الازدواجية القاتلة - كيف منح الغرب صك الغفران لجرائم الحرب الإسرائيلية؟ تقرير تحليلي - بوابة الشروق
السبت 27 يوليه 2024 9:10 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الازدواجية القاتلة - كيف منح الغرب صك الغفران لجرائم الحرب الإسرائيلية؟ تقرير تحليلي

الشيماء أحمد فاروق:
نشر في: الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 1:36 م | آخر تحديث: الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 1:45 م

"الشروق" تبحث في ألفاظ ودلالات الخطابات الرسمية الغربية لوصف العمليات العسكرية بين حرب أوكرانيا 2022 وحرب غزة 2023

منذ بداية عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة انتقد كثيرون الخطابات الرسمية للمسئولين الحكوميين الغربيين المحليين والدوليين ووصفوها بالمتناقضة، إذا ما قورنت بخطاباتهم خلال الحرب الروسية على أوكرانيا.

وبالبحث وراء هذه الانتقادات لكشف مدى الفجوة بين الخطابات الرسمية في كلا الموقفين، نجد أن العبارة الأكثر استخداماً لوصف الهجوم الروسي (انتهاك لحقوق الإنسان) بينما كان الوصف الأكثر استخداماً لوصف الهجوم الإسرائيلي هو أنه (دفاع عن النفس) في انفصال كامل عن سياق القضية الفلسطينية التي يزيد عمرها على مائة عام.

فمنذ 7 أكتوبر الماضي أصبحت البيانات الرسمية والتصريحات الحكومية العالمية جزءا لا يتجزأ من اهتمامات ملايين المواطنيين حول العالم، لمتابعة الوضع الراهن في فلسطين، حيث نفذت حماس عملية "طوفان الأقصى" واستطاعت من خلالها أسر عدد من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين وتدمير واختراق عدد من المستوطنات على حدود غزة، وكان رد إسرائيل صارخاً بشن عقاب جماعي من خلال عملية "السيوف الحديدية " وقصفها المستمر على القطاع ومحاصرته وقطع إمدادات الماء والدواء والكهرباء والوقود.

كانت في مقدمة مرتكزات تحركات إسرائيل الآمنة على نفسها، وتجرؤها على ارتكاب عدد كبير من جرائم الحرب التي أزهقت أرواح نحو 13 ألف فلسطيني حتي السبت ١٨ نوفمبر وأعادت القطاع عشرات السنين إلى الخلف وقضت على مقوماته ومقدراته، أنها حصلت على دعم كبير وتبرير أفعالها ووصفه بـ "الدفاع عن النفس" من قبل أهم حكومات العالم وأقوى دول الأرض.

اعتمد البحث في الألفاظ المستخدمة ودلالاتها على عدة محددات هي: اختيار العبارات الواردة في البيانات أو التصريحات الرسمية الممثلة للدول الكُبرى، وهم الولايات المتحدة، وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة لممثلي المؤسسات الدولية الفاعلة والرسمية المعبرة عن الرأي الرسمي الغربي، وهم: الرئيس الأمريكي جو بايدن، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولنبيرج، ماريا بيشينوفيتش بوريتش الأمينة العامة لمجلس أوروبا، جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، المستشار الألماني أولاف شولتس، وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وزير الدفاع البريطاني بن والاس، وزير خارجية بريطانيا كليفي الذي صار وزيرا للداخلية مؤخرا، ووزير الخارجية الأمريكي، رئيسة المفوضية الأوروبية، وبيانات كل من منظمة الدول الأمريكية، ومجلس الأمن.

وتركيزاً على تلك الخطابات، أجرينا هذا البحث وفق إطار منهجي يقوم على رصد وتحليل العبارات التي وصفت كلاً من الفعل الروسي والفعل الإسرائيلي في البيانات والتصريحات الرسمية التالية للضربات العسكرية لكلا الدولتين.

أما معيار اختيار العينات فكان قائماً على أن تكون البيانات قد صدرت بعد العمليات العسكرية الأولى لكل من روسيا وإسرائيل، في الفترة : (24 فبراير-9 مارس 2022) و(7 أكتوبر - 20 أكتوبر 2023)، ولم توضع في الاعتبار التصريحات التي صدرت عقب عملية طوفان الأقصى مباشرة، لأن الهدف رصد (ما قيل بعد بداية القصف الإسرائيلي على القطاع).

وارتباطاً بهذه النقطة، سنلاحظ من خلال البحث، أن البيانات/ التصريحات التي صدرت عقب بداية العملية العسكرية الروسية كان أغلبها متزامناً مع الهجوم مباشرة، إما في نفس اليوم أو خلال يومين من العملية، بينما فيما يخص الجانب الإسرائيلي، فقد كانت أغلب البيانات بعد أيام من انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية.

تضمن البحث 16 خطاباً، بعد العملية العسكرية الروسية، و13 خطاباً بعد العملية العسكرية الإسرائيلية، وسبب هذا الفارق في عدد الخطابات أن في حالة فلسطين لم يصدر بيان واحد مُتفق عليه من مجلس الأمن حول إدانة إسرائيل، كما لم تصدر بيانات إدانة من وزارة المالية الألمانية ومنظمة الدول الأمريكية تجاه إسرائيل.

- ملامح الخطاب الرسمي الغربي بين روسيا وإسرائيل:

أولا- الهجوم في الحالة الروسية:

تبين أن أكثر الكلمات المستخدمة في الوصف هي كلمة (هجوم) وأُلحق بها عدد من الأوصاف القوية التي تحمل دلالة رفض قاطعة وواضحة للفعل الروسي، حيث ذكرت عبارات، هجوم وحشي، هجوم متعمد، هجوم كابوسي، هجوم طائ، هجوم سافر، هجوم بربري، وكانت عبارة هجوم غير مبرر الأكثر بروزاً ضمن هذه الأوصاف.
بينما كانت عبارة انتهاك للقانون الدولي هي الأكثر استخداماً عامة في الخطابات الرسمية محل التحليل، واستخدمت مصطلحات أخرى، مثل عدوان وانتهاك صارخ وعدوان أحمق.

وهذه الأوصاف التي اقترنت بكلمة (الهجوم) جميعها تقع تحت ما يعرف ضمن ألاعيب الخطابات السياسية، بما يسمى "مصطلحات الشحن الوجداني" والتي يكون الهدف منها تأجيج مشاعر المُتلقي وكسب دعمه.

ثانيا- إدانة روسيا:

تحمل هذه الكلمات والعبارات جميعها دلالة واضحة وهي "الإدانة" حيث أن أغلب الخطابات الرسمية التي صدرت بعد بداية العملية العسكرية الروسية كانت تشمل إدانة قاطعة وواضحة لأي عمل عسكري تفعله أو سوف تفعله القوات الروسية في أوكرانيا.

وبالتبعية صحبت عبارات "الإدانة" بعض القرارات التي وردت في الخطابات الرسمية بشكل مقتضب كنوع من التلويح بتهديدات كبرى سوف تواجها روسيا نتيجة لهجومها على أوكرانيا، حيث شملت الخطابات الرسمية (تصريحات/ وبيانات) عبارات أخرى تفيد بفرض عقوبات كبرى على روسيا، وتنوعت بين عقوبات سياسية واقتصادية وتكنولوجية.

ثالثا- دفاع إسرائيل عن نفسها:

على الجانب الآخر عندما وقع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة اختلفت العبارات المستخدمة تماماً لوصف الفعل الإسرائيلي، وبرزت عبارة "دفاع عن النفس" كأكثر العبارات استخداماً لوصف العملية العسكرية على غزة، تلتها عبارة "حرب ضد الإرهاب"، وفي بعض البيانات أرفقت عبارة "الدفاع عن النفس" بعبارة أخرى وهي "مع الحفاظ على أرواح المدنيين"، أو دفاع عن النفس "وفق القانون الدولي".

أي أن جميع العبارات الواردة كانت "داعمة" للعملية العسكرية الإسرائيلية ، متحيزة للجانب الإسرائيلي، مع بعض التنويهات عن أهمية الحفاظ على أرواح المدنيين خلال هذه العملية.

رابعا- تجاهل الفلسطينيين:

من خلال رصد 18 بيان رسمي خلال الفترة الأولى للعملية العسكرية للاحتلال، فلم يرد أي ذكر لكلمة "عقوبة" داخل أي تصريح أو بيان وُجه للرأي العام يخص إسرائيل، ولكن برزت بعض العبارات التي تدعو لحماية أرواح المدنيين في غزة، وأخرى عبارات ركزت على دعم الإسرائليين، وبعض التصريحات لم يرد بها أي ذكر عن الفلسطينيين.

خامسا- الدعم الواضح للمعتدي:

يمكن تصنيف العبارات الواردة في الخطابات المؤيدة لإسرائيل من حيث الدعم للمدنيين إلى : داعمة للمُعتدي (إسرائيل)، وداعمة للمعتدى عليه (غزة)، وفي هذا السياق قد وضعت فرضية أنه جميع الخطابات التي لم يُذكر بها كلمات تدعم المدنيين الفلسطينيين هي بيانات متحيزة وداعمة لإسرائيل، لأن السياق الأساسي للخطاب هو الدعم وليس المناهضة للعملية العسكرية الإسرائيلية، وكانت النتيجة أن أغلب الخطابات لم تركز على دعم المدنيين في غزة.

- ازدواجية المعايير في الخطابات الغربية:

تبين مما سبق وجود حالة اتفاق قوي داخل الكيانات الكبرى، مثل مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي، وغيرها حيث اتخذت قرارات عاجلة وسريعة ضد روسيا، على سبيل المثال وليس الحصر "تجميد أصول البنك المركزي الروسي، مما حد من قدرته على الوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطاته، ومنعت بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة المواطنين والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية أو صندوق الثروة السيادي الروسي"، كما تم تعليق عضوية روسيا من "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة.

بينما في حالة إسرائيل لم تجر أي مناقشات حول عقوبات يمكن فرضها أو إجراءات متخذة ضدها بعد سقوط آلاف المدنيين في الأيام الأولى للقصف، وانحصرت النقاشات حول "وجود هدنة إنسانية" أو "وقف إطلاق النار"، أو "تسهيل المساعدات"، ورغم عدالة هذه المطالب لحماية الأرواح إلا أنه وقعت انقسامات كبيرة حيث "فشل مشروع قرار صاغته روسيا في مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية"، بسبب معارضته من قبل فرنسا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، أما مشروع القرار الذي صاغته أمريكا، فقد فشل أيضاً، بسبب استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضده، لأنه "لا يعكس رغبة قوية لوقف إطلاق النار"، وفق ما جاء في مسودة الجلسات المنشورة على الموقع الرسمي للأمم المتحدة، ويتجلى الصراع الروسي الأمريكي من خلال هذه الانقسامات التي تبرز انعكاسات الخلافات السياسية الضخمة على حياة الأبرياء والمدنيين.

كما تتضح طريقة التلاعب بالمفاهيم المتبعة في تقييم الأوضاع السياسية، حيث ينظر إلى أوكرانيا على أن لها الحق في الدعم الكامل والمطلق والدفاع عن نفسها، بينما يتم توصيف أي فعل من جانب الفلسطينيين بـ "العمل الإرهابي"، وبالتالي وفقا لهذه السردية التي يتم تعميمها على العالم عبر المنابر السياسية والإعلام- يوصف المعتدي مرتكب مجازر الإبادة الجماعية وخارق القانون الدولي الإنساني بأنه يدافع عن نفسه، ويوصف المقاوم والضحايا بأنهم الشر المطلق.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك