صحافة هذا الزمان - فهمي هويدي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحافة هذا الزمان

نشر فى : الأحد 1 نوفمبر 2009 - 9:44 ص | آخر تحديث : الأحد 1 نوفمبر 2009 - 9:44 ص

 أراد أحد المنتجين السينمائيين فى إنجلترا أن يختبر مدى دقة الأخبار التى تنشرها الصحف الشعبية (التابلويد) فشكل فريقا من مساعديه لتزويد تلك الصحف بالأخبار الكاذبة ليتعرف على كيفية تعاملها معها.

روى المنتج كريس اتكينز تجربته لصحيفة «الجارديان» قائلا إنه كان بصدد إجراء بعض الدراسات الميدانية أثناء تحضيره لفيلم جديد باسم «ستارسكرز» (المعنى التقريبى المهووسون بالنجوم). ولأن نجوم السينما يلعبون دورا مهما فى الفيلم، فقد أراد أن يتعرف على الكيفية التى ترسم بها صورتهم فى وسائل الإعلام، وما إذا كانت الأخبار التى تنشر عنهم حقيقية أم مفتعلة، وما إذا كانوا هم مصدر تلك الأخبار أم أن المحيطين بهم ومديرى أعمالهم هم الذين يحرصون على ترويجها.

ما فعله صاحبنا أنه طلب من أعضاء الفريق الذى يعمل معه أن يقوموا بالاتصال المباشر بأقسام الأخبار فى تلك الصحف، ويزودونهم ببعض الأخبار الكاذبة، التى تتعلق بمشاهير الفنانين. من قبيل أن حريقا شب فى منحل تملكه المغنية إيمى واينهاوس.

وأن نجما كبيرا قرر التفرغ لكى يقدم عروض الأزياء التى يهواها، وأن ممثلة مشهورة خبيرة فى علم الفيزياء ولديها تلسكوب فى منزلها.. الخ. وما أدهشه أن تلك الأخبار المكذوبة كانت تنشر بسرعة وتبرز بشكل مثير فى اثنتين على الأقل من كبريات تلك الصحف.

وأن محررى الأخبار الذين نقلت إليهم هذه المعلومات لم يخطر على بال أحد منهم أن يجرى اتصالا هاتفيا بأولئك الفنانين للتأكد من صحة المعلومات التى بلغتهم أو لسماع تعليقهم عليها. النتيجة التى خرج بها من بحثه أن أخبار النجوم على الأقل حافلة بالتلفيق والأكاذيب، وأن مراسلى ومحررى الصحف الشعبية يبدون تسامحا كبيرا يجعلهم لا يدققون فى معلومات الأخبار التى يتلقونها، ويعتبرون أن أكثر ما يهم قراءها أن يشبعوا فضولهم فى التعرف على كل التفاصيل المتعلقة بنجوم الفن والرياضة، حتى إذا كانت تافهة وبلا معنى.

حين سقطت صحف التابلويد فى اختبار صحة المعلومات ودقتها، اعتبرت هذه فضيحة فى إنجلترا التى يضرب المثل بصحافتها فى رسوخ التقاليد والالتزام الصارم بها. ولم يخفف من وطأة الصدمة سوى أن نظرة المجتمع إلى صحف التابلويد أنها من ذلك النوع المنفلت الذى لا يعامل معاملة الصحف المحترمة التى لا تنشر الخبر إلا إذا أكدته ثلاثة مصادر على الأقل، وإذا أخطأت فى نشر خبر فعليها أن تعتذر علنا، وأن تدفع تعويضا ماليا لمن تضرر منه.

حين وقعت على القصة كان أول ما خطر لى السؤال التالى: لو أن الصحف المصرية تعرضت لذلك الاختبار، ماذا تكون النتيجة؟ لا أستبعد أن يكون الدافع إلى السؤال هو الضجة التى حدثت فى مصر خلال الأسابيع الأخيرة، فى أعقاب نشر أخبار خاصة بعلاقات بعض الفنانين تم تكذيبها وإحالة المسئولين عن نشرها إلى القضاء.

لكننى أزعم أن هذه الضجة الأخيرة ليست سوى عرض لمشكلة أكبر فى الصحافة المصرية تجاوزت مسألة التدقيق فى صحة الأخبار. وطالت مجمل تقاليد المهنة وأخلاقياتها. ذلك أن من يتابع التراشق الحاصل بين الصحف والأساليب المتدنية التى تستخدم فى المنافسة فيما بينها، إلى جانب عمليات التوظيف الأمنى للأخبار، الذى يختلق بعضها ويشوه البعض الآخر لتحقيق مآرب وتصفية حسابات معينة.

من يقف على هذه التفاصيل يقتنع فى نهاية المطاف بأننا بصدد مهنة تصدعت وأصبحت بحاجة إلى إعادة بناء من جديد، وإن ما بدا شذوذا فى الصحافة البريطانية هو قاعدة عندنا، علما بأننا لا نستطيع أن نقارن الصحافة بين البلدين إلا إذا قارنا أوضاع السياسة والحريات العامة بينهم وبيننا. إذ حينئذ سيعرف السبب، ليبطل بعد ذلك العجب. وأنت فاهم وأنا فاهم.




فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.