في الوقت الذي تتزايد فيه حوادث التحرش والعنف والانتهاكات ضد الأطفال محليا وعالميا، تبرز مسئولية الإعلام كأحد أهم خطوط الدفاع لحماية الضحايا وصون حقوقهم؛ لأن تغطية هذا النوع من الحوادث ليست مجرد نقل خبر، بل عملية دقيقة تحكمها معايير مهنية صارمة، وتعرف في العالم باسم "الكود الإعلامي" أو "مدونات السلوك للتغطية الأخلاقية"، هذه الأكواد تحدد ما يجوز وما لا يجوز نشره، وكيف يمكن للإعلام أن يروي القصة دون أن يتحول إلى شريك في إيذاء الطفل بما ينشره.
وفي هذا الشأن، يؤكد الدكتور حسام النحاس، أستاذ الإعلام في جامعة بنها والخبير الإعلامي، في تصريحات خاصة لـ "الشروق"، أن تغطية القضايا المتعلقة بالأطفال، سواء حوادث أو اعتداءات أو تحرش، تخضع لمجموعة صارمة من الضوابط والأكواد الإعلامية العالمية، ومعظمها متوافق في المضمون والمبادئ، خاصةً فيما يتعلق بحماية هوية الطفل ومنع أي انتهاك لخصوصيته.
وأضاف، أن نشر أي بيانات أو معلومات يمكن أن تؤدي إلى التعرف على الأطفال أو أسرهم يعد جريمة أخلاقية قبل أن يكون مخالفة مهنية، موضحا أن الأكواد العالمية ومواثيق الشرف الصحفي تحظر تماما نشر أسماء الأطفال وصورهم، أو أي تفاصيل شخصية قد ترتبط بهم مستقبلا، لما قد يسببه ذلك من وصمة اجتماعية ومعاناة نفسية رغم كونهم ضحايا لا ذنب لهم.
حظر كامل للصور والبيانات الشخصية
يشدد الخبير الإعلامي، على أنه لا يجوز على الإطلاق نشر صور الضحايا، أو محاولة إجراء مقابلات معهم أو مع أسرهم، أو نشر وثائق ومستندات تخص القضية؛ لأن أي معلومة مهما بدت بسيطة قد تكشف هوية الطفل أو تؤثر على مستقبله.
ويشير إلى أن الأكواد التي أصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر تعد جزءً من المنظومة العالمية نفسها، وتلزم المؤسسات الصحفية والإعلامية باتباعها بشكل صارم، باعتبار أن أي خطأ قد يتسبب في التأثير على سير التحقيقات أو كشف بيانات سرية.
النشر من واقع بيانات رسمية فقط
يؤكد النحاس، أن دور الإعلام مهم في الكشف عن القضايا في بدايتها، لكن بمجرد انتقال التحقيقات إلى النيابة العامة يصبح النشر مقيدا بما يصدر عنها فقط، موضحا أن النيابة العامة تمتلك منصة حديثة عبر وسائل التواصل تصدر من خلالها البيانات الرسمية المعتمدة، يمكن الاعتماد عليها كمصدر في هذا النوع من القضايا.
ويوضح، أن الالتزام بهذه القاعدة ضروري لمنع نشر الشائعات أو تضخيم الوقائع أو إثارة الذعر بين أولياء الأمور، مؤكدا أن بعض تفاصيل هذه القضايا قد تكون صادمة ولا يجوز تقديمها على أنها ظاهرة عامة، لأنها غالبًا حالات فردية لا يجوز تعميمها.
أولوية عالمية
يقول النحاس، إن أول هدف لوسائل الإعلام العالمية عند تغطية هذا النوع من القضايا هو الحفاظ على الخصوصية والحالة النفسية للأطفال وأسرهم، وهو ما يعد أحد أعمدة الأكواد المهنية، مشيرا إلى أن تلك المبادئ تمثل توافقا دوليا بين مدونات السلوك الإعلامي ومواثيق الشرف.
السوشيال ميديا
أعرب الخبير الإعلامي، عن قلقه من أن منصات التواصل الاجتماعي لا تخضع للأكواد المهنية، وتستغل مثل هذه القضايا لتحقيق الترند والمشاهدات، ما يجعلها مصدرا لتداول الأخبار الكاذبة والمعلومات غير الدقيقة؛ لذا يطالب الجهات المختصة بالتدخل المبكر فور نشر أي حساب أو صفحة معلومات قد تؤثر على التحقيق، من خلال إحالة المسئولين للتحقيق وحجب المحتوى المخالف، لأن ترك المعلومات المضللة ينتشر يصنع رأي عام إلكتروني قد يبتعد تماما عن الحقائق.
اختتم النحاس، تصريحاته بطلب ورجاء للنائب العام من أجل ضرورة صدور قرار بحظر النشر في هذا النوع من القضايا، خاصةً عندما تضم القضية عددا من الأطفال وقد تتكشف تفاصيل جديدة مع تطور التحقيقات، قبل أن يوضح أن حظر النشر يحافظ على سرية البيانات ويحمي الأطفال من التعرض لأي أذى نفسي أو اجتماعي لاحق، خصوصا أن هوياتهم حتي لو لم تكن معروفة للعامة فإنها علي الأقل قد تكون معروفة داخل المدرسة أو محيط السكن، مؤكدا أن قصر النشر على البيانات الرسمية الصادرة عن النيابة العامة فقط يحفظ السلم الاجتماعي ويحمي المجتمع من المعلومات المغلوطة.