يحتفل الفنان عادل إمام، اليوم 17 مايو، بعيد ميلاده الــ85 محتفظًا بمكانته كأحد أبرز نجوم الفن في العالم العربي لأكثر من نصف قرن، فمنذ صعوده إلى أدوار البطولة في مطلع السبعينيات، لم يخسر أي جولة من جولات المنافسة، وظل متصدرًا للمشهد السينمائي والمسرحي والتلفزيوني بثبات وتفرد.
وفي قراءة تحليلية لمسيرته، يقول الباحث محمد منصور في كتابه "الكوميديا في السينما العربية"، إن صعود عادل إمام لم يكن مجرد نتاج ظرف اجتماعي أو صدفة إنتاجية، بل خلاصة لعوامل متعددة اجتمعت في شخصه الفني: "إن صعود أي ممثل نحو النجومية ليس تعبيراً عن ظاهرة أو تحولات اجتماعية بالضرورة، فقد يأتي ذلك نتيجة اكتشاف مخرج أو منتج مغامر لطاقاته والمراهنة عليها، ويأتي ذلك نتيجة طبيعية لاجتهاد الممثل وتطور أدواته؛ لكن عادل إمام في صعوده نحو النجومية قد جمع كل ذلك". بهذا المزج بين الموهبة والتوقيت والاجتهاد، تحوّل عادل إمام من فتى صاعد في خلفية الكادر إلى مركز الصورة، لا كنجم فقط، بل كأحد المؤثرين في الوعي العام العربي، بما قدمه من أدوار متنوّعة امتدت من الكوميديا الساخرة إلى النقد السياسي والاجتماعي، بأسلوب سهل ممتنع جعله ظاهرة فنية فريدة في تاريخ التمثيل العربي".
-حادثة كودية الإسلام ولقاء مع زكي بدر
مع تصاعد الحوادث المرتبطة بالجماعات المتشددة في أواخر الثمانينيات، وجد الفنان عادل إمام نفسه وجهًا لوجه مع سؤال عن دور الفن في مواجهة الفكر الظلامي، ومع بدء عرض مسرحية "الواد سيد الشغال" في عام 1985 وقع حادث قرية "كودية الإسلام" بعد 3 سنوات، وكان وزير الداخلية زكي بدر يشاهد المسرحية هو وبعض رجاله وما إن انتهى العرض دعاه إمام إلى حديث مهم في غرفته وراء الكواليس.
وبحسب ما رواه الكاتب الصحفي عادل حمودة، فإن الفنان عادل إمام بادر بطرح فكرة مواجهة نفوذ الجماعات المتطرفة في صعيد مصر، من خلال الفعل الثقافي والفني.
وفي اللقاء الذي جمعه ببدر، وجّه عادل إمام سؤالًا مباشرًا: "سيادة الوزير، هل تابعت ما حدث في قرية كودية الإسلام؟، فأجابه بدر: "طبعًا، هو أنا نايم على وداني؟"، وعرض عادل إمام خلال الحديث استعداده للسفر إلى أسيوط وتقديم مسرحيته هناك دعمًا للفرقة الفنية المحلية، معتبرًا أن التصدي للمتطرفين يجب أن يتم من داخل مناطق نفوذهم، قبل أن يتمدد خطرهم ليطال المدن ويهدد المسارح ودور السينما.
وبحسب حمودة، فإن الوزير بدر وافق على الفكرة، معربًا عن دعمه الكامل، وقال لعادل إمام: "لو كنت قررت ذلك فعليًا، فأنا معك، ونحن لسنا خائفين منهم.. حدد الموعد ونحن على أتم الاستعداد".
-خطة الثلاث ورقات
ويشير حمودة إلى تفاصيل جلسة جمعته بزكي بدر في أحد الفنادق القاهرة، قائلا: "أردت أن أعرف خبايا ما حدث في أسيوط بعد أن سافر عادل إمام إليها لعرض مسرحيته، رغم أنني لم أكن في حاجة إلى سؤاله عن قبوله هذه المخاطرة الأمنية فهو بطبيعته التي اشتهر بها متجاوز الحدود في كل شيء، لكنني عرفت من أحد مساعديه أنه أراد تبييض وجهه ولو لبعض الوقت بعد أزمته المزمنة مع قيادات ووزراء الحكومة وكبار الكتاب الذين وجه إليهم ألفاظًا سوقية سيئة يعاقب عليها القانون"، ويرى حمودة أن بدر أراد بعملية عادل إمام فى أسيوط أن يثبت أنه يستحق منصبه.
