أشهر سرقات الأجانب للآثار المصرية من سقف معبد دندرة إلى مسلة كليوباترا.. - عاطف معتمد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أشهر سرقات الأجانب للآثار المصرية من سقف معبد دندرة إلى مسلة كليوباترا..

نشر فى : الأربعاء 1 فبراير 2023 - 8:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 فبراير 2023 - 8:55 م
تقع دندرة غرب نهر النيل قبالة قنا، البلدة قديمة من أيام قدماء المصريين وبها آثار مدينة عريقة وتضم أحد أعظم معابد العالم الذى يحمل اسم المعبودة الشهيرة «حتحور»، تلك المعبودة التى تجسد كل صفات القوة والجمال والرعاية والخصب.
تجرى دوما فى المعبد عمليات ترميم لاستعادة الألوان الأصلية وخاصة اللون الفيروزى البهيج الذى يزين رءوس الأعمدة التى تحمل رأس حتحور: البقرة الجميلة.
وقد انتشرت فى الآونة الأخيرة صور للمعبد وفيه هذه الألوان الفيروزية البهيجة، مخفية قصة مثيرة عن انتزاع أهم أثر من المعبد واستبداله بنسخة فقيرة من الجبس.
والقصة تتعلق بانتزاع دائرة البروج السماوية من معبد دندرة ونقلها لفرنسا بعد أن تأكد للعلماء قبل 200 سنة أنها مفتاح لفك رموز علم الفلك عند قدماء المصريين بل وإعادة كتابة تاريخ الإنسانية وتفنيد ونقد الرؤى التى طرحتها الكنيسة الفرنسية عن عمر الحياة وتاريخ الإنسان.
ودائرة البروج السماوية تعد أهم كنز علمى وأثرى فى المعبد وقد تعرف عليها الفرنسيون أثناء الحملة الفرنسية على مصر خلال اقتحامهم الصعيد فى عام 1799.
النسخة الأصلية لدائرة البروج منتزعة من قنا وموجودة فى اللوفر يقول متحف اللوفر إن الفرنسيين «اكتشفوا» دائرة البروج السماوية وقدموها للعالم. وفى الحقيقة لا يمكن لأى زائر أو رحالة أن يصل لهذه القطعة الأثرية المعلقة فى سقف المعبد بالطابق العلوى فى غرفة محكمة الإغلاق إلا بدليل خبير عليم من أهل المكان ممن عاشوا وخبروا دهاليز المعبد.
خلال فترتهم القصيرة فى مصر التى لم تبلغ أربع سنوات وما أحاط بهم من تحديات الظروف الحربية والصراع ــ مع الإنجليز من ناحية والمماليك من ناحية ثانية علاوة على ثورة المصريين، فقد قام الرسامون المرافقون لحملة نابليون بنقل حرفى، أقرب فى دقته لكاميرا التصوير الحديثة، لكل ما تقع عليه أعينهم من الآثار المصرية. ومن بين ما تم تصويره بدقة دائرة البروج السماوية فى معبد دندرة.
ومن المدهش أن الشاب الذى لم يغادر باريس ولم يشترك فى الحملة ــ فرانسوا شامبليون ــ عكف على دراسة الصورة التى نقلها رسامو الحملة لسقف معبد دندرة واستخرج منها افتراضات تأريخية أثارت نقاشا وجدلا واسعا تسبب فى إعادة ترتيب التأريخ الحضارى.
الحقيقة أن شامبليون كان طفلا لم يبرح بلاده خلال حملة نابليون ولم يزر مصر إلا قبيل وفاته وبعد أن نشر أطروحته عن الأبجدية المصرية القديمة، وكل ما قام به من جهود جاءت من أعمال سابقة عليه ومن تصاوير للغة المصرية القديمة وبفضل علماء آخرين مهدوا كل الطريق إليه. وليس جديدا أن صراعا فرنسيا إنجليزيا نشب حول حقوق الملكية الفكرية لفك الرموز، وأن كل ما فعله شامبليون الشاب الصغير هو تطوير ما قدمه العلامة الموسوعى الإنجليزى «توماس يونج».
هناك آخرون قدموا لشامبليون معلومات على طبق من ذهب فى مقدمتهم الباشا محمد على الذى أطلق يديه فى 1828 فى رحلته التى جاءت لمصر ومعها نحو 15 باحثا من فرنسا وتوسكانيا (إيطاليا) وبتمويل من إمراء إيطاليين وبمنافسة من مهربى الآثار الكبار وفى مقدمتهم القنصل الفرنسى فى مصر آنذاك الجنرال «برناردينو دروفتى» أكبر ناهب لآثار مصر فى تاريخ ذلك القرن.
وفى طليعة من أسهم فى تعليم شامبليون القس المصرى «يوحنا شفتشى» الذى كان قد سافر إلى فرنسا فى 1809 لإلقاء بعض الصلوات للمصريين المسيحيين الذين كانوا قد تعاونوا مع نابليون وتركوا مصر فى الواقعة المشهورة المرتبط اسمها بـ «المُعلِّم يعقوب».
كانت فرضية شامبليون تقوم على أنه يمكن فك رموز الكتابة المدونة على حجر رشيد وغيره من النصوص بمعرفة أصول اللغة القبطية. وهنا يظهر دور القس المصرى الذى لجأ إليه شامبليون لتعليمه أسس هذه اللغة. وغنى عن البيان أن هناك مدرسة كاملة ترجع معرفة اللغة المصرية القديمة لقرون سابقة على شامبليون وغيره بفضل علماء عرب مثل ابن وحشية، ومن أبرز من درسوا ذلك وسجلوه عالم الآثار المصرى عكاشة الدالى فى رسالته للدكتوراه التى صدرت فى كتاب فى لندن عام 2008 بعنوان «علم المصريات.. الألفية المفقودة: مصر القديمة فى مؤلفات العصر العربى الوسيط». وقد توصل الدالى فى كتابه إلى أن فك رموز هذه اللغة كان معروفا قبل ذلك بعدة قرون وذلك على يد عالم الكيمياء العربى «أبو بكر أحمد بن وحشية» الذى ولد وعاش فى العراق فى القرن العاشر الميلادى.
الاستيلاء على دائرة بروج دندرة
رغم أن الحملة الفرنسية خرجت من مصر مهزومة، ورغم هزيمة نابليون فى أوروبا وعودة الملك لويس الثامن عشر إلا أن الحكومة الفرنسية واصلت اهتمامها بنتائج الحملة الفرنسية وسعت إلى الحصول على دائرة البروج بصخرها الأصلى ونقشها التاريخى وليس مجرد رسم دقيق لها.
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى ينتزع فيها الجنود الفرنسيون الآثار المصرية، فأهم أثر من العهد الفارسى فى منطقة برزخ السويس انتزعه أحد علماء الحملة ووثق ذلك فى بحث من بحوث موسوعة وصف مصر وطالب بلاده بأن ترسل من ينتزع بقية الأثر الفارسى من مصر حتى يمكن دراسته بوضوح، وهو أثر يعود إلى عصر دارا الأول.
لا عجب فى ذلك، فكتاب وصف مصر يصور الشعب المصرى شعبا من البائسين الفقراء يحكمهم مجموعة من اللصوص المماليك، ولا عناية لهذا الشعب بالآثار ولا علاقة له بتعقيداتها العلمية.
بعد خروج الحملة الفرنسية كان قد استولى على الحكم فى مصر محمد على باشا واستطاعت فرنسا فى عام 1820 أن تحصل منه على تصريح قانونى رسمى بانتزاع دائرة البروج السماوية من معبد دندرة.
تم استخدام البارود والمناشير فى تقطيع سقف معبد دندرة لانتزاع دائرة البروج السماوية التى فكت شفرة علم الفلك القديم، فنقلها العمال المصريون فى خدمة الفرنسيين وبأوامر محمد على باشا عبر المراكب فى النيل إلى الإسكندرية ومنها أبحرت إلى مارسيليا فوصلت الأراضى الفرنسية فى 9 سبتمبر 1821.
وقد أهديت للملك لويس الثامن عشر الذى وضعها بداية فى متحف اللوفر ثم أمر بوضعها فى المكتبة الملكية ثم انتقلت إلى متحف اللوفر بشكل نهائى منذ عام 1919.
مسلة كليوباترا.. على خطى دندرة!
ربما لا يدرك كثير منا أن التمثال المهيب الذى نحته محمود مختار قبل قرن من الزمن ويقف الآن غير بعيد عن محطة الرمل على ساحل الإسكندرية، يحاول أن يعوض خسارة وفقد أهم معلم أثرى فى كل الإسكندرية والذى كانت تمثله اثنتان من أعظم المسلات الفرعونية المعروفة تجاوزا باسم «مسلة كليوباترا».
وقد بلغت شهرة هاتين المسلتين أن الأقدمين كانوا يعتبرونهما النظير المقابل لأهرامات الجيزة. ففى المنطقة التى يقع فيها اليوم ميدان محطة الرمل وتمثال سعد زغلول كانت المسلتان تزينان ساحل المتوسط: واحدة واقفة منتصبة ممشوقة والثانية مستلقية على الأرض إلى جوار شقيقتها إثر زلزال ضرب المنطقة.
ورغم كل ما يزعمه الرحالة الغرباء وما يسوقه علماء الآثار فى القرون الحديثة من «اكتشاف» وجود المسلتين على ساحل الإسكندرية، فإن أول من سجل وجود هاتين المسلتين هو الرحالة والطبيب العربى عبداللطيف البغدادى قبل ما يزيد عن 800 سنة فى كتابه المعنون «الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر».
ظلت المسلتان على ساحل الإسكندرية قرونا متصلة، وتحت تهديد الديون التى وقع فيها الخديوى إسماعيل تم إهداء المسلتين: واحدة إلى إنجلترا ليتم رفعها فى لندن والثانية إلى الولايات المتحدة ليتم رفعها فى نيويورك.
وإذا كان محمد على باشا قد أهدى مسلة معبد الأقصر إلى فرنسا لترتفع فى سماء باريس طمعا فى التعاون والتحالف العسكرى والفنى فإن حفيده إسماعيل لم يبخل بالمسلتين على بقية القوى العظمى.
ولقد كشف علماء الآثار المحدثون أن النقوش التى على المسلتين ترجعهما إلى عهد الملك تحتمس الثالث (قبل 3500 سنة مضت) ثم لاحقا أضاف إليها الملك رمسيس الثانى مزيدا من النقوش.
ورغم أن المسلتين تتعلقان بتاريخ مصر القديم إلا أنه بعد مصرع كليوباترا وسقوط مصر فى قبضة الاحتلال الرومانى، أمر الإمبراطور الرومانى أغسطس بنقل المسلتين من موقعهما من العاصمة المصرية القديمة «أون» (عين شمس) ليتم نصبهما فى الإسكندرية وجاء موقعهما بجوار معبد شيد فى عهد كليوباترا فنسبت المسلتان إليها وصارتا تعرفان باسم مسلة كليوباترا ويظلان بها أكثر من يقرب من 19 قرنا من الزمن قبل أن يتم انتزاعهما ونقلهما إلى لندن ونيويورك، بمثل ما تم انتزاع دائرة البروج السماوية من دندرة فى الصعيد إلى اللوفر فى باريس.
 
عاطف معتمد الدكتور عاطف معتمد
التعليقات