رصدت مجلة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فى تقرير موسع نشرته أمس الأول، تطور وكواليس العلاقة بين إسرائيل والحزبين الجمهورى والديمقراطى، ومخاوف السياسيين الإسرائيليين من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل التى يرون أنها تمثل تهديدا استراتيجيا لتل أبيب.
وذكرت المجلة فى التقرير الذى أعده الباحث الأمريكى ناثان ثرول، مدير المشروع العربي الإسرائيلي في مجموعة الأزمات الدولية، أن الديمقراطيين والجمهوريين أبدوا مستويات مماثلة من التعاطف مع إسرائيل من أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى أوائل الألفية الحالية. ولكن في العقد الماضي، أظهرت سلسلة من استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو للأبحاث، وجود فجوة كبيرة بين الحزبين، حيث زاد عدد الجمهوريين الذين يعبرون عن تعاطفهم مع إسرائيل بثلاثة أضعاف تقريبًا عن الديمقراطيين.
وكان أكثر من ربع الناخبين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس من الإنجيليين البيض، وهم إلى جانب اليهود، من أكثر الجماعات الدينية الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة، والذين دعموا إلى حد كبير الحزب الجمهوري منذ سبعينيات القرن الماضي.
كما أظهر استطلاع أجراه المركز ذاته، أن المجموعات الأقل تأييدا لإسرائيل، ومنهم الأمريكيين من أصل أفريقي واللاتينيون، أصبحت تشكل الجزء الأكبر من الناخبين الديمقراطيين، حيث يربط الكثير منهم بين التمييز الذي يعانو منه كأقلية، وبين محنة الفلسطينيين.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن بن رودس ، نائب مستشار الأمن القومي فى إدارة الرئيس الامريكى الأسبق باراك أوباما ، أراد العديد من أعضاء إدارة أوباما تبني سياسة أكثر حزما تجاه إسرائيل لكنهم شعروا أن أيديهم مقيدة.
وقال بن رودس إن "وجهة نظر واشنطن تجاه إسرائيل وفلسطين ما زالت تتشكل من قبل فئة المانحين، وتحديدا من جانب غالبية الجالية اليهودية".
وأوضح بن رودس أنه "مجرد الافتراض بأنه نظرًا لأن أوباما كان أسودًا فسيكون متعاطفًا مع الفلسطينيين، كان كافياً للتسبب في مشاكل سياسية مع بعض المانحين وعناصر في وسائل الإعلام الذين افترضوا أن ذلك سيعني أنه معاد لإسرائيل".
وتابع بن رودس إنه "كان خطيرًا على إسرائيل، أن يفترض مؤيدوها وحلفاؤها أن الأقليات ستنظر تلقائيًا إلى إسرائيل كمضطهِد، ومضى قائلا "إذن أنت تقر ، من خلال مخاوفك ، بأن إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين مثل المعاملة التى تعرض لها السود في الولايات المتحدة. وهذه ليست نظرة جيدة لإسرائيل ".
ولفت المجلة الأمريكية إلى أنه خلال الأشهر القليلة الماضية، سيطر الجدل العنيف حول الدعم الأمريكي لإسرائيل على الأخبار وألقى بظلاله على الأجندة السياسية للديمقراطيين.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه خلال انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، وجه المجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي بشكل رسمى توبيخا لثلاثة مرشحات ديمقراطيات من الأقليات، وهم ألكساندريا كورتيز التى وصفت قتل إسرائيل للمتظاهرين العزل في غزة بـ "المذبحة"، ورشيدة طليب ذات الأصول الفلسطينية والتى اقترحت قطع المساعدات العسكرية عن إسرائيل إذا تم انتخابها، وإلهان عمر المنحدرة من أصل صومالى، والتى وصفت إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري فى تغريدة على حسابها بموقع التدوينات القصيرة "تويتر" عام 2012. واللافت أن المرشحات الثلاثة فزن بمقاعد في الكونجرس.
وفي يناير الماضى، قدم الجمهوريون مشروع قانون "تعزيز الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط"- وهو يدعم التشريعات التي تم تبنيها في أكثر من عشرين ولاية والتي ترفض عقود وتمنع استثمارات مع الأفراد أو الجماعات الأمريكية التي تدعم مقاطعة إسرائيل أو الذين يرفضون التوقيع على اليمين بأنهم لن يقاطعوا إسرائيل.
وهاجمت كلا من النائبتين الأمريكيتين رشيدة طليب وإلهان عمر مشروع القانون، وقالت طليب إن رعاة المشروع "نسيوا البلد الذي يمثلونه"، في حين قالت إلهان إن دفاع السياسيين الأمريكيين عن إسرائيل فقط "بسبب المال"، الأمر الذي أثار انتقادات حادة لها ودفعها للإعتذار في وقت لاحق.
وفي مواجهة الانتقادات الواسعة التي طالت إلهان، أعلن القادة الديمقراطيون أنهم يعملون على قرار يدين معاداة السامية، ولكن رداً على اعتراضات المشرعين التقدميين اللذين نددوا بأن إلهان تم التمييز ضدها لأنها صومالية مسلمة، تم تنقيح مشروع القرار لإدانة معاداة السامية وأيضاً معاداة المسلمين، الأمر الذي أثار حنق بعض الديمقراطيين اليهود. وفي اليوم التالي، قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للصحفيين: "لقد أصبح الديمقراطيون حزبًا معاديًا لإسرائيل ولليهود".
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن اليهود الأمريكيين (79 % منهم صوتوا لصالح الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة) منقسمون حول مصدر معاداة السامية الذي يشكل خطرًا أكبر، فمن جهة، هناك اليسار التقدمي، وعلى الجانب الآخر، يوجد اليمين المؤيد لإسرائيل ظاهريًا، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه معاداة السامية في أوروبا وفي جميع أنحاء العالم.
وأشارت المجلة إلى أنه على الرغم من أن الحزب الديمقراطى متحد في معارضته لمعاداة السامية إلا أنه منقسم حول إسرائيل، وإن كان هذا الانقسام لم يكن واضحا إلا أنه ليس بجديد، فعلى سبيل المثال، أظهر استطلاع رأي في 2016 أن 60% من الديمقراطيين يؤيدون العقوبات الاقتصادية على إسرائيل، او اتخاذ موقف قوي ضد المستوطنات الإسرائيلية.
وحول حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل "بى. دي. إس"، أشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه بالنسبة لليبراليين الذين يدعمون إسرائيل، فإن الجانب الأكثر إثارة للقلق في حركة "بي.دي.إس" هو معارضتها لإسرائيل كدولة يهودية، سواء من خلال الإصرار على المساواة الكاملة بين اليهود وغير اليهود في إسرائيل ومن خلال الدعوة إلى الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل لا تحظى بدعم أي سيناتور ديمقراطي أو مرشح ديمقراطى للرئاسة، بما في ذلك السيناتور والمرشح الرئاسي بيرني ساندرز، رغم مساندته حق المقاطعة.
وقالت "نيويورك تايمز" إنه على الرغم من الانتقادات الواضحة للدعم الأمريكي لإسرائيل من قبل أعضاء ديمقراطيين فى الكونجرس، لكن الديمقراطيين لديهم استعدادا ضئيلا لمناقشة علنية بشأن تغيير سياسة طويلة الأمد تجاه إسرائيل.
وتابعت أن بعض موظفي الكونجرس ومسؤولون سابقون في البيت الأبيض يفسرون ذلك بأنه يرجع إلى تأثير كبار المانحين، مشيرا إلى أنه ثلاثة أرباع شيكات التبرعات التي تزيد قيمتها عن نصف مليون دولار جاءت من المتبرعين اليهود.
إلى ذلك، لفتت المجلة إلى أن الحركة لم تؤثر على اقتصاد إسرائيل، ولكن قادة إسرائيل اعتبروا أن رسالتها تمثل تهديد استراتيجي.
ومنذ 2016، بعد وقت قصير من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية وبعد عامين من الحرب الأخيرة في غزة التي سلطت الأضواء على محنة الفلسطينيين، خصص الإسرائيليون أكثر من 100 مليون دولار لمكافحة حركة المقاطعة، خوفًا من أنها تمثل بداية تحول أساسي.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، إيمانويل نحشون، قوله: "على الرغم من الدعم الساحق لإسرائيل في الولايات المتحدة، نرى أن محاولة نزع الشرعية عن إسرائيل تكتسب أرضية خاصة بين الجماعات الهامشية اليسارية المتطرفة".