فيروس كورونا: كيف يمكن احتواء الأوبئة العالمية؟ - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:33 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فيروس كورونا: كيف يمكن احتواء الأوبئة العالمية؟

نقلا عن: بي بي سي
نشر في: الأربعاء 29 أبريل 2020 - 5:52 ص | آخر تحديث: الأربعاء 29 أبريل 2020 - 6:24 ص

في 31 يناير/كانون الثاني 2003، نُقل بائع الأسماك زو زوفين إلى المستشفى بمدينة غوانزو الصينية بعد أن أصيب بالتهاب رئوي غريب كان قد انتشر بين عدد من المرضى منذ نوفمبر/تشرين الثاني في العام الذي يسبقه.

ويقال إن هذا المرض أصاب في البداية مزارعا من مقاطعة فوشان بمدينة غوانزو. وكانت أعراض المرض شبيهة بأعراض الإنفلونزا، مثل آلام العضلات وحمى وسعال وتعب شديد والتهاب في الحلق، وأحيانا كان يسبب التهابا رئويا وأحيانا التهابا بكتيريا ثانويا.

وسرعان ما أثارالمرض حالة من الذعر حول العالم، وترجح التقارير أن زو زوفين نقل العدوى لنحو 30 عاملا بالرعاية الصحية في المستشفى وحدها، كان من بينهم ليو جيانلون الطبيب الذي عالج تسعة مرضى أصيبوا بالعدوى.

وفي شهر فبراير/شباط 2003، عانى جيانلون من أعراض طفيفة للمرض، لكن لم يطرأ على باله أنه أصيب بالمرض الذي يعالج المصابين منه. وغادر جيانلون المدينة لحضور زفاف عائلي في هونغ كونغ وحمل معه المرض الغامض إلى هناك، وبعدها تحول المرض إلى حالة طوارئ عالمية.

وفي اليوم اللاحق للزفاف، اشتدت أعراض المرض، وأدرك جيانلون أن حالته تستدعي الرعاية الطبية، وطلب من المستشفى أن تعزله لمنع انتقال العدوى. ولولا هذا القرار، لكانت الأمور تطورت للأسوأ.

وعُرف هذا المرض لاحقا باسم "متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد والوخيم" (سارس)، ويقال إن هذا التصرف البديهي للطبيب ليو جيانلون حال دون تفشي هذا المرض حول العالم، رغم أنه توفي بعد أسبوعين من الحجر الصحي.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية انتهاء حالة الطوارئ في الخامس من يوليو/تموز 2003، بعد أن مر 20 يوما دون ظهور حالات جديدة. وكانت حصيلة إصابات متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد والوخيم 8,000 شخص في 29 بلدا، وأودى بحياة 774 شخصا على الأقل، وكانت أكثر البلدان تأثرا الصين وتايوان وكندا.

كما انتشر فيروس كورونا المستجد عبر الرحلات الجوية، كذلك أسهمت الطائرات في نقل العدوى بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد من أدنى الأرض إلى أقصاها في يوم واحد أو أكثر قليلا. في حين أن فيروس الإنفلونزا الإسبانية الذي ظهر منذ قرن مضى انتشر عبر القطارات والبواخر التي تستغرق رحلاتها بضعة أسابيع أو شهور.

إذ تتزايد احتمالات تحول المرض إلى جائحة بالتوازي مع ازدياد تطور وسائل النقل التي اسهمت في تقصير المسافات بين بلدان العالم.

وقد تطورت الفيروسات مع مرور الزمن لتواكب التطورات البشرية المتلاحقة، فاستطاعت أن تتحور لتنتقل من الحيوانات إلى البشر كلما تهيأت لها الظروف. ومع التوسع العمراني والزيادة السكانية وزحف البشر نحو الغابات، زادت مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة من الحيوانات، مثل "متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد" و"حمى الإيبولا النزفية".

وبينما بدأت متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد في الصين، إلا أن مدينة تورونتو الكندية في الطرف المقابل من العالم كانت واحدة من أكثر المناطق تأثرا بالمرض. إذ حملت كوان سوي تشو، التي تعيش في تورونتو، الفيروس إلى كندا لدى عودتها من زيارة إلى هونغ كونغ. وتوفيت جراء الإصابة في منزلها، لكن بعد أن نقلت العدوى لابنها الذي نقلها بدوره إلى مجموعة من الأشخاص قبل وفاته.

وأعلنت هيئة الخدمات الصحية في أونتاريو حربا ضد المرض، ووضعت كل مستشفى تدابير حجر صحي صارمة. ونظرا لسهولة انتقال العدوى، وُضعت تدابير لتعقب المصابين. إذ وزعت المستشفيات على جميع العاملين بطاقات هوية مصحوبة برمز خاص لتعقب حركتهم إذا انتقلوا من منطقة لأخرى.

ويعد تعقب المصابين أحد أهم الأسلحة التي توظفها الهيئات الصحية جنبا إلى جنب مع العزل والعلاج، لمكافحة الأوبئة. وقد نجحت بالفعل سنغافورة وكوريا الجنوبية في إبطاء معدل انتقال العدوى بفيروس كورونا المستجد من خلال تعقب المصابين.

وكانت حصيلة الإصابات بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد في كندا 400 شخص، وأودى بحياة 44 شخصا، ولولا التدخل السريع لهيئات الرعاية الصحية الكندية، لكان الفيروس حصد عددا أكبر بمراحل من الأرواح.

وقد استخدم العزل قبل أن يؤكد العلماء أن الفيروسات والبكتيريا تسبب الأمراض بسنوات طويلة.وتقول جاكالين دوفين، المؤرخة الطبية وأخصائية أمراض الدم بمدينة تورنتو، إن سكان مدينة ميلانو الإيطالية كانوا يطبقون الحجر الصحي لمواجهة انتشار الطاعون، فكانوا يغلقون البوابات، ويمنعون أفراد الأسرة من مغادرة المنزل إذا أصيب أحدهم بالمرض، حتى يتعافوا أو يموتوا، ولهذا كانت معدلات الوفيات في ميلانو أقل من نظيرتها في سائر أنحاء إيطاليا.

لكن هناك سمة تميز بها فيروس سارس ساعدت البشر على محاربته، فعندما كان هذا الفيروس الجديد يدخل الجسم البشري، كان يستحث رد فعل مناعي مفرط، يطلق عليه "عاصفة السيتكوين"، لعدم وجود أجسام مضادة في الجسم ضد الفيروس. ولهذا كان المصاب تتدهور حالته سريعا. وتقول دوفين إن المريض عندما تظهر عليه أعراض المرض، كان إما يموت أو يتحسن سريعا، وهو ما أسهم في الحد من معدل انتقال العدوى.

في حين أن فيروس كورونا المستجد، له فترة حضانة طويلة نسبيا قد تصل إلى عدة أيام أو أسبوعين في بعض الحالات، وقد يظل المريض يعاني من شدة المرض لأسابيع، وبعدها إما يتعافى أو يقتله الفيروس.

وتقول دوفين إن متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد كان لها تأثير كبير على كندا. ففي أعقاب تفشي الفيروس تشكلت هيئة صحية عامة فيدرالية في عام 2004، وشاركت دوفين في لجنة التخطيط للجوائح التي أصبحت تنعقد بانتظام في السنوات اللاحقة.

ونتيجة لتفشي المرض، وضعت كندا الكثير من الإجراءات تحسبا للجوائح. واستفادت من هذه الإجراءات في الأشهر الأربعة الماضية للحد من تفشي وباء كورونا المستجد.

وفي عام 2009، تفشى وباء إنفلونزا الخنازير وأودى بحياة ما يربو على 250 ألف شخص، وكانت حصيلة الإصابات مليار و400 ألف شخص حول العالم. وفي عام 2016، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ جراء تفشي فيروس زيكا في أمريكا الوسطى والجنوبية وآسيا. وبينما كان الفيروس يسبب أعراضا طفيفة للبالغين، فإنه أدى إلى حدوث تشوهات خلقية لدى الأجنة في حالة إصابة الحوامل بالفيروس.

لكن أخطر الجوائح وأشدها ضررا، كان وباء إيبولا الذي تفشى في غرب أفريقيا في عام 2013 و2014. ويسبب فيروس إيبولا حمى نزفية، وفي الحالات القصوى قد ينزف المرضى من أعينهم وأنوفهم وغيرها من فتحات الجسم بعدما تتوقف أعضاء الجسم.

واكتشفت أول حالة إصابة بين البشر بحمى إيبولا النزفية في عام 1976 في زائير، أو جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا. وتفشى المرض في بلدة يامبوكو بالقرب من نهر إيبولا، الذي استمد الفيروس منه اسمه.

ويفترض العلماء أن الفيروس انتقل للبشر عبر تجارة لحوم الحيوانات البرية، ويقال إن الفيروس تحمله الخفافيش. وأعلنت حكومة زائير آنذاك الحجر الصحي على المنطقة ونجحت في احتواء الوباء في فترة وجيزة نسبيا، لكن معدل الوفيات بين المصابين بفيروس إيبولا كان 88 في المئة.

وتفشى الوباء بعدها مرات عديدة، كان أغلبها في جنوب أفريقيا، ولا سيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث وصل معدل الوفيات بين المصابين بالفيروس في عام 2003 إلى 90 في المئة.

وشهدت بلدان غرب أفريقيا أسوأ موجات تفشي إيبولا في عامي 2013 و2014، ويقال إن العدوى انتقلت في البداية من طفل عمره عام واحد كان يعيش في غينيا، والذي توفي جراء الإصابة. ثم انتقل الوباء من غينيا إلى ليبريا وسيراليون، وأودى بحياة 11,000 شخص في نهاية المطاف.

فيروس كورونا: خمس استراتيجيات أثبتت نجاحا في احتواء الوباء
مصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionكشف وباء إيبولا في غرب أفريقيا للهيئات الصحية عن أهمية مراعاة عادات الدفن المحلية
وتقول غويندولين إيمر، التي عملت لدى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر في غينيا وسيراليون أثناء الجائحة، إن الرعاية الصحية واللقاحات التي طورت منذ ذلك الحين أسهمت في الحد من آثار إيبولا. وترى أن مقدمي الرعاية الصحية، تعلموا طرقا جديدة للتعامل مع المجتمعات المحلية، بعد أن اكتشفوا أن الإرشادات الطبية والسريرية لا تجدي في الغالب في طمأنة المرضى أثناءالجوائح.

وتقول إيمر إن وباء إيبولا كشف عن أهمية ثالوث الوقاية من الجوائح، وهو الرصد والعزل والعلاج، ويأتي على رأسها تعقب مخالطة المصابين، في المناطق المكتظة بالسكان.

وكثيرا ما يصطدم الطب الغربي بالعادات المحلية، وتضرب إيمر مثالا على ذلك بتحديات دفن ضحايا إيبولا. إذ كانت فرق الرعاية الصحية تضع الجثامين في أكياس مغلقة خشية انتقال العدوى. لكن العادات المحلية تقتضي الكشف عن الوجه أثناء الدفن للسماح للروح بمغادرة الجسد.

وفي النهاية توصل زعماء القبائل إلى حل، وهو عمل ثقب في أكياس الجثث بالقرب من الوجه لمراعاة التقاليد المحلية.

مصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionوجدت فرق الرعاية الصحية صعوبة في التعامل مع الجوائح في بلدان غرب أفريقيا، نظرا لازدحامها وكثرة تنقل سكانها
واكتشفت هيئات الخدمات الصحية أهمية الدور الذي يلعبه المعالجون التقليديون وزعماء القبائل والمزارعون والعاملون بالمراكز الصحية المحلية في منع تحول الأمراض إلى جوائح عالمية.

ويرى ألكسندر كومار، الطبيب بمستشفى جامعة كينغز كوليدج في لندن، والذي عمل في إحدى العيادات في سيراليون أثناء تفشي إيبولا، أن أهم الدروس التي استفادها من الجائحة أن المرض نادرا ما يتطور ليسبب أعراضا خطيرة. إذ اقتصرت أعراض معظم المصابين على القيء والإسهال.

وتمثل معدات الوقاية الشخصية أهمية قصوى للعاملين في الفرق الطبية لحمايتهم من العدوى، رغم أن ارتداء هذه المعدات في الأجواء الحارة قد يعوقهم عن أداء مهامهم.

مصدر الصورةGETTY IMAGESImage captionيمثل تتبع المصابين والأشخاص الذين خالطوهم أحد أهم أركان الوقاية من الجوائح
ويرى كومار أن حصيلة الإصابات بفيروس إيبولا كان من الممكن أن تكون أعلى بمراحل، لولا الإرادة السياسية والاهتمام الإعلامي والابتكارات والأبحاث التي أفرزت لقاحات وعلاجات.

ولعل كل جائحة تمثل فرصة سانحة لتعلم دروس جديدة تساعدنا في التعامل مع الجوائح اللاحقة، وربما تتعلم هيئات الرعاية الصحية من جائحة كورونا المستجد كيفية تأقلم دول بأكملها مع الفترات الطويلة من الحجر الصحي. وربما يكون التحدي الجديد هو التعامل مع تبعات الحجر الصحي التي قد تستمر لسنوات طويلة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك