نشرت صحيفة الشرق الأوسط مقالا للكاتب «خالد القشطينى» جاء فيه أن التكرار قبيح فى الأدب، ولكنه كثيرا ما يصبح فضيلة فى الحياة، وكذلك الالحاح فى الطلب والقانون يفرض عقوبة أشد على المجرم العائد، ولكن الإعادة كثيرا ما تصبح فضيلة جديرة بالمدح عندما تكون نوعا من المثابرة والمصابرة. ومن ذلك قولنا: «إن عدتم عدنا، والعود أحمد». وتعتبر أحمد صيغة تفعيل من اسم الفاعل «حامد»، أو من اسم المفعول به «محمود». ولهذا المثل صيغ كثيرة تؤكد على فضيلة المثابرة والاستمرار فى المحاولة، وتحاشى اليأس والإحباط. ومن أقوالنا الدارجة: «فى الإعادة إفادة»، وهو مثل ما يستعمل فى حقل التعليم والدرس. ونقول فى العراق: «إذا طاب لك، فعاود»، ويقول الألمان: «إذا كان بالإمكان القيام بكل شىء مرتين، فكل شىء سيكون أحسن مما كان».
وللمقولة أصول وحكايات قديمة تدل على رسوخ الفكرة فى التراث العربى. ومنها تنسب حكاية إلى خداش بن حابس التميمى، الذى وقع فى حب فتاة من بنى سدوس يقال لها رباب، وبعد أن أفنى زمنا طويلا فى حبها، تقدم لخطبتها، فرده والدها لفقره، فخرج وحاول أن ينساها زمنا طويلا، ولكن حبها انغرس فى قلبه على نحو ما جرى لقيس بن الملوح. وجاء يوم مر به قوم من آل سدوس، كانت رباب بينهم، فخرج خداش هذا وانطلق يتغنى برباب:
قائلا ألا ليت شعرى يا رباب متى أرى
لنا منك نجحا أو شفاء فأشتفى
فقد طالما عيبتنى ورددتنى
وأنت صفى دون من كان اصطفى
لحا الله من تسمو إلى المال نفسه
إذا كان ذا فضل به ليس يكتفى
فينكح ذا مال دميما ملوما
ويترك حرا مثله ليس يصطفى
قال ذلك وسمعته رباب، فاستحسنته وأرسلت إلى قومها أن ينزلوا فنزلوا، ثم بعثت إلى خداش بأن يعود لخطبتها من والدها، ثم سألت أمها: «هل أنكح إلا من أهوى وألتحف إلا من أرضى؟ قالت: لا. فما ذاك؟ قالت: فزوجينى خداشا» فسألتها أمها: وما يدعوك إليه مع قلة ماله؟ فأجابتها: «إذا جمع المال السيئ الفعال، فقبحا لذلك المال». فكلمت أمها والدها فى ذلك، فقال: ألم نكن قد صرفناه عنا؟ ثم كان أن جاءهم خداش صباحا فقال: «العود أحمد، والمرء يرشد، والورد يحمد»، وأرسلها بذلك مثلا بين الأعراب.
والحكاية طريفة من حيث دلالتها على تأثير الشعر على العرب بما يطغى على تأثير المال. وقد سمعت بحكايات كثيرة معاصرة لشعراء أعرفهم شخصيا تزوجوا بمن هن أرقى منزلة منهم وأغنى مالا، وضد رغبة آبائهن دون ما سبب أو حيلة غير وقوع المرأة فى سحر شعرهم.
ويقال إن من اتخذ قول خداش هذا مثلا هو مالك ابن نويرة، حين قال:
جزينا بنى شيبان أمس بقرضهم
وعدنا بمثل البدء والعود أحمد