إيران من الداخل.. فهمي هويدي يعاين التحول الإيراني من الشاه إلى الخميني - بوابة الشروق
الجمعة 18 يوليه 2025 11:00 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

إيران من الداخل.. فهمي هويدي يعاين التحول الإيراني من الشاه إلى الخميني

محمود عماد
نشر في: الجمعة 18 يوليه 2025 - 7:47 م | آخر تحديث: الجمعة 18 يوليه 2025 - 7:47 م


- الكتاب يكشف أسرار الثورة ونظام ولاية الفقيه وتحديات بقاء الفن والسياسة فى إيران الخمينى
- يرصد صعود الخمينى من رجل دين راديكالى إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية
- «الشيطان الأكبر والأصغر»: كيف شكلت الثورة الإيرانية علاقتها بأمريكا وإسرائيل؟

فتحت المواجهات الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، والتى وصفت بحرب «الـ12 يوما» أسئلة كثيرة أهمها عن ماهية الدولة الإيرانية، وطبيعة نظام الحكم فيها، خاصة بعدما وصلت ذروة الصراع الإيرانى الإسرائيلى بدخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب فى ساعاتها الأخيرة، وفى مثل تلك الأوقات عندما يريد المراقبون تحليل مشهد سياسى ما، أو صراع عسكرى يرجع الجميع إلى الكتب والمراجع، تلك الدراسات التى كتبت فى فهم طبيعة الوضع، وبالنظر لطرح فكرة فهم إيران، والنظام السياسى القائم بها، فعلينا العودة للوراء قليلا، تحديدا إلى عام 1979، أو عام الثورة الإسلامية الإيرانية، وهو أيضا نفس العام الذى ولد فيه نظام الحكم الحالى، وتشكلت فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية على يد زعيم الثورة روح الله الخمينى.

وواحد من أهم الكتب التى صدرت عن هذه الثورة الإسلامية الإيرانية هو كتاب «إيران من الداخل» للكاتب الكبير فهمى هويدى، الصادر عن دار الشروق.
وكتاب «إيران من الداخل» هو محاولة مبكرة لفهم الثورة الإيرانية الإسلامية، والنظام الوليد فى إيران آنذاك، الكتاب صدر للمرة الأولى فى عام 1987 أى قبل مرور العقد الأول على الثورة، بل قبل رحيل زعيمها الخمينى فى عام 1989، وتولى خامنئى الرئيس الإيرانى منصب المرشد قائدا لثورة.
من هذا التاريخ لصدور الكتاب يمكننا القول بالتأكيد أنه من أول إرهاصات ما كتب عن الثورة وإيران ما بعد الشاه، والكتاب هو نتاج مجموعة من الزيارات التى قام بها الأستاذ فهمى هويدى فى أعقاب الثورة إلى إيران، وعن طريق الحوارات التى أجراها مع مسئولين نافذين فى المجتمع الإيرانى الجديد، ليعطينا صورة قريبة من اللحظة الإيرانية قبل الثورة، والتى أدت لإسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوى، ثم قيام النظام الجديد.
الكتاب ليس مجرد نقل حرفى للوقائع، بل هو مزيج من نقل الوقائع، والتحليل الصحفى الممزوج بالتحليل السياسى، وبعض نصوص إجابات الحوارات التى أجراها هويدي، ليكون الكتاب مرجعا مختلفا، أقرب لشهادة حية من مراقب جيد للأحداث.
فى ثلاثة عشر فصلا يقدم هويدى رؤيته عن إيران والثورة، ويبدأ بقائد الثورة روح الله الخمينى، الذى يفرد له صفحات واسعة فى الكتاب لفهم كيف صعد الخمينى من رجل دين راديكالى إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، هنا نرى عودة للوراء لتاريخ الخمينى الأول حتى صدامه مع الشاه كزعيم للمعارضة فى الستينيات، والتى بدأ الطابع الإسلامى يطغى عليها بقوة.
أيضا يقربنا هويدى من فهم عقل وتفكير الخمينى، وكيف يفكر فى السياسة وأمور الحكم، وذلك عن طريق وضع أجزاء من بعض خطبه، وبعض أفكاره داخل صفحات الكتاب، والتى تقربنا من فهم قائد الثورة.
كما يحاول الكتاب تفكيك نظام ولاية الفقيه الذى أسسه الخمينى ودعا إليه، وهنا يعود بنا هويدى إلى الوراء فى تاريخ إيران منذ إعلان مذهبها الشيعى فى البلاد أيام الدولة الصفوية مرورا بالوصول إلى دستور عام 1906، والذى احتفظ بصبغته الدينية للبلاد.
يؤكد هويدى فى الكتاب أن الخمينى لم تتبلور فى عقله فكرة ولاية الفقيه بالشكل المطلوب لأنه بشكل أو بآخر لم يتوقع نجاح الثورة فى حياته، التى كانت جاوزت السنوات منتصف عقده السابع، وكان منفيا قبل قيامها بسنوات.
يشرح الكتاب أيضا صعود الثورة الإسلامية الإيرانية إلى السلطة، ونجاحها فى التغلب على الشاه، يشرح الكتاب لنا ويوثق كيف تسلمت الثورة الحكم، ويوضح لنا المصاعب التى واجهتها فى دخول الفقهاء ورجال الدين المعترك السياسى، ويلقى الضوء على ذلك الصراع بين اليسار والماركسيين والليبراليين، وبين الثورة، والذى ظل يتصاعد حتى عام 1982، والذى أعلن فيه مكتب الإمام مقتل 60% من رجال الثورة، وخاصة الصف الأول، فيما أعلنت قيادة المعارضة المسلحة «مسعود رجوى» أنها قتلت نحو 80% من رجال الثورة.
بحلول عام 1983 كان ذلك الفصل الدامى من رحلة الثورة قد أسدل الستار عليه، ولكنه خلف مشاكل جوهرية فى بنية النظام الثورى، وهو أنه ضرب الصف الأمامى من رجال الإمام، وقضى على معظم الكفاءات القيادية، وهذا أدى إلى عودة صراع مؤجل فى قلب نظام الثورة نفسه، وهو الصراع بين الثوريين والإصلاحيين فى قلب الثورة نفسها من المعسكر الإسلامى، والذى أؤجل فى ظل صراع بقاء وتهديد خارجى لوجود الثورة، وظل قائما بعد ذلك فترة طويلة.
ويقربنا الكتاب من الشارع الإيرانى حيث لا يخفى على أحد التأييد الشعبى الجارف لثورة الإسلامية الإيرانية، ولزعيمها روح الله الخمينى، والتى كانت من أهم أسباب نجاح الثورة، وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
يلقى هويدى نظرة على حال المجتمع والفرد الإيرانى بعد نجاح الثورة، وعن طريق أمر شديد الحساسية لدى المعسكر الإسلامى، وهو الفن، التليفزيون، السينما، الأدب النشر، والفنون بشكل عام، لم تمنع الثورة الفن بشكل كامل، ولكنها وضعت ضوابط صارمة على صناعة الفن تتفق مع مبادئها الدينية الراديكالية، وأرادت أيضا الاستفادة من الإعلام والفنون فى توصيل سرديتها إلى العالم فيما عرف بتصدير الثورة.
تحظى علاقة النظام الإسلامى الإيرانى بالفلسطينيين بتحليل مستفيض فى الكتاب، وهى تلك العلاقة التى من الممكن أن نفهم منها الموقف الإيرانى الحالى، وعلاقة النظام القائم بالولايات المتحدة الأمريكية، وبإسرائيل، وبمحور المقاومة الذى أنشئ فيما بعد.
يفند هويدى علاقة الثورة بمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، قبل أن تصبح سلطة، ونشهد معه التقارب الكبير بين الثورة وحركة فتح فى علاقة مركبة أراد الطرفان أن يستفيدا منها أقصى استفادة، ورغم ما يوضحه هويدى من عدم تقارب منظمة التحرير مع المعسكر الإسلامى قبل نجاح الثورة، بل عدم وقوف المنظمة وزعيمها ياسر عرفات معه فى معركة وجودها مع اليساريين والماركسيين والليبراليين، الذى كانت تميل لهم حركة فتح.
ورغم كل ذلك حاولت المنظمة اللعب بورقة الثورة، والارتماء فى أحضان النظام الإيرانى الجديد لعله يكون ورقة ضغط فى وجه إسرائيل الذى أعلن النظام عدائه التام معها منذ اليوم الأول، ومع الولايات المتحدة الأمريكية، واصفا أمريكا بالشيطان الأكبر، وإسرائيل بالشيطان الأصغر، ويبدو أن هذا ما تكرر بعد سنوات، فما لم تنجح فيه حركة فتح حاولت فعله بعدها حركة حماس المعروفة بتوجهها الإسلامى المشابه لتوجه الثورة الإيرانية حتى ولو كان توجها سنيا.
ويبدو أن التباعد فى الأيديولوجيات والأفكار، وطريقة التحرك الفلسطينى فى قضيته أدى إلى فرقة كبيرة بين الثورة والمنظمة يوضحها هويدى، وتعمقت فى الحرب الإيرانية العراقية التى أخذت كل الإهتمام الإيراني، والتى انحازت فيها المنظمة مع العراق باعتبارها عربية أكثر أو هكذا رأى النظام الإيرانى، فكانت تلك الحرب هى القشة التى قسمت ظهر البعير فى العلاقات بين المنظمة والثورة.
«إيران من الداخل» هو مرجع تأريخى هام لفهم نشأة نظام واحدة من الدولة اللاعبة بقوة فى منطقة الشرق الأوسط التى تموج بالأزمات، ويعد وثيقة تاريخية نادرة، كتبها كاتب عربى ذهب إلى قلب الحدث، فى وقت كانت فيه الصورة ضبابية ومشحونة بالخوف وسوء الفهم.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك