أوبرا بلا باروكة - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوبرا بلا باروكة

نشر فى : السبت 1 ديسمبر 2018 - 8:20 م | آخر تحديث : السبت 1 ديسمبر 2018 - 8:20 م

أن تحضر عرضا أوبراليا، وتظل براعة المخرج تلاحقك وتتبارى مع جمال الأصوات وخفة الأداء، هذا لم يحدث لي أبدا في مصر، فنحن هنا لازلنا ننظر لهذا الفن بشكل تقليدي بحت، يخلو من أي ابتكار. نقلص دور المخرج ويقتصر على الحركات الكلاسيكية المرسومة ووضعية المغنيين الثابتة على المسرح والمعروفة منذ عصر الباروك. وذلك بخلاف التطور الكبير الذي حدث خلال القرن الفائت، وتحديدا على مرحلتين في منتصف الخمسينات ثم السبعينات. لم تمر ثورة الإخراج الأوبرالي في الغرب بسلام، فظل البعض يعتبر مخرجي المسرح والسينما ومصممي الرقصات الذين وقفوا وراء تغيير الشكل التقليدي من الدخلاء أو المغردين خارج السرب. لم يرض بعض الجمهور وأحيانا الفنانين "المحافظين" أن تؤدي المغنية وهي مستلقية على الأرض أو وهي تعطي ظهرها للمشاهدين، في حين حرر المخرجون الجدد الحركة والشكل على المسرح، ما يجعلك تنسى أن هذه الأعمال يرجع تاريخها للقرن الثامن عشر أو التاسع عشر.
***
جمهور الأوبرا عادة محافظ أكثر من جمهور العروض المسرحية العادية والرقص الذي اعتاد الصيغ المعاصرة، لكن رغم هذا نجح العديد من المخرجين حول العالم في ترجمة معاني النص الأوبرالي والموسيقى بحيل وأساليب بصرية مختلفة. نقلنا بعضهم خارج زمن الأوبرا الحقيقي، فرأينا مثلا الخادمة في "زواج فيجارو" تتحول إلى سكرتيرة والخادم إلى مساعد كاتب عدل أو دارت أوبرا "لابوهيم" في أحد الأسواق الشهيرة بباريس، لذا سميت حقبة الثمانينات في مجال الأوبرا "بزمن المخرجين"، فهم من تواصلوا مع العصر وأعطوا لهذا الفن رونقا حداثيا جديدا.
رأيت مؤخرا عرض "إكسير الحب"، في أوبرا باستيل بباريس، للمؤلف الموسيقي الإيطالي جايتانو دونيزيتي الذي كتب هذا العمل عام 1832 في أربعة عشر يوما، وتدور أحداثه على مدار فصلين في قرية إيطالية صغيرة. البطلة تتحرك بنعومة مستلقية تحت شمسية بحر. تركب دراجتها. كتل التبن تغطي جو القرية وتساعد على الحركة، بل تجعل هناك مستويات مختلفة للمسرح. المجاميع تغني بحيوية. عالم كامل يتحرك. سينوجرافيا مدروسة بعناية. لا نتساءل لماذا يغني كل هؤلاء بانتظام، بل نشعر أن ذلك أمر طبيعي. حس فكاهة، دون ابتذال أو إقحام. وهي أشياء تميز كلها المخرج الخمسيني لوران بيلي، الحاصل على جائزة أفضل مخرج أوبرا لعام 2016.
***
يفهم هذا الأخير جيدا أن الحركة تكمن داخليا في موسيقى دونيزيتي، وأنه يجب اتباعها بدقة بالتشاور مع المايسترو، بعكس بعض الأعمال الأخرى التي تعطي مجالا للتصرف والتجريد مثل أوبرا "الكونت أوري" لروسيني التي قام بإخراجها دون الالتزام بإطارها السياسي أو الاجتماعي. يصمم أيضا لوران بيلي معظم ملابس العروض التي قام بإخراجها وهو الذي بدأ مشواره قبل أربعين عاما في سن الثامنة عشر. يحب أن يرسم شكل الشخصية على الورق ليدخل في مسامها ويدلف إلى رأسها. يرسم تعبيرات وجهها وهو يصمم الملابس. يضع الموسيقى التي يسمعها في جسد المغني. يروي الحكاية من خلال السينوجرافيا البارعة. يتعامل غالبا مع مهندسة الديكور نفسها (شانتال توماس). تعلم الغناء لمدة خمس سنوات تقريبا ليفهم ما الذي يحدث حين نغني، إضافة إلى دراسته للموسيقى في الطفولة.
كل هذه العوامل مجتمعة تدفعنا- حتى حين لا نعلم أنه وراء العمل- أن نسعى وراء معرفة اسم المخرج وتاريخه، فهو بطل العمل بلا منازع، هو من جعلنا لا نشعر أننا أمام قصة حب تقليدية من القرن التاسع عشر تنتهي بزواج البطل والبطلة، بعد أن رأب الصدع بينهما شراب الحب السحري الذي هو مجرد أكذوبة. أكثر من أربعين عملا أوبراليا وستين مسرحية ولا تزال أعماله شابة متدفقة، يقبل الجمهور عليها عند إعادة عرضها بعد سنوات، فوراءها شغل جاد وتفكير مبتكر تفتقر إليه الأعمال التي تقدم لدينا، مع الأسف، فليس بالضرورة أن يلبس البطل باروكة لويس الرابع عشر كي يصير العمل تاريخيا.

التعليقات