الكنيسة الحائرة بين الله وقيصر - جورج فهمي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكنيسة الحائرة بين الله وقيصر

نشر فى : الإثنين 2 يناير 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 2 يناير 2012 - 9:20 ص

سأل أحدهم يسوع الناصرى عن وجوب دفع الضريبة لقيصر، رد يسوع بعد أن نظر إلى العملة التى طبع عليها صورة قيصر: اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله. رغم انه لا خلاف على جوهر المبدأ الذى حكم العلاقة بين الكنيسة والسلطة السياسية لقرون طويلة، إلا أن الخلاف كان ومازال على حدود «ما لقيصر» الذى لا يجوز للكنيسة التدخل فيه و«ما لله» الذى يجب على الكنيسة الدفاع عنه. تزامنا مع موجات التحول الديمقراطى المتتابعة التى شهدها العالم خلال القرنين الأخيرين، واجهت الكنيسة سؤالا محوريا: هل انتهاكات حقوق الإنسان سواء كانت سياسية أو اقتصادية تندرج تحت بند ما لقيصر الذى يترك للعلاقة بين الحاكم والمحكوم ولا يجوز للكنيسة التدخل فيه، أم أنها حقوق الله الذى خلق الإنسان على «شكله ومثاله» و«كرمه» التى لا يجوز لأى قيصر الجور عليها أو انتهاكها.

 

●●●

 

منذ أن رفعت الثورة الفرنسية من قيم حقوق الإنسان والكنيسة الكاثوليكية تحاول أن تفك الاشتباك بين ما لله وما لقيصر. انحازت الكنيسة خلال القرنين الذين تليا الثورة الفرنسية لقيصر، فطلبت من المسيحيين طاعة أمراء الإقطاع وعدم الثورة عليهم، كما عارضت قيمتى الحرية والعدالة باعتبارها قيما غير مسيحية. ثم جاءت نقطة التحول فى الفكر الكاثوليكى خلال النصف الثانى من القرن العشرين، أثناء ما يعرف بمؤتمر الفاتيكان الثانى الذى عقد عام 1962، حين أدركت الكنيسة الكاثوليكية أن حقوق الإنسان تقع ضمن حقوق الله التى على الكنيسة حق بل وواجب الدفاع عنها، فبدونها يفقد الإنسان جزءا أساسيا من كرامته بل وإنسانيته ذاتها. فخرج القساوسة والرهبان وحتى الراهبات خلال السنوات التى أعقبت المؤتمر ليدافعوا عن حقوق المسيحيين السياسية والاقتصادية فى مواجهة أنظمة القمع السياسى والاستغلال الاقتصادى فى أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية. فى كلمات قليلة حسم بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثانى علاقة الكنيسة بالديمقراطية: إن دور الكنيسة ليس الدفاع عن الديمقراطية بل عن المسيحية، لكن حقوق الإنسان هى جزء أساسى من العقيدة المسيحية، فإذا كانت الديمقراطية تعنى حقوق الإنسان فهى إذا مهمة الكنيسة أن تدافع عنها.

 

أما الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فيبدو أنها مازالت حائرة بين الله وقيصر، غير واعية أن الحرية، العدالة، الكرامة الإنسانية، شعار ثورة 25 يناير، تندرج دون أى مواربة تحت ما لله الذى يتوجب على الكنيسة الدفاع عنه، ليس فقط لأتباعها من المسيحيين بل للمصريين جميعا لأن تلك القيم لا يمكن تقاسمها طائفيا، فهى إما موجودة ليتمتع بها المسيحى والمسلم على السواء أو أنها غير موجودة. على مدار سنوات طويلة أساءت الكنيسة القبطية تفسير «ما لله» و«ما لقيصر»، فأدارت ظهرها بعيدا بينما كان النظام السابق يقتل ويعذب وينكل بمن خلقهم الله لا لكى يعتقلوا، يعذبوا، يهانوا دون وجه حق بل لكى يعيشوا حياة كريمة.

 

بينما تتوالى التحديات فى مواجهة الثورة وأهدافها، لايزال الصمت يكتنف الكنيسة القبطية، وكأن الأمر لا يعنيها. فيبدو أن الكنيسة قد اتخذت موقع المشاهد فى انتظار انتهاء المعركة وتنصيب القيصر الجديد، حتى تدير علاقاتها معه كما كانت تفعل فى السابق. وعندما يأتى قيصر الجديد، ستعيد الكنيسة مطالبها القديمة حول حرية بناء الكنائس، لكن ما فائدة الكنائس الجديدة إذا كان المسيحيون، ومعهم المسلمون، يشعرون بالقهر والظلم، وغياب الكرامة. إن رسالة السيد المسيح ليست فى بناء هياكل خرسانية تزينها الصلبان، بل فى بناء إنسان ينعم بالحرية والعدالة والكرامة.

 

فى الوقت الذى تحاول فيه مصر ان تتحرر من تراثها القمعى المستبد، بات على الكنيسة القبطية هى الأخرى أن تتحرر من مواقفها القديمة، وألا تستبدل القيصر القديم بقيصر جديد. بات عليها أن تحسم خياراتها بين الله وقيصر، وأن تنحاز لحقوق المسيحيين والمسلمين فى نظام سياسى يكفل لهم حرية التعبير والتنظيم، ونظاما اقتصاديا يضمن العدالة الاجتماعية وحياة كريمة للجميع. إن حقوق الإنسان هى ذاتها حقوق الله التى لا يجوز التفريط فيها ويجب على المؤسسات الدينية، إسلامية أو مسيحية الدفاع عنها. فالإنسان هو عبدالله وليس لقيصر، وحقوقه هى جزء أساسى من «ما لله» وليس «ما لقيصر».

 

●●●

 

تحتفل الكنيسة القبطية خلال أيام بأعياد الميلاد، كم أتمنى أن أرى فى الصفوف الأمامية هذا العام، علاء عبدالفتاح وزملاءه من شباب الثورة، أتمنى أن أرى والدة الشهيد مينا دانيال ومعها كل عائلات شهداء، أتمنى أن أرى كل من دافع عن قيم الحرية والعدالة التى هى جوهر الديانة المسيحية، بدلا من دعوة ممثلى قيصر كما جرت العادة.

 

جورج فهمي أستاذ مساعد بالجامعة الأوروبية بفلورنسا
التعليقات