التداعيات العالمية لما يحدث في أوكرانيا - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التداعيات العالمية لما يحدث في أوكرانيا

نشر فى : الثلاثاء 1 مارس 2022 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 مارس 2022 - 8:25 م

من المبكر توقع ما ستسفر عنه الأحداث فى أوكرانيا، ولكن من الممكن تقدير المواقف بحسب ما جاء على لسان كبار المسئولين. حيث تحمل الكلمات معانى بالغة الأهمية فى لحظات اندلاع الأزمات، وتكون أحيانا كاشفة ودالة عن الكثير مما يدبر له على مسرح الأحداث. فمثلا، الرئيس بايدن قال فى خطابه أن «بوتين معتدٍ»، ثم قال إن «بوتين اختار حربه». وإذا كان الغرض واضحا من الكلمة الأولى، فإن الكلمة الثانية تبدو مبهمة. فما هى حرب بوتين؟ هل هى إعادة الإمبراطورية الروسية كما تدعى الميديا الغربية؟ فى حين لو راجعت خطاب الرئيس بوتين الذى اعترف فيه باستقلال منطقتين فى شرق أوكرانيا، واعتبارهما جمهوريات مستقلة، ستجده أشار فى حديثه إلى خطأ ارتكبه «لينين»، قائد الثورة البلشفية وأول رئيس للاتحاد السوفيتى، لإنشائه دولة أوكرانيا من الأساس. ثم كرر شرح سبب تدخله فى شرق أوكرانيا قائلا: «لا يعترفون بأى حل لقضية دونباس سوى العسكرى». وأضاف فى المؤتمر الصحفى الذى جمعه مع الرئيس الفرنسى ماكرون قبل أيام من دخول روسيا لشرق أوكرانيا قائلا: «هل تستوعبون وجود الناتو على حدود روسيا الغربية، هل سأل أحد نفسه ماذا بعد، هل نواجه الناتو؟». وبين هذه الكلمات الكاشفة تدور الأمور على مسرح الأحداث فى أوكرانيا، والتى تتوسع تداعياتها وتمس العديد من الملفات العالمية.
• • •
أول الملفات تأثرا بالأحداث هى الأسواق المالية، التى شهدت تراجعات حادة، تفاوتت بين البلدان، لخصم قيمة ما حدث فى أسعار الأسهم والسندات والعملات، وانعكست صعودا على أسعار السلع مثل البترول والغاز الطبيعى والذهب. ثم عصفت الأزمة بسعر صرف الروبل مقابل الدولار، حيث فقد 40% من قيمته لينخفض من 77 روبل فى أول أيام الأزمة إلى 107 روبل فى اليوم الخامس للأزمة. ومن المرجح استكمال الهبوط بسبب عزل كبرى البنوك الروسية، لاسيما البنك المركزى، عن آلية السويفت، مما يعنى عمليا تعطيل قدرة البنك المركزى الروسى من مساندة الروبل. ولذلك لم تستوعب بعد الأسواق كيفية التعامل مع الأزمة المستمرة. فبينما خشى الجميع مع عقوبات تعزل روسيا بالكامل، إذا بالعقوبات مالية، وابتعدت بالكامل عن مجال الطاقة. وهو ما يعنى عمليا، استمرار عمل روسيا فى أسواق الطاقة بيعا وشراء ونقلا، فيما عدا خط «السيل الشمالى 2». علما بأن الخط الموازى «السيل الشمالى 1»، وغيره من خطوط نقل الطاقة الروسية إلى أوروبا، مستمرة بالعمل وتمد أوروبا بالطاقة! ويتضح من ذلك استهداف الغرب لمحاصرة النشاط المالى الروسى، وتوجيه ضربة اقتصادية موجعة لها تداعيات مؤلمة داخليا على الشعب الروسى، وتحد من قدرة روسيا للاستمرار فى العملية العسكرية لمدة طويلة. هذا واحتفظت روسيا لنفسها بحق الرد، والذى قد يشمل وقف ضخ الطاقة إلى أوروبا، مع ما يحمله ذلك من ارتفاعات قياسية فى سعر الطاقة عالميا! وعندما سئل الرئيس بوتين عن العقوبات الغربية، قال سيوقعونها على أى حال، وعلى روسيا التأقلم، وهى إشارة لطول أمد المواجهة. ولكن إلى أى مدى تستطيع روسيا الاستمرار؟
• • •
ثانى الملفات هى حالة النظام العالمى الذى يشهد تراجع للقوة الأمريكية، وصعود للقوة الصينية. والآن يشهد حالة من التمرد الروسى. والسؤال هنا، إلى أين يتجه هذا النظام العالمى؟ روسيا قالت إنها لا تتحدى النظام العالمى. لكن كيف سيكون الوضع لو قرر الغرب فصل روسيا عن النظام المالى العالمى، وإبعادها لخارج منظومة السويفت الخاصة بالتحويلات، لتلحق بإيران؟ فإذا كانت إيران نجحت على مدار عقود فى الإفلات من أثر العقوبات الاقتصادية عليها، فإن روسيا أيضا تستطيع الإفلات. وتستطيع تشجيع دول أكثر لاستبدال منظومة السويفت بنظام آخر للتحويلات، ومن ثم ينقسم العالم فعليا كما كان فى السابق أثناء الحرب الباردة. وبينما الغرب يسعى لمعاقبة روسيا اقتصاديا، بدون التأثير على النظام التجارى، والاقتصادى العالمى، فإن الخط الرفيع بين نجاح هذه الفكرة، وانقلاب السحر على الساحر، من السهل جدا أن يتم اختراقه. علما بأن قائمة الدول المستعدة لذلك فى زيادة. فوراء إيران، سوريا، وقد تلحق بها اليمن. ووراء روسيا، فنزويلا وكوبا، والكثير من دول وسط آسيا، وبعض من الدول الأفريقية. بمعنى آخر، مطاريد النظام الدولى، قد يتجمعون حول قيادة مثل روسيا فى بناء نظام موازٍ. ولم نتكلم بعد عن الصين، التى لديها نظام دولى موازٍ وجاهز بالفعل. فالصين لديها بنوك دولية للتنمية والإعمار، وللاستثمار، وتستطيع استبدال منظومة التحويلات والتسويات الدولية. ولدى الصين أيضا قضية تايوان، التى يستعملها الغرب لتحجيم الصين والتضييق عليها، مثلما يستعمل أوكرانيا مع روسيا. ولا ندرى هل تتبع الصين نفس النهج الروسى، أم ستستمر فى سياسة النفس الطويل. فى كل الأحوال، عناصر التحدى فى النظام العالمى كثيرة، ويجمعها تضرر من سياسات الغرب، ولديها عوامل للنجاح إذا اجتمعت على هدف مناوئ للغرب. والسؤال الأن، هل يتوسع التمرد؟
• • •
ومن ثم نصل للأمن وهو ثالث الملفات المرتبطة بالأزمة. فما تقوله روسيا إنها لم تصعد الموقف، ولكن واشنطن هى التى صعدت الموقف بانسحابها من معاهدة الحد من الصواريخ متوسطة المدى، ومن ثم أراد الناتو إعادة ضبط توازن القوة مع روسيا عبر التوسع شرقا. مما يعنى عمليا ضم أوكرانيا، وأبدت الأخيرة استعدادها للانضمام للناتو. وبالتالى ستجد روسيا نفسها أمام صواريخ متوسطة المدى على حدودها الغربية، مما يهدد قدراتها الصاروخية، ويحيد من ردعها النووى. وهذا الأمر أثار حفيظة القادة الروس حتى فى أضعف لحظات روسية عشية انهيار الاتحاد السوفيتى. وما من رئيس بدءا من يلتسين إلا وحذر الغرب من نشر صواريخ متوسطة المدى بالقرب من روسيا. وفى أثناء حكم الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، حاول نشر هذه الصواريخ فى بولندا، وردت روسيا على الفور بأنها لن تقف مكتوفة الأيدى وستقوم بعمل عسكرى ضد هذه الصواريخ أيا كانت التبعات. ولتوضيح ازدواجية المعايير فى هذا المقام، لاحظ موقف الولايات المتحدة من كوريا الشمالية التى تمتلك بالكاد بضع قنابل نووية، وصواريخ محلية الصناع قد تصل للساحل الغربى للولايات المتحدة. ومع هذا لم تتوانَ الولايات المتحدة فى التضييق على كوريا الشمالية، واستنفار دول الجوار الآسيوى لمحاصرتها! وفى المقابل يتوقع الغرب صمت روسيا أمام توسع الناتو بعتاده. ثم لاحظ عمليات اختطاف الدول واحدة تلو الأخرى فى مجال روسيا الحيوى. فلقد حاول الناتو التوسع فى جورجيا عام 2008 ولم يفلح بسبب التدخل الروسى أيضا. ثم كاد الغرب أن ينجح فى زعزعة استقرار بيلاروسيا بثورة ملونة العام الماضى، لولا تدخل روسيا. ونفس الشيء فعلوه فى كازخستان منذ أسابيع قليلة وأنقذت روسيا الموقف. فكيف تأمن روسيا توسع المنظومة الأمنية الغربية؟ وكيف يأمن آخرون؟ ولذلك نسأل هل يتوسع التمرد؟

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات