• قليلون من يستحقون لقب موسيقار.. ومحمد عبدالوهاب كان يرى أبى واحدا من هؤلاء
• والدى تعرَّض لهجوم شديد بسبب أغنية «الطشت قالى» وكأنهم «مالاقوش فى الورد عيب»
• على إسماعيل صاحب أكبر رصيد فى الموسيقى التصويرية للأفلام المصرية بلا منافس
• أمى الشاعرة نبيلة قنديل لم تتزوج إسماعيل ياسين.. ولم يتعرف عليها أبى فى كباريه.. وكانت تميمة حظه
«الليله ليلتك ياعم على إسماعيل، مهرجان باسمك، أعمالك هتتعزف، وفرقه البالية المصرى هترقص، وتتمايل على نغماتك، ابسط يا عم، أنا فرحانة، إنى عشت وشفت، أد إيه حبهم لك تستحق يا ابويا».. كانت هذه هى كلمات شجون ابنة الموسيقار الراحل على إسماعيل بيتهوفن مصر، التى عبرت من خلالها عن فرحتها الشديدة بإطلاق مهرجان الموسيقى العربية اسمه على الدورة الـ 31 احتفالا بمئويته، وذلك بعد أيام قليلة من احتفال مهرجان الإسكندرية السينمائى بمئويته أيضا فى دورته الأخيرة.. حالة سعادة كبيرة تعيشها الابنة، وهى ترى الاحتفاء بوالدها ذى القيمة الفنية الكبيرة، الذى تميز فى جميع الألوان الموسيقية من تأليف وتوزيع وتطوير، صاحب أكبر رصيد من الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية، والأغانى الوطنية والعنصر الأهم فى نجاح فرقة رضا للفنون الشعبية، استحق أن تقام من أجله احتفاليات، ويطلق اسمه على المهرجانات الفنية.
وقالت ابنته شجون فى بداية حوارها مع «الشروق»:
تنتابنى مشاعر لا توصف، ولا أجد كلمات تستطيع ترجمة ما أشعر به، تجاه كل هذا الاحتفاء بذكرى والدى، خاصة أننى لم أسع لأتحدث مع أحد، أو أطلب من أحد تكريمه، أو حتى بادرت وكتبت عبر حسابى الخاص على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، فهذا ما تعلمته فى منزل أبى، فطالما لم يسع للشهرة، ولم يجر وراءها، وكان قليل الظهور، كل ما كان يريده ويسعى إليه هو العمل، العمل فقط، أن يسمع الناس موسيقاه، ويتمتعوا بفنه، وعليه كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لى أن الناس لا تزال تتذكره، وتفكر فيه وفى أعماله.
• هل صحيح أنكِ ترين أن والدك من القلائل فى مصر الذين يستحقون لقب موسيقار؟
ــ لست وحدى الذى أرى هذا، وكل من يفهم فى الموسيقى يعلم جيدا، أنه لا يمكن مقارنة والدى بملحنين آخرين أمثال بليغ حمدى ومحمد الموجى، فوالدى لم يكن ملحنا عاديا، ولكنه كان مطور موسيقى، وإذا كان سيد درويش هو المطور الأول للموسيقى فى مصر، فيعد على إسماعيل هو المطور والمجدد الثانى، وعليه لا أقبل مقارنة أعماله بأحد، سوى بخالد الذكر وفنان الشعب سيد درويش، فالإثنان يسيران على نفس الدرب، و يتمتعان بنفس الشغف والعشق والتميز.
• قد يتصور البعض أن هذا الكلام محاولة لتقليل من شأن وإنجازات بليغ والموجى وغيرهما من الملحنين الكبار، فما تعليقك؟
ــ أتمنى ألا يحدث هذا، فأنا لا أسعى ولا أقصد التقليل من شأن أحد على الإطلاق، ولا يمكن أن أنكر أن الاثنين من أفضل الملحنين المصريين، وأن لدينا قائمة طويلة من الملحنين الكبار أصحاب البصمات المتميزة فى عالم التلحين، لكن نظرا لأن موهبة أبى أكثر شمولا واتساعا، فلا يمكن مقارنته سوى مع من يسير على دربه، فكلمة موسيقار لا تطلق إلا على فنان متكامل، أى مؤلف موسيقى وملحن ومطور للفنون شعبية، ولا يمكن أن تطلق هكذا على المشاع، أى ليس كل ملحن موسيقار بالضرورة، وللعلم فالموسيقار الكبير الراحل محمد عبدالوهاب كان يرى نفس الشىء، وابنه حكى لى أنه سمع والده قال ذات مرة أن لقب موسيقار لا يطلق إلا على شخص مثل على إسماعيل، رغم أن والدى كان عازفا فى فرقة عبدالوهاب، لكن الله منحه قدرة كبيرة فى التوزيع والتلحين، والابتكار فهو مطور فولكلور وعازف وكاتب نوته ومايسترو، وهناك قامات فنية اخرى تستحق أن نلقبها بلقب «موسيقار» ونضعهم فى قائمة مستقلة بذاتها، مثل محمد فوزى، ومنير مراد، فمثل هذين يقال إنهما سابقان لعصرهما، فكيف يتساويان بغيرهما.
* ما ردك حول تشكيك البعض فى عدد الأفلام التى وضع لها والدك الموسيقى التصويرية، فما هو الرقم الصحيح؟
ــ للأسف هناك بالفعل من يتشكك فى عدد الأفلام التى وضع لها والدى الموسيقى التصويرية، لأنه رقم كبير للغاية، يقدر بنحو 350 فيلما، وهذا نتيجة مواصلته العمل ليل نهار، فأبى كان عاشقا للموسيقى، وكل المحيطين به كانوا يدركون حقيقة مهمة، إنه لن يعيش طويلا، خاصة أنه لا يحصل على راحة، وهو ما حدث بالفعل، فقد رحل عن عالمنا فى سن ال 51 بأزمة قلبية أثناء عمل بروفة لإحدى المسرحيات، ورغم وفاته صغيرا، لكن إنجازاته كبيرة، وكثيرة، ومن يتشكك فى عدد الأفلام التى وضع لها الموسيقى التصويرية، عليه بمراجعة ذاكرة السينما المصرية، ويرصد الأعمال ويبحث بنفسه، وسيكتشف حقيقة ما أقول، وسيكتشف كم كان متميزا فى هذا اللون الموسيقى مقارنة بغيره، وهو أكثر الألوان الموسيقية قربا لقلبه، فلم يكن ينتظر حتى انتهاء المخرج من تصوير المشاهد، بل كان يقرأ السيناريو، ويعيش بداخله، ويحلل الفيلم، ويرى متى يستخدم هذه الآلة، ومتى يستخدم تلك، ويتحول لمشاهد عادى، ويخطط، ويفكر، وكان له تركيبة حرة، فلم يلحن بناء على طلب أى إنسان، وأذكر أن أغنية «رايحين» لم تطلب منه فى فيلم «العصفور»، بل نابعة من تفاعله مع الأحداث، وهى واحدة من أعظم الأغانى الوطنية الجميلة، وبها حشد للجيش فى عز «المعمعة» فالفيلم إنتاج 1972.
* رغم قائمة الإنجازات التى حققها الراحل على إسماعيل واستحق عنها لقب «بيتهوفن مصر» إلا أن هناك من حاول التقليل منه بالترويج انه مؤلف «الطيشت قالى» فكيف تعامل مع هذا الأمر؟
ــ هؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل «مالاقوش فى الورد عيب، قالوا أحمر الخدين»، فهذه الأغنية التى تعامل معها كثيرون باعتبارها من أغانى الفولكلور، وهى ليست كذلك، لها قصة كبيرة، فحينما وقعت النكسة، أصيب والدى بحالة إحباط شديدة، وتعرض لأزمة قلبية عنيفة، وفى هذا الوقت، كان يتم التحضير لفيلم «ثرثرة فوق النيل» وكان المخرج حسن الإمام يحضر لمشهد لاحمد رمزى يتضمن أغنية هزلية، فوالدى أراد أن يقدم أغنية تحمل إسقاطا لما يحدث بالشارع المصرى بسبب النكسة، فكانت أغنية «الطشت قالى» والتى تم الترويج لها قبل طرح الفيلم بدور العرض، ومن هنا اعتبرها البعض سقطة فى مشواره، وغضوا النظر عن السياق الذى جاءت فيه الأغنية، وتناسوا كل شيء ومسكوا فى «الطشت»، لكن لم يؤثر هذا فى مشوار أبى بشىء.
* ولكن هل كان يشعر أنه مقدر، أم أنه كان يرى أن إنجازاته غير ملموسة؟
ــ والدى طوال حياته كان يشعر بأنه مقدر فى بلده، ورغم أنه لم يكن يهتم بالتكريمات لا من قريب أو بعيد، وطوال حياته لم يسع للظهور الإعلامى، لكن نال تكريمات عديدة وأوسمة من دول عربية، ومن رؤساء مصر سواء جمال عبدالناصر او محمد أنور السادات، وعُرض على والدى أن يهاجر مصر ويعيش فى فرنسا، يشرف فيها على إحدى الاكاديميات الموسيقية الكبرى هناك، لكنه رفض، لأنه عاشق لمصر وترابها، كان يرى فى كل شىء بمصر قطعة موسيقية، فهو ابن الحلمية الذى ظل مرتبطا بها حتى آخر لحظة فى حياته، وأتذكر كيف كان يصطحبنى معه لزيارة المتبقى من الأقارب هناك، وكان يتعمد أن يتجول على قدميه شوارع الحلمية وحارة المناصرة، وأذكر جيدا كيف ألف قطعة موسيقية رائعة حينما سمع بائع العرقسوس بالشارع، فكما ذكرت كان والدى يرى فى كل شيء من حوله معزوفة موسيقية؟
* برأيك كيف كان سيتعامل والدك مع أغانى المهرجانات إذا كان لا يزال على قيد الحياة؟
ــ كان سيفعل ما اعتاد عليه، فلكل فترة زمنية تظهر لنا شوية أغانى تهريج، ورغم أننى لا استطيع أن أقل أن ما قدمه لنا أحمد عدوية تهريج، لكنه كان كذلك فى وقته، وتعرضت أغانيه لانتقادات شديدة أشبه بالهجوم الكبير الذى تتعرض له أغانى المهرجانات حاليا، فماذا فعل أبى حينها، وضع الموسيقى التصويرية لفيلم العصفور، والأرض، وقدم اعمالا رائعة، إيمانا منه أنه اذا كان هناك من «يبعزق» الذوق العام فهناك من لديه القدرة على «لملمة» هذه البعزقة، بكل موهبة وشياكة، وبدون تطاول ومحاربة أى لون غنائى، بل كان يؤمن بنظرية الصالح يطرد الطالح، وللجمهور الحق فى الاختيار.
* ونحن نحتفل بمئوية على إسماعيل لا يمكن أن نغفل دور شريكته فى النجاح نبيلة قنديل، فكيف تصفين هذا الثنائى الفنى؟
ــ أمى هى الطرف المظلوم فى هذه المعادلة، فهى شريكة والدى فى كل نجاحاته، وهى الشاعرة الوحيدة التى وقفت ندا بند لشعراء «غيلان» أمثال مأمون الشناوى وغيره، لكنها الأنثى استطاعت أن تثبت وجودها وان تقدم انتاجا غزيرا ومتميزا، فهى مؤلفة أغانى «رايحين شايلين فى ايدينا سلاح»، و«أم البطل»، والاغانى التى غنتها فرقة الثلاثى المرح، وفرقة رضا للفنون الشعبية، واغانى رمضان مثل «اهو جيه يا ولاد»، واتمنى أن يتم الاحتفال بها كما ينبغى، خاصة أن كل ما أقرأه عنها على مواقع الإنترنت شائعات كاذبة، فتارة يقال إنها تزوجت من إسماعيل ياسين، وتارة يدَّعون أن والدى تعرف عليها فى أحد الكباريهات، أى لا يكفيهم الظلم الذى تتعرض له حتى بعد وفاتها، ولكن يطلقون عليها شائعات كاذبة، لكن كل من عاصر أبى وأمى يعرف أنها كانت تميمة حظة، وشريكه الحقيقى فى كل النجاح الذى حققه.