ويقول حمودة في كتابه: "عادل إمام الذي لا تعرفه.. سنوات الصداقة وأسرار القطيعة"، عرفت من الوزير زكي بدر في ليلة "الماريوت" أنه أطلق على العملية اسما كوديا هو "الثلاث ورقات".
ويتابع حمودة "وضعت الداخلية خطة تأمين سفر عادل إمام من بيته في المهندسين، حتى عودته إليه، استنفر الوزير كل القوات من أمن الدولة إلى الأمن المركزي، ومن محطة القطارات في القاهرة إلى محطة القطارات في أسيوط وما بينهما من محطات يتوقف فيها القطار، كان على الخطة تأمين مسافة طولها 375 كيلومترًا إلى جانب مسرح العرض في قصر الثقافة الجماهيرية، الذي كان في منطقة حقول مكشوفة قبل أن يمتد إليها العمار".
-طوارئ في بيوت نجوم سيد الشغال
في الوقت نفسه، بدأ عادل إمام مجهودًا مضنيًا ليقنع أفراد الفرقة ونجومها مثل: مشيرة إسماعيل، ورجاء الجداوي، وعمر الحريري، وسوسن بدر بأهمية الرحلة دعمًا للنور في مواجهة الظلام.
فيما بعد، سمعت من رجاء الجداوي أن ابنتها أميرة أغلقت الباب وأخفت المفتاح يوم السفر وكاد القطار يفوتها، لولا تدخل زوجها حسن مختار.
وحاولت ميريت بنت عمر الحريري أن تسافر معه لتطمئن عليه كل لحظة، لكنه نام خارج البيت ليلة السفر هربًا منها، ووضعت إيمان، زوجة مصطفى متولي وشقيقة عادل إمام، كل الآيات المنجيات في ثيابه التي سيرتديها على المسرح.
-الصحافة وتغطية خاصة لمغامرة أسيوط
في الوقت نفسه، أُعلنت حالة الطوارئ في الصحف لتغطية الحدث، ففي مجلة "صباح الخير" مثلًا، كلف رئيس تحريرها لويس جريس، الفنان الصحفي هبة عنايت بقيادة مجموعة من الصحفيين الرسميين لرصد كل كبيرة وصغيرة تحدث في أسيوط، لنشر عدد خاص عن "المغامرة المخاطرة".
-استقبال تاريخي للزعيم في محطة أسيوط
على حد تعبيره، فطوال ساعات السفر، التي تصل إلى 5 ساعات، لم يكف عادل إمام عن الحديث إلى الصحفيين إلا عند وقوف القطار في محطة من المحطات في طريقه، حيث كان يقف لتحية حشود من البشر تقف تنتظره، وهو ما أشعره بنشوة غير مسبوقة لم يكن ليتوقعها، وهو ما خفف التوتر المكتوم الذي كان يخفيه بتبادل القفشات مع من حوله، لكن النشوة التي فاقت كل مشاعره، عندما وجد جماهير غفيرة تنتظره على محطة أسيوط، ويمكن القول إن المحطة تحولت إلى كتلة بشرية.
أحاط الأمن بعربة القطار، وراح يخرج مَن فيها واحدًا بعد الآخر، وفُرض على عادل إمام أن يكون آخر من يغادرها.
فوجئ عادل إمام بجماهير تحتل كل شبر في المحطة، وما إن خرج إليها حتى أصبحت طوفانًا يقترب منه مهددًا كوردون الأمن.
لم يصدق نفسه، ولمعت الدموع في عينيه وراح يرد التحية متجاوزًا نصائح كبار الضباط بالدخول إلى عربة القطار من جديد في اليوم التالي، عُرضت المسرحية أيضًا، ولكن بعد إسدال الستار اختفى عادل إمام وعاد سرًا إلى القاهرة.
-غاية عادل إمام من المغامرة: دفاع عن النفس والأسرة والضمير
في اليوم التالي، نشرَتْ أكثر من صحيفة أنه نجا من محاولة اغتيال، لكن فيما بعد وكما يؤكدة حمودة في كتابه، سمعت من الوزير أن الخبر كان تسريبًا متعمدًا للإيحاء بقوة الداخلية.
وقال عادل إمام: "قررت الذهاب دفاعًا عن فني ونفسي وأسرتي، ووطني وصورتي أمام أولادي.. أردت أن أثبت لهم أن الطعام الذي يأكلونه والتعليم الذي يتلقونه ليس من مال حرام".