تونس ولبنان.. الطبقة السياسية: حينما تخون المواطنين - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تونس ولبنان.. الطبقة السياسية: حينما تخون المواطنين

نشر فى : الأحد 1 أغسطس 2021 - 8:25 م | آخر تحديث : الأحد 1 أغسطس 2021 - 8:25 م
حينما تتصارع الطبقة السياسية فى أى بلد، خصوصا إذا كان ناميا، وتتدهور الأحوال المعيشية لأغلبية المواطنين، فإنهم يكفرون بهذا النوع من الديمقراطية والتعددية، خصوصا إذا كانت هذه الطبقة ترفل فى النعيم ورغد العيش والحسابات المتضخمة فى بنوك الخارج.
هذا هو أحد الأسباب الجوهرية للأزمة اللبنانية المستحكمة، وهو أحد أسباب الأزمة الراهنة فى تونس.
أى مواطن عاقل وسوى يتمنى أن يكون هناك دستور وقوانين وعدالة وديمقراطية وحريات وتداول للسلطة، فتلك هى الفطرة السليمة للمجتمعات عامة، لكن عندما تفسد الطبقة السياسية وتتصارع وتتنازع، ويدفع عموم المواطنين الثمن، فإن كل ما يشغلهم فى هذه اللحظة هى حياتهم ومعيشتهم، وربما يستغل بعض المستبدين هذه الحالة للاستمرار فى السلطة والعصف بكل ما بنته الشعوب من تراكم ديمقراطى.
الجميع عربيا وعالميا أشاد بالتجربة التونسية فى الحريات والديمقراطية وتداول السلطة، وتمنى توسعها عربيا، لكن النهاية التى وصلت إليها تجربة حركة النهضة الاخوانية فى تصارعها مع بقية القوى السياسية، ثم تحديها للرئيس قيس بن سعيد وعدم التفات الحكومة التى كانت تدعمها لهموم الناس، هو السبب المباشر الذى جعل غالبية التونسيين تؤيد إجراءات الرئيس قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وحل الحكومة وإقالة العديد من كبار المسئولين، وبدء محاكمات ضد الفاسدين.
المواطنون العاديون يتمنون أن يكون الدستور والقانون والتعدد والتداول طريقا لتحسين حياتهم، لكن إذا أدى ذلك إلى شلل للاقتصاد وتدهور المعيشة، فإنهم يكفرون بكل ذلك، ويبحثون عن المنفذ.
المجرم الحقيقى فى الأزمة التونسية هو من أوصل الأوضاع إلى هذا المستوى المتدنى خصوصا فى ملف الاقتصاد ثم الصراع السياسى.
وطبقا لاستطلاع أجراه المعهد الوطنى للإحصاء فى تونس، فإن تداعيات فيروس كورونا وعجز الحكومة عن التعامل مع الأزمة، جعلت ثلث الأسر تخشى نفاد الطعام فى العام الماضى.
الغضب الشعبى من الحكومة مرده خطوات محددة منها ارتفاع مدفوعات القروض ستة أضعاف حجم ميزانية الصحة فى البلاد.
وفى المقال الافتتاحى لصحيفة الجارديان البريطانية، صباح السبت الماضى فإن الحكومة التى كان الإخوان يدعمونها خططت لإلغاء دعم الخبز للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى بقيمة ٤ مليارات دولار، وهو الفرض الرابع خلال عشر سنوات.
فى نفس اليوم نشرت صحيفة الإندبندنت مقالا لمراسلتها فى الشرق الأوسط بيل ترو، تقول فيه إن معدلات البطالة وصلت الآن إلى ١٨٪، وحوالى ٤٠٪ بين الشباب.
مرة أخرى غالبية المواطنين العاديين يفضلون الديمقراطية، لكن بشرط جوهرى، أن تؤدى لتحسين أحوالهم. وفى الحالة التونسية انتهى الأمر إلى مناكفة وصراع عبثى بين القوى السياسية بشأن قضايا قد تكون مهمة للسياسيين، لكنها ليست كذلك لمن لا يجد عملا، أو لمن ضاقت به سبل العيش الكريم، أو لمن خسر عمله بسبب تداعيات كورونا، أو لمن فقد الأمل فى غد أفضل لأى سبب من الأسباب.
بالطبع الجدل بشأن من يقود من: الاقتصاد أم السياسة سيظل مستمرا، لكن من التجارب التى تشهدها الدول النامية وعالمنا العربى، فإن الأوضاع الاقتصادية ما تزال تلعب الدور الحاسم، والسياسة تستغل ذلك بصورة واضحة طوال الوقت.
فشل التجربة التونسية فى توفير حياة كريمة للتونسيين طوال السنوات الماضية لا يعنى بالضرورة أن الحكم الفردى هو القادر على توفير هذه الحياة الكريمة للناس وهناك عشرات النماذج الحديثة التى تدلل على ذلك، بل إن أضراره فى مرات كثيرة تكون أكثر خطورة. لكن النقطة الجوهرية التى يفترض أن نخرج بها من التجربة التونسية الأخيرة ومعها التجربة اللبنانية، هى أن خديعة الناس باسم التعدد والديمقراطية فى حين أن حياتهم تتدهور، لا يمكن أن تستمر طويلا، وأن الشعارات مهما كانت براقة، فهى لا تطعم الناس، وبالتالى فهى رسالة موجهة لكل الأحزاب والقوى والتنظيمات التى تعتقد أن الشعارات الفضفاضة والرنانة يمكن بمفردها أن تجعلها مستمرة فى الحكم للأبد.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي