تحتضن مدينة القاهرة تراثا ثريًا ومتنوعا يقف شاهدا وموثقا لأحداث تاريخ، وشخصيات مرت على مصر في حقب مختلفة من تاريخها الممتدد.
ولا يقتصر تاريخ القاهرة على مساجدها التاريخية ومآذنها الشامخة أو القصور المنيفة؛ ففي مقابرها وجباناتها كنوزا مخفية لم يرها ولم يوثقها الكثير من قبل.
ووثق الدكتور مصطفى الصادق، أستاذ الطب المتفرغ بقصر العيني والمهتم بالتاريخ والتراث، جولاته بجبانات مقابر القاهرة التي أمضى بها سنوات عديدة، وجمع مادة ثرية من صور المقابر التاريخية، وصدرت أواخر يناير الماضي في كتاب: "كنوز مقابر مصر.. عجائب الأمور في شواهد القبور"، عن دار ديوان للنشر.
وتشارك "الشروق"، قراءها رحلة التعرف على الكنوز المخفية لجبانات ومقابر القاهرة من خلال حلقات مسلسلة تحت عنوان "شواهد القبور"، ما يمنحهم زاوية جديدة لإعادة قراءة تاريخ مصر وأحداثه وشخصياته:
الحلقة العاشرة:
نواصل حلقاتنا مع شاهد قبر لشخصية كان لها دور كبير في العمل الخيري ،وهي عائشة صديقة هانم التي وهبت كثير من مالها لخدمة الطلاب وإنشاء المساجد والمستشفيات وملاجئ الفتيات والأيتام.
* إنفاق على طلبة الأزهر
لا توجد معلومات كثيرة عن عائشة صديقة هانم سوى أنها حرم صالح فريد باشا، وأن لديها عدة أوقاف بالمدينة المنورة، منها ٢٥ فدانًا بمنطقة العنبرية، كما كانت لها أوقاف خيرية موقوفة على طلبة الأروقة وعلى علماء الأزهر الشريف، وفقًا لما ورد بكتاب "الأزهر وما حوله من الآثار" للكاتب عبد الرحمن زكي والصادر عن الهيئة العامة للكتاب.
كانت لها أيضًا أوقاف على البعثات العلمية، وقد اشترطت في وقفيتها سنة 1909أن تُصرف 200 جنيهًا سنويا لتعليم تلميذين مسلمين بأوروبا.
* شاهد قبرها
توفيت عائشة صديقة هانم في يوم 24 ذي الحجة سنة 1327هـ الموافق 6 يناير سنة 1910، ودفنت في مدفنها بالإمام الشافعي الذي يضم تركيبة واحدة بتصميم فريد غير مألوف غاية في الروعة.
ويعلو الشاهد تاج غاية في الروعة، يتوسطه شعار مصر؛ الهلال والنجمة الخماسية، تليه البسملة «بسم الله الرحمن الرحيم بالخط الكوفي المربع، ثم تليها الشهادتان وسورة الإخلاص، ثم الآيات الثلاث الأخيرة من سورة الصافات بخط الثلث المركب، وتُقرأ كما يلي:
"لا اله الا الله
محمد رسول الله
قل هو الله أحد الله الصمد
لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين"
أما الشاهد الذي يحمل اسمها وتاريخ وفاتها وبعض أعمالها بالخط الفارسي الجميل، ثم الختام« بذكر لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» بخط الثلث، وتُقرأ كما يلي:
"توفيت لرحمة الله تعالى الساكنة في هذا القبر المحسنة الكبيرة
عائشةصديقة هانم في فجر يوم الخميس 24 ذي الحجة سنة 1327الموافق 6يناير سنة 1910
وكانت رحمها الله في حياتها محبة للخير وقد تركت من بعدها أوقافا
لإنشاء جامع ومستشفى ومدرسة وكتبخانة وملجأ للبنات ومنازل للفقراء، ولاصلاح
طريق القرافة وعين زبيدة وتزويج البنات الفقيرات ودفن العلماء".
اقرأ أيضا: شواهد القبور (9).. ألماس فوزي: مؤسس المدرسة العثمانية