حركات سياسية فلسطينية وانضم الجميع تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية بتشجيع ومساعدة من عبد الناصر.
انتقل الكاتب وهو طفل ليعيش مع عائلة مصرية صديقة للوالد فى حلوان، وكان معه فى الفصل الكاتب فهمى هويدى. وبعد نيل الشهادة الابتدائية انتقل إلى مدرسة السعيدية فى الجيزة.
بعد النكبة تأكدت أنا وغيرى من الفلسطينيين أن السلاح الوحيد الذى نملكه هو التعليم، وقد فتح عبد الناصر مدارس وجامعاته مجانًا للطلبة الفلسطينيين.
الأبحاث التى قام بها المؤلف ضخمة وعظيمة. وبعد اتفاق أوسلو استطاع المؤلف وابنته رانيا أن يزورا القدس واستأجرا سيارة بسائق فلسطيني يتحدث العبرية وطاف بهما إسرائيل كلها، وزارا يافا ووصل إلى منزل أهل زوجته، وفى الجنوب وصل إلى أرضه وقد أزيل بيت العائلة وأصبح اسم المكان حاشلوتة، وقبلوا الأرض وركبوا السيارة للعودة. إسرائيل أرادت الأرض وطرد الفلسطينيين.. والآن تريد محو الذاكرة الفلسطينية وأن ينسى الفلسطينيون أصلهم.
أثناء العدوان الثالثى تلقى الكاتب ومصطفى نبيل تدريبًا عسكريًا بسيطًا وذهبا إلى بورسعيد لمحاربة العدوان.
من لندن، ذهب المؤلف مع أصدقائه بالقطار إلى الدول الإسكندنافية. وفى عام ١٩٦١ قابل فى لندن الوفد الفلسطيني المكون من د. حيدر عبد الشافى ومنير الريس، عمدة غزة، وأخو المؤلف إبراهيم أبو ستة. وهم فى طريقهم للأمم المتحدة، وقد نظم هذه الرحلة جمال عبد الناصر، وكان المؤلف مستغربًا أنهم غير مستعدين للدفاع عن قضيتهم بالمعلومات ووجهات النظر المختلفة.
«خريطة عودتى.. مذكرات فلسطيني» كتاب من تأليف سلمان أبو ستة، صدر من نيويورك عام 2016، وصدر حديثًا عن الجامعة الأمريكية فى القاهرة فى أكتوبر 2025.
نستكمل فى السطور التالية الجزء الثانى من استعراضنا لهذا الكتاب المهم، خصوصًا من جهة توقيته، حيث يتزامن مع أسوأ وأقسى عدوان إسرائيلي على قطاع غزة والذى استمر نحو عامين.
تقديم التماسات لجامعة الدول العربية والحكومة المصرية
يقول المؤلف: "اجتمع فى شقتنا فى المنيل مجموعة من الطلبة الفلسطينيين، وقرروا تقديم التماسات لجامعة الدول العربية والحكومة المصرية، وتحولت المجموعة إلى اتحاد الطلبة الفلسطينيين وانتخب الأخ سلمان الكاتب رئيسًا للاتحاد. وكان كاتبنا يجلس فى الخلف يستمع إلى أحاديث الطلبة القادمين من الجنوب وأيضًا من يافا وحيفا والمآسى التى حدثت لهم حتى وصلوا إلى مصر. وجاء الوالد ليجتمع مع أوالده فى شقة المنيل، وقال لهم: لا تقوموا بعمل يغضب الله، حاذروا من إنفاق المال لأن الزمن صعب. اعملوا بجد وحافظوا على كرامتكم. ووقفوا جميعًا وقبلوا يده واحدًا تلو الآخر. وكانت هذه عادة فى ريف فلسطين".
لم يشك أحد من اللاجئين فى خان يونس وغزة أنهم سوف يعودون إلى أرضهم، وبعضهم قام بأعمال فدائية بجوار خط الهدنة حتى وصلوا إلى الخليل بسبب قطع خط العودة عليهم.
وعلى خط الهدنة كانت تقع أرض الحاج محمد أبو دقة، وكان رجلاً غنيًا ومن عائلة كبيرة، وجد أن إسرائيل عدلت خطة الهدنة داخل غزة لمقدار ٢ كيلومتر، وقد تم تسجيل حادثة تغيير خط الهدنة بواسطة أبو دقة للمسؤولين المصريين مثل محمود رياض الذى أصبح وزيرًا للخارجية بعد ذلك. وكان أبو دقة صديقًا وسجلت أيضًا فى الوثائق الإسرائيلية، وكانت مساحة غزة حسب الاتفاق ٥٥٠ كم مربع، ولكنها أصبحت ٣٦٥ كم عام ١٩٥٠.
وفى عام ١٩٥٠ حدثت أحداث كثيرة لفلسطينيين حاولوا مد خط الهدنة وتم اغتيالهم. وعندما كان كاتبنا يذهب فى الإجازة الصيفية لزيارة الأهل يسمع عن الحوادث المستمرة والهجمات من الإسرائيليين، ويحكى أنه عاد إلى مدرسته فى القاهرة، ولكن قلبه كان مازال فى فلسطين.
وقامت حركات سياسية فلسطينية من الشيوعيين والعروبيين والإسلاميين، وانضم الجميع تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية بتشجيع ومساعدة من عبد الناصر الذى استطاع أن يجعلهم ممثلين فى الأمم المتحدة عام ١٩٦١، وشجع زيارة غزة لأعضاء مؤتمر باندونج. أما الفلسطينيون فى الشمال فقد أصبحوا جزءًا من المملكة الأردنية الهاشمية التى لم تسمح بإنشاء نشاط سياسى لهم.

- الحياة فى القاهرة
قرر الوالد أن يعود سلمان لاستكمال تعليمه الابتدائي فى خان يونس، وبينما كانوا يسيرون فى الشارع سمعوا صوًت »يهود يهود« ولم يصدقوا، ولكنهم رأوا برميًا ضخًما يسقط من طائرة، وكانت الغارات الجوية ظاهرة جديدة، ولكنها استمرت واستمر هروب اللاجئين من القرى الفلسطينية إلى غزة، التى ارتفع عدد سكانها من ٨٠ ألفًا إلى ٣٠٠ ألف فى ظرف أسبوع. وكانت حياة اللاجئين كارثية، ولا أحد يعرف ماذا سوف يحدث.
وقاتل محمود، الذى كان مشاركًا فى المشى من اللد والرملة، حيث شارك ٧٠ ألف فلسطيني يمشون خارج فلسطين إلى الجنوب تحت التهديد بالبنادق، ومن يتوقف يُقتل. وتحول محمود إلى فنان يعبر بقلمه عن آلام الفلسطينيين.
انتقل الكاتب وهو طفل ليعيش مع عائلة مصرية صديقة للوالد فى حلوان، وكان معه فى الفصل الكاتب فهمى هويدى، وبعد نيل الشهادة الابتدائية انتقل إلى مدرسة السعيدية فى الجيزة، وهى مدرسة عظيمة بنيت عام ١٩٠٨، بالإضافة إلى الفصول والمعامل، يوجد مسرح وجيمنازيوم وملعب كرة قدم وملعب تنس ومكتبة مزودة بالكتب، وكان الناظر يعيش فى فيلا ملتصقة بالمدرسة، وكان هناك طلبة من أولاد الدبلوماسيين وبعض العرب، منهم أبناء المجاهد المغربي عبد الكريم الخطابى.
وكان يعيش مع إخوته فى شقة المنيل، وكان له صديق واحد مصري فى المدرسة اسمه مصطفى نبيل، أصبح صحفيًا مهمًا بعد ذلك، وكان مهتمًا بالقضية. وعندما زاره الوالد كانت هيئة إغاثة الفلسطينيين تدون استمارات لتوزيع معونات للطلبة الفلسطينيين، وقد دمعت عينا الوالد الذى فقد أمواله وأصبح والده يتلقون المعونة.
ذهب الملك وجاء شباب الضباط، وكانت الروح المعنوية مرتفعة وشاهد الحريق الذى دمر وسط القاهرة، وصحب والده أثناء زيارته للحاج أمين الحسينى فى فيلا فى هليوبوليس. وشعر الفلسطينيون بالأمل مع تولى عبد الناصر السلطة، وذهب الشيخ محمد عوض، عمدة الفالوجة، ووفد منها لزيارة ناصر، وقد عاشوا معه أثناء حصار الفالوجة، وأصبحوا أصدقاء ورحب بهم.
وفى احتفال الخريجين فى المدرسة، طلب من الكاتب إلقاء كلمة فى حضور كمال الدين حسين، أحد أعضاء قيادة الثورة، وخلال الدراسة حصل على شهادة، وكان يكتب فى صحافة الحائط، ويكتب فى الصحافة بالمراسلة، وكان تلميذًا نشيطًا.
وفى عام ١٩٥٦، وبعد تأميم ناصر لقناة السويس، حدث العدوان الثالثى على مصر وبدأ هجوم إسرائيل على سيناء من الشمال والوسط، وفى هذه الفترة تم احتلال خان يونس وغزة، وقامت إسرائيل بإخراج الرجال من بيوتهم وقتلهم بالرصاص فى مذابح رهيبة يحكيها الكاتب بالتفصيل وبالأسماء.
يتحدث فى أحد الفصول عن غالب الفلسطينيين، الذى كان يعمل سائق يبدو أنه قد سار على قدميه من غزة إلى الكويت، وتقدر المسافة بنحو 1600 كيلومتر، لكنه قطعها فى نحو ٣٥٠٠ كيلومتر، حيث دخل ليالٍ إلى بئر سبع المحتلة ومشى حتى وصل إلى الخليل، ومنها إلى عمان، وليس معه مال ولا طعام ولا أوراق، ومنها على الأقدام إلى الزرقاء على الحدود السورية، ولم يجد عمالًا فمشى حتى الصحراء السورية وقابل عددًا من الشيوخ عمل معهم أياً ما، وفى النهاية وصل العراق، ثم الكويت، ثم قطر حيث أعطوه ما يثبت شخصيته، وأخيرًا الإمارات، ثم عمان حيث قابله المؤلف ليكتب حكاية غريبة لفلسطيني شرد من أرضه وطاف المنطقة مشيًا على الأقدام.

- معركة التعليم.. والعدوان الثالث
بعد النكبة تأكدت أنا وغيري من الفلسطينيين أن السلاح الوحيد الذي نملكه هو التعليم، وقد فتح عبد الناصر مدارس مصر وجامعاتها مجانًا للطلبة الفلسطينيين.
وزامل عددًا من الفلسطينيين، وكان ترتيب كاتبنا الأول في شهادة الثقافة، ثم كان من الأوائل في التوجيهية، وقبل بسهولة في كلية الهندسة، وكان متفوقًا. من بين زملائه الفلسطينيين كمال عدوان، أحد قيادات فتح الذي اغتاله إيهود باراك في بيروت عام ١٩٧٣، وكذلك آلاف الطلبة الذين تعلموا في مصر، قاموا ببناء دول الخليج بعد اكتشاف البترول، والكثير منهم انتشروا في أوروبا وأمريكا بسبب التعليم الذي تلقوه في مصر.
أثناء العدوان الثالث، تلقى هو ومصطفى نبيل تدريبًا عسكريًا بسيطًا وذهبا إلى بورسعيد لمحاربة العدوان، ولم يستعن أحد بشابين بسيطين، فعادا إلى القاهرة. كان مصطفى نبيل يدرس في كلية التجارة، وبسبب أفكاره وآرائه السياسية سُجن مدة عامين.
بعد السنة الثانية في الهندسة، ذهب في رحلة مع زملائه إلى بيروت على سطح مركب، في محاولة لمساعدة اللاجئين، وقام بتصوير الرحلة التي فشلت لأنهم لم يجدوا معسكرات، ولكنه أرسل خطابًا بعد العودة إلى جورج جاردنر الأمريكي، الذي قابله على المركب، وبدأت صداقة بينه وبين جاردنر، الأستاذ في الجامعة الأمريكية، وعن طريقه تم دعوته إلى بعض الحفلات. استدعاه بوليس أمن الدولة ليعرف عن العلاقة، وطلب منه أن يرسل لهم تقريرًا بما يشاهده في هذه الحفلات، ولكنه لم يفعل، واستمرت صداقته مع الأستاذ الأمريكي، وتألقوا في لندن وأمريكا وكندا.
ويشكر الكاتب مستوى التعليم في هندسة القاهرة، واهتمام الأساتذة بالطلبة ومستواهم العلمي المرتفع، ويتحدث عن ضعف الحياة الاجتماعية في الكلية. كما يتحدث عن الرحلة التي قام بها مع زملائه الفلسطينيين بعد التخرج، من الإسكندرية إلى أسوان، ويقول: »حضرت إلى القاهرة كلاجئ وتركتها بعد عشر سنوات كمهندس بارع«.
وجد وظيفة بسهولة في الكويت بعد تخرجه عام ١٩٥٩، وكان إخوته هناك، وحضر عدد كبير من زملائه الفلسطينيين للعمل، ولكنه قرر أن يترك الكويت للدراسات العليا بعد عام، متجهًا إلى إنجلترا.

- في بريطانيا.. وقراءة الأدب
واجه الحظ وجوهًا قادمة من إفريقيا والهند والشرق الأقصى، وأقام في المركز الثقافي البريطاني الذي نظم له السفر والدراسة. وأثناء الغداء الجماعي والذهاب إلى حجرته، شعر بالإهانة من المستعمر البريطاني، وانتقل للمعيشة في بنسيون تديره سيدة بريطانية، ومكانه متميز وأمامه حديقة، وعاش فيه طوال إقامته في لندن، وساعدته على النطق الصحيح للغة الإنجليزية، فبدأ يتحدث بلغة جميلة بعيدة عن العنصرية البريطانية، وعن الأرستقراطية البريطانية والطبقية بين الإنجليز أنفسهم.
بدأ التدريب في اتحاد الصناعات البريطاني، ودخل امتحان المعادلة البريطاني ليصبح مهندسًا معتمدًا ونجح بامتياز، وأُذيع الخبر في الـ »بي بي سي« العربية واستمع الأب والأم للخبر. الأب كان سعيدًا بنشر الخبر، والأم رفضت وخافت من الحسد. استطاع الحصول على الدكتوراه بنجاح كبير، وعمل أيضًا في شركة بالإضافة للعمل في الإذاعة البريطانية.
وخلال رحلات القطار وأوقات الفراغ، قرأ عددًا كبيرًا من تراث الأدب العالمي، ووجد كتبًا كثيرة تبرر الاستعمار لمصر وفلسطين وتهاجم الدين الإسلامي. وقال إنه مذهول من الكارثة التي فعلها النازي في اليهود وفعلها الصهاينة في فلسطين، وعن عنصرية بريطانيا تجاه الفلسطينيين وتحيزهم الواضح للصهاينة. كما يروي صداقته للمهندس نيجل، الذي عبر الصحراء الليبية من البحر المتوسط إلى كيب تاون وعاد عبر نهر النيل إلى بورسعيد، ثم لندن بالباخرة.
من لندن، ذهب المؤلف مع أصدقائه بالقطار إلى الدول الإسكندنافية. وفى عام ١٩٦١، قابل في لندن الوفد الفلسطيني المكون من د. حيدر عبد الشافي ومنير الريس، عمدة غزة، وأخو المؤلف إبراهيم أبو ستة، وهم في طريقهم للأمم المتحدة. وقد نظم هذه الرحلة جمال عبد الناصر، وكان المؤلف مستغربًا أنهم غير مستعدين للدفاع عن قضيتهم بالمعلومات ووجهات النظر المختلفة.
ويتحدث في فصل كامل عن استدعائه للعمل والتخطيط لبناء الكويت الحديثة، ومساهماته الكثيرة والمشاكل التي قابلها. وهناك تلقى عقدًا للتدريس في كندا، وقرر أن يأخذ زوجته ليقدمها إلى والديه، ثم يسافر إلى غزة. وكان قد قابل زوجته الفلسطينية في بيروت، وكان جدها عمدة يافا، وتزوجا.
وفي بيروت، ركب الطائرة البريطانية مع زوجته صباح ٥ يونيو ١٩٦٧، وكانت آخر طائرة تغادر بيروت لفترة من الزمن، ومكثا في لندن فترة قصيرة وعرفا تفاصيل كارثة ١٩٦٧، ثم سافرا إلى كندا حيث كان أصدقاؤهما في استقبالهما. ويتحدث عن عائلتين من المهندسين الأصدقاء الذين ساعداه على الاستقرار في كندا.
وخلال هذه الفترة حاول أن يدافع عن القضية الفلسطينية، ولكن الظروف كانت صعبة وشبه مستحيلة، فكان العالم كله، بما في ذلك كندا، مع إسرائيل. وجاءته خطابات كثيرة من أقاربهم، منهم زوج أخته الذي هرب وحيا على عمان.
كتب كتابًا علميًا أهداه إلى والديه في فلسطين، ويذكر أنه تلقى خطابًا من أبيه قبل وفاته بخمسة شهور طلب منه ألا ينسى فلسطين أبدًا.
أنجبت زوجته بنتين، ميسون ورانيا، وفى يوليو ١٩٦٨ استطاع الأب والأم الخروج من غزة إلى عمان ليعيشوا مع ابنهما، وسارع كاتبنا وزوجته للسفر إلى الأردن لزيارة الأب والأم، وجلس مؤلفنا مع والده ساعات يسجل بدقة ما شاهده من الغزو الإسرائيلي وما حدث منذ طفولته، والهجرة اليهودية، ووعد بلفور.
وتحدث الأب عن كيف علم نفسه، وكيف أصر على تعليم والده، وتحدث عن قيادته للثورة الفلسطينية عام ١٩٢٦ في جنوب فلسطين، وفي شهر واحد قتل عبد الله أخوه في المعارك التي حدثت بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية، ومات أبوه ودفن في خان يونس.
انتقل المؤلف إلى الكويت ليعمل مستشارًا لأحد كبار رجال الأعمال، ثم أسس شركته الخاصة التي عملت في الكويت والسعودية. وعندما مرضت زوجته، استطاع أن يستخدم سيدة من إنجلترا لرعاية البنتين حتى تزوجتا وأنجبتا، واستمرت العلاقة بينهم.

- الاشتراك في السياسة الفلسطينية
في هذا الفصل يتحدث الكاتب عن مشاركته في السياسة الفلسطينية، والمشاكل التي واجهتها السلطة الفلسطينية، إضافة إلى ما حدث بعد غزو العراق للكويت، والخروج من المأزق بمعجزة. وفي وسط هذه الأحداث، يتناول أيضًا دور ابنته ميسون في الدفاع عن القضية الفلسطينية أثناء دراستها في بريطانيا والمشاكل التي واجهتها هناك.
- البحث عن العدو الخفي
يقول المؤلف: منذ أن كنت لاجئًا في طفولتي، كان في ذهني البحث عن جذور المشكلة. في عام ١٩٦٠ أصبح زبونًا دائمًا للجمعية الجغرافية البريطانية في لندن، وطبعت خرائط ومذكرات رحالة وجواسيس، ثم أعد تقريرًا تفصيليًا عن فلسطين في القرن التاسع عشر. وكان متعجبًا من كل هذه الرحلات والخرائط، وكل ذلك قبل أن يعرف أحد عن الصهيونية.
مثال على ذلك، الأرشيدوق النمساوي لودفيج سلفادور، الذي ذهب عام ١٨٧٩ إلى فلسطين وأقام معسكرًا من الخيام. يقول المؤلف: «لم نكن نعلم أنهم يخططون للاستيلاء على هذه البلاد».
قامت بريطانيا بتصوير أراضي فلسطين كلها من الجو قبل الانسحاب عام ١٩٤٨، وفشل الكاتب في الحصول على نسخة من هذه الصور، وأخيرًا حصل عليها، وشاهد بيتهم وأرضهم المزروعة، والتي تدعي إسرائيل أنها كانت صحراء. وبعد ساعات من الدراسة، طبع عدة بوسترات تحمل أسماء كل قطعة ومن يملكها.
بعد احتلال فلسطين، تم إزالة كل شيء، واستطاع المؤلف الحصول على أسماء الضباط الصهاينة الذين هاجموا أرضهم وبيوتهم، والمقاومة التي حدثت. كما تمكن من الوصول إلى إسرائيليين متقاعدين شاركوا في الهجوم، وتوثيق ما حدث بالتفصيل، في مجهود جبار.
يقول هرتزل، مؤسس الصهيونية: «بعد ٥٠ عامًا سيكون عندكم دولة، ومن يجلس معنا لا داعي لشراء أراضٍ، وسوف نستولي عليها بالقوة». وقال بن غوريون: «يجب أن نقتل كل الفلسطينيين ونمحو كلمة فلسطين من القواميس». في خرائط الجمعية الجغرافية البريطانية، لم يجد المؤلف اسم فلسطين.
ويؤكد الكاتب أن الإسرائيليين لم يستولوا فقط على أرض فلسطين، بل على كل وثائق الأراضي والمدارس والمستشفيات والمواصلات والبنوك والنوادي، وأوراق الحكومة والمكتبات الخاصة، بهدف محو اسم فلسطين من الوجود. وتثبت الوثائق البريطانية أنه كان هناك تسعة آلاف اسم مكان، وبعضها لم يعد موجودًا اليوم.

الأبحاث التي قام بها المؤلف ضخمة وعظيمة. بعد اتفاق أوسلو، استطاع المؤلف وابنته رانيا زيارة القدس، واستأجرا سيارة بسائق فلسطيني يتحدث العبرية، وطافا إسرائيل كلها، وزارا يافا ووصلوا إلى منزل أهل زوجته. وفي الجنوب، وصلوا إلى أرضه التي أزيل بيت العائلة فيها وأصبح اسم المكان «حاشلوتة»، وقبل الأرض وركبوا السيارة للعودة.
ويؤكد أن إسرائيل أرادت الأرض وطرد الفلسطينيين، وهو ما تحقق، أما الآن، فهي تحاول محو الذاكرة الفلسطينية وجعل الفلسطينيين ينسون أصلهم بعد فقدان أرضهم. وفي الصفحات الأخيرة، أضيف فصل صغير عن ٢٠٠ ألف فلسطيني الذين قتلوا في غزة، وتذكر زيارته لغزة عام ٢٠٢١، وصورة وهو يشير إلى مكان أرض العائلة من ناحية الحدود.
- معلومات عن الكتاب
الكتاب من تأليف أستاذ مهندس وباحث وعالم فلسطيني، يبلغ عمره عشر سنوات منذ بداية اللاجئين، ويستمر في البحث عن تاريخ فلسطين وكتابة ما يشاهده وزيارته لها. الكتاب يحتوي على معلومات ضخمة ومكثفة، ويحتاج إلى الترجمة إلى العربية، خصوصًا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير الذي بدأ في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وما يزال مستمرًا بصورة متقطعة، رغم اتفاق شرم الشيخ في أكتوبر الماضي.