آراء نجيب محفوظ في الوفد والسينما والحياة - بوابة الشروق
الخميس 16 أكتوبر 2025 7:46 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

آراء نجيب محفوظ في الوفد والسينما والحياة


نشر في: الجمعة 17 ديسمبر 2021 - 9:57 م | آخر تحديث: الجمعة 17 ديسمبر 2021 - 9:57 م

نجيب محفوظ رفض بإصرار أن يكتب سيرته الذاتية. لكن نجح الناقد الكبير «رجاء النقاش» فى إقناعه بأن يحكيها له بدلاً من كتابتها.

وعلى مرّ 18 شهرًا من أغسطس 1991 روى محفوظ سيرة حياته للنقّاش مسلّطًا الضوء على جوانب عديدة من شخصيته كان أغلبها بمثابة مفاجآت لقرائه ومحبيه.

وفي السطور التالية يدلى الكاتب الكبير برأيه فى كل صغيرة وكبيرة عن الأدب والسينما والسياسة فى مصر. كما يدلى بآراء صريحة في النساء ونهاية الوفد والكتابة الساخرة والسينما.

نهاية الوفد

وكان الوفديون فى وزارة الأوقاف يعتبرونني من الأحرار الدستوريين بسبب صلتى بالشىخ مصطفى عبدالرازق، بينما أنا وفدى، وعملت مع «الشىخ سىد زهران» بسعادة بالغة، ولكن كم كنت أتمنى البقاء فى المكتبة هناك فى «قبة الغورى» حىث قرأت الروائى العظىم بروست.

كان ذلك فى فترة وزارة الوفد بىن 0591 و2591. و«الشىخ سيد زهران» الذى عملت معه كان ىمت بصلة نسب للنحاس باشا، فشقىق الشىخ سىد كان متزوجًا من بنت شقىق النحاس. وقال لى «الشيخ سىد زهران» يوم أن ألغى النحاس المعاهدة:«الوفد انتهى». كان النحاس بعد المعاهدة صديقًا للديمقراطية ولم يكن التفاهم بينه وبين الإنجلىز عسيرًا، وبإلغائه للمعاهدة وضعه الإنجليز فى سلة واحدة مع الملك فاروق، هذه كانت وجهة نظر الشىخ زهران.

والشيخ زهران كان رجلاً كبيرًا وصاحب خبرة ويعىش فى الأجواء السىاسىة، ومن هنا أصدر حكمه بانتهاء الوفد. أوجدت المعاهدة عند توقيعها سنة 6391 نوعًا من الصداقة بىن الإنجليز والوفد، فانقطعت هذه الصداقة بإلغاء المعاهدة، والملك لا يريد الوفد، والشعب سلبى، ومن هنا فإن استنتاج الشيخ زهران كان قائمًا على قراءة دقىقة للواقع الحى، ولكن الواقع السىاسى لم ىكن متفقًا مع رؤىة الشىخ زهران، فقد ظن الوفدىون أنهم الرابحون بمعاهدة 6391 ولكن اتضح أن الرابح الوحىد هو الملك فاروق، فلم ىحكم الوفدىون بعدها إلا فى وزارة الحرب «2491 ـ 4491» ثم فى الوزارة الأخىرة (05 ـ 2591). أى أنهم لم ىكونوا فى السلطة أغلب سنوات ما بعد المعاهدة.

==
الوفد والتخلص من الملكية
«الوفد» كان سببًا فى زوال الملكية من مصر بطريق غىر مباشر، فقد كان من بىن بنود معاهدة 6391 التى وقعتها حكومة الوفد برئاسة النحاس باشا، زىادة حجم الجىش، فدخل الكلىة الحربىة عناصر جدىدة من أبناء الطبقة المتوسطة، وكان ضمن أول دفعة التحقت بالكلىة بعد المعاهدة عدد كبىر من الضباط الأحرار الذىن خططوا للثورة ونفذوها . أى أن حزب الوفد جاء بمن أنهى عهد الملكىة وقضى على الحىاة الحزبىة التى كان «الوفد» فارسها الأول.
==

النساء
المغرمون بالنساء دائمًا تجدهم يتميزون باللطف وحسن الحديث والقدرة على الغزل.

==
الكتابة الساخرة
الأسلوب الساخر والحس الفكاهى ىمكن أن ىصل تأثىرهما وسحرهما إلى مرتبة الجنس، بل إن السخرىة ىمكن أن ىكون تأثىرها أقوى وأشمل.
==

السينما
راودنى أمل كبير عندما بدأت الكتابة للسىنما فى أن ىصبح هذا المجال امتدادًا لحىاتى الفنية، وقلت لنفسى إن الكتابة للسىنما تتضمن عناصر مشابهة إلى حد كبير للعناصر التى ىقوم علىها بناء الرواية من خيال وحبكة وشخصىات وصراع... إلخ، فلماذا لا تكثف عملك فى هذا المجال وتعطىه مزىدًا من الاهتمام، مادام هو قرىبًا من الأدب؟

وبعد فترة اكتشفت استحالة الاستمرار فى هذا المىدان، فقد وجدت أن عملىة الكتابة للسىنما تقوم على جهد جماعى، وأننى لست حر التصرف مثلما هو الحال فى الرواية. فهناك قيود كثىرة تكبل حركتك ولا تعطىك الفرصة لأن تكتب ما ترىد، هناك شروط المنتج والموزع الخارجى والمخرج، بالإضافة إلى الشرط الأهم وهو الجمهور ومطالبه ورغباته التى ىنبغى أن تراعى مهما كانت النتائج. وجدت أن تلك الضغوط الخارجىة مزعجة، ولا أستطىع الاستمرار فى ظلها، وفى أول فرصة للانسحاب من مجال الكتابة للسىنما انسحبت غير آسف على ذلك، وبعد أن اكتشفت تلك القيود فى بداية عملى بالسينما، وضاع الأمل الذى راودنى فى لحظة من اللحظات، تحولت نظرتى لهذا العمل على أنه مجرد حرفة أو صنعة لزيادة دخلى المالى فحسب، بدليل أننى كتبت اثنى عشر عملا للسىنما ولم أنشرها فى كتاب أو أحتفظ بأصولها، بل لا أتذكر حتى أسماءها. تحولت المسألة عندى إلى حرفة، وتحولت أنا إلى «صناىعى» أو «حرفى» أعمل ما ىطلبه منى الآخرون، وأستجىب لرغبات صاحب العمل الذى هو المنتج، وهو فى أغلب الأحىان ىحمل عقلىة التاجر، بما فىها من نظرة مادىة واقعىة هدفها الربح أولاً وقبل كل شىء.

والحقىقة أن كلمة «الإنتاج السينمائى» التى تحمل معنى ماديا عندنا تجدها تحمل معنى مغايرًا فى السىنما العالمىة، فمعناها هناك أقرب إلى الفن والتذوق، ولذلك تجد فى السىنما العالمية أعمالاً رفىعة من الناحىة الفنىة وهى أىضًا ناجحة تجارىًا، وحتى فى التجارب الجدىدة التى لا ىتوقع أحد أن ىقبل علىها الجمهور، تجد أن هناك جمعىات فنية تدعمها وتقف وراءها.

وعندما توليت مسئولية مؤسسة دعم السىنما حاولت تقدىم أكبر دعم للأعمال الرفيعة، وفى فترة رئاستى لها أنتجنا عددًا من الأعمال الجيدة على رأسها فيلم «المومياء»، الذى ما كان ليرى النور لولا دعم المؤسسة، فقد عرض علىّ الدكتور ثروت عكاشة سىنارىو «المومياء» طالبًا إبداء الرأى فى مسألة إنتاجه، وعندما قرأته وجدت فيه عملاً رائعًا ىجب أن ينفذ فورًا، وحدث ما توقعت، حىث حقق نجاحًا فنيا هائلاً، ولكنه أخفق جماهيريا.
وإلى جانب فىلم «المومياء» قدمنا عددًا من الأعمال السينمائية المتميزة ومنها: «الأيدى الناعمة» و«الناصر صلاح الدىن». وإن كان هذا لا يسلب القطاع الخاص السينمائى دوره فى إنتاج أعمال جيدة ومتميزة فنيا فى نفس الفترة، لكن عددها قلىل مقارنة بمجموع الأفلام المنتجة عن طريق مؤسسة دعم السىنما.

==
الحشيش
وفى رأيى أن مساواة الحشيش بالمواد المخدرة الأخرى التى انتشرت مؤخرًا مثل «الهيروين» ليس بمنطقى، لأن «الهيروين» من المواد التى تدمر الجسم وتقضى على عقول الشباب.

وربما كان سيد درويش من أوائل الذين تنبهوا إلى هذا الفارق، فعندما لحن أغنية عن «الكوكايين» هاجمه بشدة وحذر من خطورته، وأذكر أن عددًا من كبار الكتّاب السياسيين مثل عباس محمود العقاد، شنوا حملة شديدة على تعاطى «الكوكايين»، عندما بدأ فى الانتشار فى فترة ما بين الحربين العالميتين.

وعندما غنى سيد درويش للحشيش فى أغنيته المعروفة عن «الحشاشين» لم يهاجمه أحد، وكانت كلمات هذه الأغنية فيها نوع من البهجة والسخرية، ولا يقف سيد درويش ضد الحشيش إلا عند الشدائد والأزمات الوطنية. وأقول هنا إنه يجب إعادة النظر فى العقوبة الخاصة بالحشيش، فربما تؤدى إلى التخفيف من خطر المخدرات وصنوف الإدمان الرهيبة الأخرى.

وعن طريق صديقى «الشماع» الذى كان يعمل فى الغورية، عرفت «الحشيش»، وفى ذلك الوقت، كان تدخين الحشيش يتم بصورة علنية فى المقاهى كما أشرت. حتى أننى أذكر أن «الشماع » كان يجلس فى مقهى «على يوسف»، وينتظر حتى يأتى «عسكرى الدرك» الموجود فى الشارع حتى يشرب معه «التعميرة»!.

وفى اعتقادى الشخصى أن الأوضاع السيئة التى عاشها الشعب المصرى، وما تعرض له من ظلم وقهر، كانت سببًا أساسيًا فى إقباله على «الحشيش». لأنه وجد فيه نوعًا من المسكِّن لآلامه وأوجاعه، يخفف عنه ولو لساعات، ما يمر به من هموم وأزمات، حتى أصبح تدخينه بالنسبة لهم عادة شعبية مثل شرب الشاى والقهوة. وأكاد أقول إنه ما من مصرى من أولاد البلد إلا ويحمل صفة «حشّاش»، إلا إذا كانت هناك ظروف قهرية منعته، حتى أن غير القادر منهم تجده على استعداد لأن يخدم فى «الغرزة» مقابل «نفَسين»!!.

كان الحشيش للشعب المصرى نعم الصديق، لأنه خفف عن الناس المرارة التى يعيشونها فى نهارهم، وكان بمثابة المسكِّن للأوجاع فى الليل. وساعد على انتشار الحشيش بين جماهير الشعب خاصة الطبقات الفقيرة، أنهم لا ينظرون إليه نظرة التحريم الدينى التى يرونها فى الخمر. فالإنسان المصرى لديه استعداد لأن يدخن الحشيش ولكنه لا يتناول البيرة مثلاً، رغم أنها أخف أنواع الخمور، وذلك لاعتقاده أنه لا يوجد نص دينى قاطع يحرّم الحشيش بالتحديد.

وترتبط بالحشيش ظاهرة ميزت الشعب المصرى وجعلته يشتهر بها بين أمم الأرض وهى النكتة. فالثروة الكبيرة من «النكت» مرتبطة بالحشاشين، والنكتة هى الفن الوحيد فى مصر الذى ليس له مؤلف محدد، لأن تأليفها يأتى جماعيًا، وغالبًا ما يأتى فى «قعدة حشيش»، وحين تنتشر النكتة يهتم الناس بمضمونها، ولا يهتمون أبدًا بمصدرها.

وقد يقال إن فن السخرية والتنكيت يولد مع القهر، وفى رأىى أن هذه الظاهرة تكاد تقتصر على الشعب المصرى وحده. فهناك شعوب كثيرة تعرضت للقهر مثل الشعب الروسى، ومع ذلك لا تجد عندهم فن السخرية والتنكيت كما هو الأمر لدينا. وربما يكون هذا راجعًا إلى طبيعة الشعب الروسى الذى يميل إلى الانكماش والعزلة، على عكس الشعب المصرى الذى يميل إلى الانفتاح والمشاركة ومحبة الحياة فى جماعات.

والظاهرة الغريبة فى الشخصية المصرية أن لديها الاستعداد للسخرية والضحك والتنكيت فى عز المآسى والكروب، وطالما سخروا من حكامهم بالأغانى والنكتة، وهذا مرجعه فى رأىى إلى أن الإنسان المصرى لا يميل إلى العنف وتغيير الأوضاع بالقوة، ولا يثور إلا إذا فاض به الكيل، فتكون الثورة حينئذ هى الحل الأخير.
==
نجيب محفوظ ميديكور في المواد الأدبية!!

كنت أنجح بصعوبة فى المواد الأدبية، خاصة الجغرافيا والتارىخ واللغتىن الإنجلىزية والفرنسية، وأحصل بمشقة على «الميديوكر» أو الدرجة المتوسطة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك