قصور منسية (9).. ‎قصر الأميرة سميحة الذي أصبح مكتبة القاهرة الكبرى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:36 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصور منسية (9).. ‎قصر الأميرة سميحة الذي أصبح مكتبة القاهرة الكبرى

منال الوراقي:
نشر في: الجمعة 31 مارس 2023 - 10:20 ص | آخر تحديث: الجمعة 31 مارس 2023 - 10:54 ص

القصور التاريخية في مصر ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي تاريخ لا يزال حيا، سجل يُخلد أسماء وشخوصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد، وظروف عصر خال، وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنوات، لكنها ظلت تحمل شيئا من توقيعه، لا يزال محفورا في ومضة هنا أو أخرى هناك.

تلك القصور ما هي إلا تاريخ لم تطوه كتب أو مجلدات، فلا يزال حيا نابضا يثبت أنه أقوى من كل محاولات العبث التي بدأت بعشوائية المصادرات ومحو أسماء أصحاب القصور من فوق قصورهم، ولافتات الشوارع التي حملت يوما أسماءهم تخليدا لدور قدموه للوطن أو خدمة جليلة قاموا بها لنهضة مجتمعهم.

في سلسلة "قصور منسية" تستعرض "الشروق" خلال شهر رمضان الكريم، قصصا لقصور مصر المنسية، استنادا إلى كتاب "قصور مصر" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للباحثة سهير عبدالحميد، والذي يتناول قصص وحكايات وراء أشهر القصور المصرية.

قصر الأميرة سميحة

‎ابنة السلطان باعت باركيه قصرها
‎على الضفة الشرقية من الجزيرة الوسطى بالزمالك وفي إطلالة على ‎شارع محمد مظهر الذي انتسب إلى باني فنار الإسكندرية وأحد مهندسي ‎القناطر الخيرية، أقيمت ثاني أكبر مكتبة بمصر بعد دار الكتب هي «مكتبة القاهرة الكبرى» في قصر الأميرة سميحة ابنة السلطان حسين كامل، والذي اشترته في منتصف الأربعينيات من عائلة الثري اليهودي قطاوي.

قاعاته شهدت زفرات ألم الملكة فريدة، ومؤازرة أميرة القصر وزوجها وحيد يسري، الذي اتهم فيه الملك زوجته كيدًا وبهتانا، فيه مارست الأميرة سميحة عشقها للرسم والنحت وتعلمت على يديها الملكة فريدة، ثم كان القصر شاهدًا على قسوة الظروف التي اضطرت ابنة السلطان إلى بيع أثاثها وباركيه الأرضية لتعيش.

بنات السلطان حسين كامل

الأميرة سميحة حسين هي ابنة السلطان حسين كامل من زوجته السلطانة ملك، وشقيقة الأمير كمال الدين حسين من الأب، وقد حظيت الأميرة سميحة مع شقيقتها الأميرة قدرية برعاية الأب الذي اهتم بتثقيفهما، وسمح لهما بالسفر في سن مبكرة للتزود من العلوم والفنون.

‎أما الأميرة قدرية فقد اتجهت إلى الكتابة العلمية والأدبية، وتذكر مجلة «المصور» في عددها الصادر في 9 فبراير 1940: "يروي حاشية السلطان حسين أن سموها لم تُر يومًا من الأيام إلا ومعها كتاب تقرؤه أو مجلة تتصفحها أو أداة زراعية لمعالجة الأزهار وتقليم الأشجار؛ فقد دربت كثيرًا وأتقنت اللغات العربية والتركية والفرنسية والإنجليزية، واطلعت على المئات من مؤلفات هذه اللغات ولاسيما الأدب والتاريخ، وكانت صاحبة مجلة تركية اسمها (محراب) كانت تصدر في إسطنبول.

‎وقد جالت في أوروبا وبلاد الشرق باحثة منقبة، وجلبت آلافًا من الكتب والآثار العلمية والتاريخية حتى أصبح لديها في قصرها مكتبة حافلة بآلاف المجلدات النادرة.

‎ولما اقترنت بمحمود خيري باشا لم تشغلها واجبات الزوجية أو مشاغل الأمومة عن مواصلة الدرس، وقد أنجبت سموها نجلاً واحدًا هو محمد بك حسين خيري والآنسة سميرة هانم حيث اعتنت بتثقيفهما؛ فلقي محمد بك علومه بمصر ثم أوفدته إلى كلية إيتون الشهيرة، أما سميرة هانم فجلبت لها المدرسات والمدرسين في القصر لإطلاعها على مختلف العلوم ‎والفنون".

وقد تركت الأميرة قدرية طائفة قيمة من المؤلفات، ولعل أهمها كتابها عن قيام الإمبراطورية العثمانية وحياة مؤسسها عثمان أرطغرل، وقد ترجمتها بالفرنسية إلى جانب مؤلفاتها بالعربية.

أما الأميرة سميحة فكانت مواهبها فنية وقد جلبت لها السلطانة ملك مَثَّالاً ‎إيطاليا مشهورًا لتنمي مواهبها، ‎وعلى يديها تعلمت الملكة فريدة فنون الرسم، وكانت تربطهما معا علاقة وثيقة، وكانت الملكة فريدة تجد في عائلة السلطان حسين كامل السلوى عن أحزانها بسبب تصرفات زوجها ، فكانت كثيرًا ما تشكو إلى السلطانة ملك زوجة السلطان حسين عم الملك فاروق كيف أن زوجها يستدعي إحدى ‎الفتيات الإيطاليات للقصر.

الأميرة سميحة وخلافات العائلة
وكانت الملكة فريدة تجد راحة كبرى في زيارة الأميرة سميحة وزوجها وحيد يسري ابن الأميرة شويكار، وهي الزوجة الأولى للملك فؤاد، وكانت فريدة تتردد كثيرًا على قصرها بالزمالك الذي لا يزال يحتفظ بصورة للملكة والملك في إحدى الحفلات التنكرية التي أقامتها الأميرة سميحة بالقصر، وكان الأمر بديهيًّا خصوصا أن الملك فاروق ووحيد يسري كانت تجمعهما شقيقة مشتركة هي الأميرة فوقية، فهي شقيقة الأول من الأب، والثاني من الأم، إلا أن الملك بدأ ينقلب عليه تدريجيًّا بسبب انتقادات وحيد يسري لذلك التعاون بين القصر والوفد.

وزاد الفتيل اشتعالا أحمد حسنين باشا الذي كان يكره وحيد يسري فهو ‎شقيق زوجته التي هي على خلاف دائم معه وساء فاروق أن تتدخل ابنة عمه الأميرة سميحة بينه وبين زوجته منتقدة تصرفاته؛ لذا حاول الملك إثناء زوجته عن زيارة الأميرة سميحة، إلا أنها لم تستجب له فاتهمها فاروق بأنها على علاقة غير شريفة بوحيد يسري، وقد كتب في مذكراته عن اشمئزازه من فريدة التي شغفت برجل في مثل سن أبيها.

وحاول الملك النيل من الأميرة سميحة وزوجها فأمر بمراقبة هواتفهما؛ فلم يجد ما يدينهما، وبات يراقب الملكة فريدة، ولما ثارت عليه اتهم الملك وحيد يسري في قضية القنابل، التي فجرت يوم الجلوس الملكي عام ،1947 وقبض عليه وخرج بعدها بكفالة وذهب إلى القصر ليسجل اسمه في سجل التشريفات لكنه لم ينل مع ذلك الرضا الملكي حتى بعد طلاق الملك والملكة، وفي عام 1950 تدخل القصر لحذف اسمه من الانتخابات، ومنع إذاعة مقطوعاته الموسيقية.

وظلت العلاقة الوثيقة بين الملكة فريدة - التي لم تنل محاولات فاروق من سمعتها؛ فقد ظلت حبيبة الشعب الطاهرة البريئة - وبين الأميرة سميحة.

شراء القصر أكبر أثرياء اليهود
‎قصر الأميرة سميحة يعود تاريخ إنشائه إلى بداية القرن العشرين، إلا أنها لم تمتلكه إلا منذ منتصف الأربعينيات، وقد كان القصر مملوكًا لعائلة قطاوي باشا أحد أكبر أثرياء اليهود.

أما الأميرة سميحة حين قامت بشراء هذا القصر والحديقة في 7 من فبراير 1942، بمبلغ قدره 13 ألفا و350 جنيهًا، دفعت جزءًا منه بشيك على بنك مصر، ونظرًا لأهمية شخصها فقد تم التوثيق بقصر عابدين، وكان مراد محسن باشا ناظر الخاصة الملكية نائبًا عنها في التوقيع على العقد الذي كان الطرف الثاني فيه إيديت قطاوي "مسز رينيه كوهين" ممثلة عن نفسها وشقيقيها هيكتور وإدجار قطاوي.

تدهور حالة القصر
‎وظلت الأميرة تعيش بالقصر حتى وفاتها عام 1984، اضطرت خلالها بعد قيام ثورة يوليو إلى بيع أثاث منزلها واقتلاع ألواح الباركيه وبيعها حتى تتمكن من المعيشة، وعندما تسلمت وزارة الثقافة القصر في أبريل عام 1986، كان بالفعل في حالة مزرية للغاية.

‎ويقال إن الأميرة كانت قد تركت وصية لتحويل القصر إلى مكتبة عامة، حيث كانت مباني القصر تبلغ مساحتها 535 مترًا مربعًا، وبعد الإضافات التي استحدثتها الوزارة بلغت مساحته 1908 أمتار مربعة، والقصر بني بنظام جصية.

وقد انتهت وزارة الثقافة من ترميم القصر، وفي الرابع والعشرين من يناير 1995، تم افتتاح مكتبة القاهرة الكبرى بالقصر، والتي تعد أكبر مكتبة عامة في مصر بعد دار الكتب، وتمثل إشعاعًا ثقافيا وحضاريا أنشأته وزارة الثقافة لخدمة الباحثين والدارسين والجمهور العام من مختلف الفئات.

اقرأ أيضا

قصور منسية (8).. قصر الأميرة خديجة: هبة البرنسيسة لوزراة الصحة



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك