لم يكن مفاجئا تصريح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الخاص بإمكانية تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا بهدف منحها بداية جديدة. وهو تصريح استقبله نظام أحمد الشرع بابتهاج، وسعادة، فهو يرنو ببصره إلى الغرب أملا فى المساعدات، ورفع العقوبات، والتمتع بالشرعية. بالتأكيد، فإن دولا فى الخليج، وتركيا، وأطرافا أخرى سعت لدى الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ نظام بشار الأسد، أو على الأقل تخفيفها. وهى نفس الرسالة التى طرق بها أحمد الشرع أبواب باريس الأسبوع الماضى، فى أول زيارة أوروبية له، بعد الحصول على موافقة الأمم المتحدة، نظرا لأنه لا يزال يواجه هو ذاته عقوبات، وجولاته الخارجية أيا كانت وجهتها ينبغى أن يسبقها إذن من المؤسسة الأممية. أراد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أن يقوى نفوذه فى الشرق الأوسط من بوابة سوريا، مثلما سعى الشرع إلى دخول أوروبا من بوابة فرنسا. فقد تراجع النفوذ الفرنسى الخارجى عالميا، وبالأخص فى غرب إفريقيا، وشمال البحر المتوسط، ويكفى أن نتأمل الخلافات الشديدة بين فرنسا والجزائر التى أفضت إلى طرد متبادل للدبلوماسيين وقيادات أمنية فى سفارة كل منهما لدى الأخرى.
الخطاب الغربى المعلن للنظام السورى هو حماية كل السوريين، وفتح أبواب المشاركة، واستيعاب مختلف الأطراف، ولاسيما الأقليات والمرأة والشباب. ورغم انفلات قوى محسوبة على النظام فى التعامل مع العلويين والدروز وبعض المسيحيين، مما أدى إلى قتل وتخريب على الهوية، إلا أن الشرع يعرف جيدًا أنه ينبغى أن يسير على طريق حماية المواطنين، وإنه مع تخفيف العقوبات الأوروبية، كما هو متوقع فى مطلع شهر يونيو المقبل، أو العقوبات الأمريكية، فهو لا يزال فى مرحلة الاختبار، أو البداية الجديدة حسب تعبير ترامب، رغم أنه أمضى فى الحكم أكثر من خمسة أشهر، شهدت أحداثا مؤلمة، وترتيبات سياسية ملتبسة، ولكن ليس واضحًا ما دور نظام الشرع الذى يراهن عليه الغرب؟ هل فقط استقرار سوريا، واستيعاب أهلها فى منظومة سياسية تقوم على التعددية والمساواة والمشاركة؟ أم أن المطلوب أبعد من ذلك يتعلق باستيعاب الجهاديين فى نظام سياسى، لا يشكل خطورة على الغرب، ولعل ذلك هو ما أثاره البعض على هامش زيارة الشرع إلى فرنسا، وكان رده أن الجهاديين لن يسببوا مشكلات لأوطانهم، وأن هناك إمكانية لتجنيسهم فى سوريا طبقا للدستور والقانون. ولك أن تتخيل نظاما سياسيا يقوم على تشكيلات جهادية سابقة، يستوعب أجانب ذوى خلفية جهادية، ولا يشكل خطورة أو تحديا أمنيا لإسرائيل، وعلى استعداد أن ينخرط فى أية ترتيبات إقليمية تصب فى المصالح الغربية المباشرة.
لكن الإشكالية التى تواجه نظام الشرع هو امتلاك زمام الأمور، وتعزيز مصادر القوة لديه، والتغلغل فى إقليم الدولة استنادا إلى الشرعية، والمؤسسات، وأسس الدولة الحديثة، وبالإضافة إلى ذلك يحارب الإرهاب وفق المسميات الغربية. هل بالفعل يستطيع الشرع أن يقدم هذا النموذج؟ هل بإمكانه استثمار البداية الجديدة التى منحها له دونالد ترامب، ومن قبله إيمانويل ماكرون، ومن خلفه القادة الأوروبيون؟ أظن أن هذا هو التحدى الحقيقى. لم تفلح فى هذه المهمة التشكيلات الإسلامية التى وصلت إلى السلطة من قبل لأسباب متعددة، وأهمها أن فاتورتها الداخلية تجاه عناصرها، أشد وطأة من مهامها الخارجية، والتحدى الرئيسى الذى يواجه الشرع ليس خارجيا بقدر ما هو داخلى، يتصل بالقدرة على بناء مؤسسات الدولة الحديثة، ليس بعيون ترنو إلى الرضا الخارجى، بل بتطلعات الداخل فى بناء الدولة الديمقراطية التنموية الحديثة التى تقوم على المشاركة، واستيعاب مختلف التكوينات السياسية والعرقية والدينية.