داخل كنيسة رقاد السيدة العذراء في بلدة بكفيا اللبنانية، وأثناء مراسم جنازة الموسيقار الراحل زياد الرحباني، وقفت الفنانة كارمن لبّس تحتضن نعشه وتبكي بحرقة. أعاد هذا المشهد إلى الأذهان قصة الحب الاستثنائية التي عاشها الثنائي في ثمانينيات القرن الماضي، والتي استمرت 15 عامًا وانتهت بانفصال كل منهما عن الآخر حتى وفاة الرحباني.
يستعرض التقرير التالي جوانب من هذه العلاقة، وفقًا لتصريحات تلفزيونية أدلى بها كل من الرحباني وكارمن لبّس.
بداية التعارف
خلال دراسة لبّس للتمثيل، لمس أحد أصدقائها المقربين - والذي تجمعه صداقة بالرحباني أيضًا - شغفها بالفن وطموحها، فعرض عليها أن يعرفها على الراحل، الذي كان يمتلك آنذاك فرقة مسرحية، وأنتج العديد من المسرحيات. وبالفعل، التقى بطلا القصة لأول مرة بعد انتهاء عرض إحدى مسرحياته.
شعرت لبّس بالحرج من طلب العمل مع الرحباني وهي تلتقيه لأول مرة، ليبادر صديقها بالحديث إلى زياد عن كارمن وموهبتها، مقترحًا عليه ضمها إلى فرقته، ليعطي الرحباني رقم هاتفه إلى لبّس، طالبًا منها التواصل معه لاحقًا.
أول عمل يجمع الثنائي: "فيلم أمريكي طويل"
ضمّ زياد كارمن إلى فرقته المسرحية، إيمانًا منه بموهبتها الاستثنائية، وهي النبوءة التي تحققت لاحقًا بالفعل. واجتمع الثنائي لأول مرة في مسرحية "فيلم أمريكي طويل"، التي وثقت الآثار النفسية السلبية التي خلفتها الحرب الأهلية اللبنانية والتي استمرت لعقد ونصف. التقى الرحباني بلبّس هذه المرة للتمثيل سويًا على خشبة المسرح، وساعدت كواليس العمل وأوقات العرض في توطيد العلاقة بينهما لتخرج قصة الحب إلى العلن.
قصة حب تتحدى زيجة فاشلة
كارمن لم تكن أول امرأة في حياة زياد، فقد تزوّج قبلها من دلال كرم، وهي زيجة عانت من خلافات وصراعات كثيرة، وصلت إلى حد تشكيك الراحل في نسب ابنه عاصي إليه، ما أدى إلى الانفصال.
في تلك المرحلة، عبّر الرحباني من خلال الموسيقى عن نهاية تلك العلاقة واحتياجه لحب جديد في حياته، بكلمات أغنيته "بصراحة"، لتبدأ قصة الثنائي زياد وكارمن معلنة بداية عهد جديد مع امرأة أخرى.
زواج "أمام الله"
صرّحت لبّس في أحد اللقاءات التلفزيونية بأنها اتفقت مع زياد على الزواج أمام الله، دون توثيقه في الكنيسة، موضحة أنهما لجآ إلى هذا الخيار لأن إجراءات الطلاق بين الرحباني وزوجته السابقة لم تكن قد انتهت بعد.
وأضافت أنهما عاشا سويًا كأي زوجين، وكانا يستيقظان كل صباح ويتشاركان شرب القهوة وقراءة الأعمال الفنية التي كان يكتبها زياد.
الرحباني يهدي كارمن "بلا ولا شي" و"عندي ثقة فيك"
صرّح الرحباني في أحد اللقاءات التلفزيونية بأنه أهدى لبّس أغنية "عندي ثقة فيك"، التي كتبها ولحّنها، في عيد ميلادها بعد عامين من علاقتهما، والتي عبّرت عن فلسفة زياد في الحب كما قدمها في أعماله الفنية على مدار 7 عقود. فهو العاشق الذي يرى أن صدق مشاعره هو أغلى ما يقدّمه لحبيبته.
كما صرّحت لبّس أيضًا في أحد البرامج بأن زياد أهداها أغنية "بلا ولا شي"، التي جسدت معنى الحب غير المشروط، الذي لا يهتم بالمظاهر أو بنظرة المجتمع.
منزل الزوجية: "مركز وليس بيتًا حقيقيًا"
صرّحت كارمن بأنها عاشت مع زياد في منزل الزوجية، الذي وصفته بأنه "لم يكن بيتًا حقيقيًا، بل أشبه بمركز"، لأن زياد كان يلتقي فيه مع أصدقائه الفنانين لإجراء بروفات على المشاريع الفنية القادمة، قائلة إنه "احتوى على غرفة نوم، وبيانو، وملفات موسيقية، ونوتات، وخزائن، وأن غرفة المكتب احتلت نصف مساحة المنزل".
حب وشراكة فنية في آن معًا
ذكرت كارمن أن علاقة الحب التي جمعتها بزياد عززت الشراكة الفنية بينهما، لتثمر الكثير من الأعمال الناجحة التي شكّلت وجدان اللبنانيين حتى اليوم، مثل مسرحية "العقل زينة"، "نزل السرور"، "بخصوص الكرامة والشعب العنيد"، "بما إنّو"، و"لولا فسحة الأمل"، بالإضافة إلى عمل سينمائي هو فيلم "ويست بيروت"، لافتة إلى أن أعمالها مع الرحباني كانت نقطة انطلاق حقيقية لها في عالم الفن.
كارمن والمقرّبون والخلافات المادية أبرز أسباب الانفصال
صرّحت كارمن بأنها أثناء علاقتها بزياد، لم تكن قادرة على التعبير عن احتياجاتها، قائلة: "افترضت أن زياد شخص ذكي وسيفهمني من دون أن أتكلم".
وتابعت أن المسرحيات التي مثّلتها مع زياد لم تحقق العائد المطلوب، ما تسبب في بداية الخلافات المادية بينهما، مضيفة أن الأصدقاء المقرّبين من الثنائي لم يكونوا داعمين لاستمرار العلاقة.
وبالفعل، اتفق زياد وكارمن على الانفصال بعد علاقة استمرت 15 عامًا، تمخضت عنها أهم الأعمال الفنية التي وثّقت الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان في حقبة الثمانينات.
صرّح زياد أيضًا بأن كارمن لها الحق في طلب الانفصال، قائلًا: "كارمن كان لديها كل الحق في هجري، طوال الفترة التي عشتها معها، كنت أعدها بأن هذا الوضع – المكان الذي نعيش فيه، الحي، الشقة، الغموض والتشويش في حياتنا – كلها أمور مؤقتة، وأنني سأحاول إصلاح الوضع بالكامل".
قطيعة حتى الرحيل وعتاب من المتابعين
أعربت لبّس في أحد اللقاءات التلفزيونية عن أن علاقتها بزياد استمرت بعد سنوات الانفصال الأولى، مضيفة أنهما لم يتواصلا خلال السنوات السبع الأخيرة.
ولم تظهر لبّس إلى جانب الرحباني حتى رحيله، وهو ما عاتبها عليه جمهور الموسيقار الراحل على حسابها في "إنستغرام"، معتبرين أنها أساءت إليه، حيث جمعتهما علاقة حب وحياة مشتركة على مدى 15 عامًا، كان من الواجب أن تكون حاضرة في أيامه الأخيرة.
نعي كارمن لزياد بكلمات مؤثرة
فور إعلان خبر وفاة الرحباني، كتبت كارمن عبر حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي نعيًا مؤثرًا، قائلة: "فكّرت بكل شي، إلا إنّو الناس تعزّيني فيك.. الوجع بقلبي أكبر من إنّي اقدر أوصفو، أنا مش شاطرة بالتعبير، إنت أشطر منّي بكتير تعبّر عنّي".
وأضافت: "لو كان في بعد، بس كنت موجود، وهلّق بطّلت.. صعبة كتير يا زياد ما تكون موجود".