آخر ليلة.. وداعًا معبودة الجماهير - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:46 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

آخر ليلة.. وداعًا معبودة الجماهير

كتب ــ وليد أبو السعود
نشر في: الأربعاء 29 نوفمبر 2017 - 11:50 م | آخر تحديث: الخميس 30 نوفمبر 2017 - 12:02 ص
بصوت غنائى جميل وقوى وخجول يشبه مصر هتفت «خد بإيدى» وصارخة مبتهلة إلى ربها قائلة «وآدى حالى وحال جميع المصريين»، كان هذا هو المشهد الاخير الذى شاهد فيه المصريون مطربتهم الاسطورية وممثلتهم التى لن تتكرر شادية.. التى رحلت عن عالمنا اليوم بعد صراع طويل مع المرض استمر طوال السنوات الاخيرة من عمرها ويتصورها الكثيرون منا مبتسمة ابتسامتها الخجولة التى عودتنا عليها وهى تتأمل دموعنا ومظاهر حزننا عليها وتضحك ضحكتها الشهيرة وهى تقرأ اخبار وترتيبات جنازتها وطقوس دفنها وتقول لنا لا تجزعوا ولا تحزنوا. فهى لم تتركنا أو تغيب عنا فأعمالها موجودة معنا تشاركنا كل مواقف حياتنا وخصوصا أنها قد أكدت هذه القاعدة فرغم اعتزالها وغيابها الكامل عن الحياة العامة منذ سنوات طويلة الا انها فى القلوب ومع كل مناسبة، فمن لم يهتف «يا حبيبتى يا مصر» ويغنيها مع كل انتصار وانكسار مع كل لحظة شجن للوطن؟

من لم يهتف «خد بإيدى» وهو يدعو لربه طالبا منه منحة ما، شادية التى جسدت دور الفتاة والمرأة المصرية فى جميع مراحلها بل وأصبحت صورة مصغرة للوطن نفسه فى شموخه وحتى فى انكساره وعجزه وقلة حيلته لا ينحنى ابدا.
«الشروق» هنا تحاول ان تتخيل لكم كيف كانت شادية ستحكى عن رحلة حياتها التى امتدت منذ عام 1934 وحتى 2017 عبر 83 عاما.

إنها شادية الأسطورة التى وحدت قلوب المصريين وعلى صوتها احتفلوا بانتصارات وثاروا على الظلم، يغنون معها فى ساعات الصفا «قولوا لعين الشمس ما تحماشى» انها بحق صوت مصر التى استطاعت ان تحقق للعرب انجاز الأسطورة الأمريكى ايطالى الأصل فرانك سيناترا فى الجمع بين اجادة التمثيل والغناء، وكذلك اعتزالهما فى قمة المجد ليعتز الجميع بتراثهما الفنى فخورين به.

فى السطور التالية نحاول ان نلقى الضوء على النجمة الراحلة.

لم تكن تعرف الطفلة فاطمة أحمد كمال التى ولدت فى 8 فبراير عام 1934 فى حى الحلمية الجديدة فى القاهرة وترجع أصولها إلى محافظة الشرقية، انه فى انتظارها مستقبل عظيم، اختار لها والدها المهندس الزراعى أحمد كمال شاكر اسم «فاطمة»، ولكن عرفها الملايين حول الوطن العربى باسم شادية من خلال اغنياتها وافلامها السينمائية، واختلفت الآراء فى سبب تسميتها بـ«شادية»، فهنالك من يقول بأن المنتج والمخرج حلمى رفلة هو من اختار لها هذا الاسم ليكون لها اسم فنى ينطبق على موهبتها فى الغناء، وذلك بعد أن قدمت معه فيلم «العقل فى إجازة»، وهنالك من يروى حكاية عن اختيار الفنان الكبير يوسف وهبى لها وهو من أطلق عليها «شادية» عندما رآها لأول مرة، وكان يصور فى ذلك الوقت فيلمه شادية الوادى، بينما يرجح آخرون أن الفنان عبدالوارث عسر هو من أسماها شادية لأنه عندما سمع صوتها لأول مرة قال: «إنها شادية الكلمات»، وفى النهاية فإن من اختار لها الاسم كان موفقا فى التعبير عن شخصية الفنانة الكبيرة التى اتفق الجميع على حبها واتخذوها مقياسا لجمال الفتاة المصرية.

قدمت شادية خلال فترة ما يقارب من أربعين عاما نحو 112 فيلما و10 مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة، وتعد من أبرز نجمات السينما المصرية وأكثرهن تمثيلا فى الأفلام العربية، فضلا عن تمتعها بقاعدة جماهيرية عريضة على مستوى الوطن العربى، وهى فى نظر الكثير من النقاد أهم فنانة شاملة ظهرت فى تاريخ الدراما العربية.
المسرح تجربة وحيدة

وقفت لشادية أول مرة ممثلة على خشبة المسرح لتقدم شخصية ريا فى مسرحية «ريا وسكينة» مع سهير البابلى وعبدالمنعم مدبولى وأحمد بدير، والمخرج حسين كمال والمؤلف بهجت قمر، ولمدة 3 سنوات حقق العرض نجاحا كبيرا فى مصر والدول العربية.

هذه المسرحية هى التجربة الوحيدة فى مشوار شادية، ورغم تناولها لشخصية قصة اثنين من اشهر المجرمين الا انه قدمها بلون كوميدى وشاركت فى هذه المسرحية مجموعة من عمالقة المسرح المصرى، والذين أقروا بأنهم لم يروا جمهورا مثل جمهور مسرحية ريا وسكينة لأنه كان جمهورها الذى أتى من أجل عيون شادية، والتى لم تقل عنهم تألقا وامتاعا وكانت معهم على قدم وساق كأنها نجمة مسرحية خاضت هذه التجربة مرات ومرات.

نجمة بين الكبار

وجدت الفنانة شادية نفسها مشدودة إلى هذا العالم الساحر، وليلة بعد ليلة كانت تسهر فى ضيافة الكاتب الكبير مصطفى أمين ومع صفوة المجتمع، جلسات كان يحضرها عادة الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وزوجته نهلة القدسى أحيانا، وعبدالحليم حافظ وكمال الطويل، وكامل الشناوى، وأحمد رجب، وموسى صبرى، وجليل البندارى، وأنيس منصور، وكمال الملاخ.

أخذت شادية التى كانت صغيرة جدا وسط كثير من هؤلاء العمالقة، تراقب كيف يتصرف هؤلاء الكبار، وكيف يسرع عبدالوهاب أحيانا إلى ورقة وقلم ليكتب حروفا لم تفهم معناها، عرفت فيما بعد أنها نوتة موسيقية لجملة لحنية عرضت على خاطره فى ذلك الوقت.

وكانت شادية تشعر بنوع من التميز عندما تقرأ فى اليوم التالى فى الصحف كلاما وأخبارا سمعتها فى الليلة السابقة، وذلك بفضل معرفتها بهؤلاء الكبار، الذين تصنع الأخبار بين أيديهم.

فذات يوم دعا الكاتب الكبير مصطفى أمين شادية إلى حفل كان دعا اليه أيضا عددا كبيرا من الفنانين والصحفيين الكبار، وكان هذا الحفل هو بداية دخول شادية عالما جديدا، بل ومرحلة جديدة من حياتها، وصفتها هى نفسها بأنها كانت من أجمل فترات حياتها، وقالت عنها: «فترة عاقلة ورائعة، وجدت فيها نفسى».

فى هذا العالم الجديد خرجت شادية من دائرة حياتها التقليدية التى كانت تنحصر بين التمثيل السينمائى والغناء، وانتقلت إلى حياة جديدة قابلت فيها عقولا كبيرة، وشخصيات مرموقة تتحدث فى الصحافة والأدب والسياسة والفن، وشتى أمور الدنيا.

وفى هذا اليوم أيضا ولدت صداقة جميلة بين شادية والكاتب الكبير مصطفى أمين، ولقد تسرب هذا الصحفى الكبير اللامع إلى عقلها، وشعرت تجاهه بنوع من الحب، الذى يختلف عن العواطف الدارجة والمتعارف عليها.

قالت شادية إن مصطفى أمين له فضل كبير فى توجيهها ووضعها على بداية طريق أدخلها مرحلة النضج الفنى بعد سلسلة من الأفلام والأغانى الخفيفة.

وحينما سئلت شادية يوما عن هذا الموضوع قالت: «الكاتب الكبير مصطفى أمين علمنى كيف أفكر بعقلى قبل قلبى، وكان يعطينى الحنان بلا حساب، ويدفعنى للبحث عن الأدوار الجيدة، وهو الذى طالبنى بالابتعاد عن الأدوار الخفيفة التافهة، وقد أقنعنى بأن أعود إلى الغناء، الذى كنت تركته لفترة، وكان يساعدنى على انتقاء الأغنية الجيدة».

وعلقت عما تردد حول زواجها من مصطفى أمين: «قالت الشائعات إن زواجى منه أبعدنى عن الحياة الفنية، والحقيقة أن صداقتى مع هذا الكاتب الكبير كانت من أجمل فترات حياتى، فترة عاقلة ورائعة، وجدت نفسى فيها».

هكذا رسمت شادية صورة العلاقة بينها والكاتب الكبير مصطفى أمين، وقالت: «إننى أدين له بالكثير، إنه صاحب الفضل فى النضج العقلى الذى يظهر فى تصرفاتى وعملى وأفلامى، وفى علاقاتى بالناس من حولى، لقد جعلنى أحب الحياة بعد أن كرهتها».

وعندما سألوا الفنان كمال الشناوى حول حقيقة زواج شادية من مصطفى أمين، قال إنه لا يعلم شيئا عن هذا الموضوع، وليست لديه فكرة عنه، وقال «لا أحب أن أتكلم فى شىء كهذا».. وهكذا أيضا ترك كمال الشناوى الذى بدأ مشواره الفنى مع شادية وكون معها أبرز ثنائى سينمائى حتى الآن، وقدم معها ثلاثين فيلما توزعت على مراحلها المختلفة، ترك الباب مفتوحا، لم يؤكد أو ينف، مثلما فعلت شادية.

ولا تزال قصة شادية ومصطفى أمين أحد الأسرار المجهولة فى حياة دلوعة الشاشة، التى سنجدها بداية من العام 1959 تتجه اتجاها فنيا آخر وتنتقل إلى مرحلة النضج الفنى الذى بدأته مع فيلم «المرأة المجهولة»، الذى شاركها بطولته أيضا كمال الشناوى.
اقرأ ايضا :


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك