قبل إغلاق الورشة - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 14 نوفمبر 2024 4:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل إغلاق الورشة

نشر فى : الثلاثاء 2 فبراير 2021 - 8:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 فبراير 2021 - 11:47 ص

قبل حوالى 30 عاما شاهدت أول عرض مسرحى حى قام بتقديمه فنانون كانوا وقتها من الهواة ولكنهم اليوم من كبار النجوم وهم الفنانون: عبلة كامل وأحمد كمال وسيد رجب وكان العرض بعنوان داير داير عن ثلاثية الفريد جارى الشهيرة وقدمت العرض فرقة الورشة المسرحية عن معالجة أعدها الأخوان نجيب وخالد جويلى وأخرجها حسن الجريتلى بحسب ذاكرتى وما أتذكره جيدا أننى بقيت أنا ورفاقى فى الجامعة نرتاد المركز الثقافى الفرنسى بالمنيرة مساء كل يوم لنحظى بهذه الفرجة المسرحية الممتعة.
ومنذ أول ليلة عرض رسخت الورشة فى وعينا وبعمق مفهوم جديد للمسرح يناهض النماذج التجارية التى اعتدناها وتسربت إلينا عبر شاشة التلفزيون وكانت مصر فى تلك الأيام عامرة بإنتاج مسرحى تجارى، يجاور إنتاج يقدمه مسرح الدولة وكان فى معظمه جيدا، ففى تلك الأيام شاهدنا عروضا من نوعية العسل عسل والبصل بصل للمخرج الكبير سمير العصفورى احتاج دخولها لواسطة كبيرة ثم ظهرت مسرحية منين أجيب ناس لمراد منير عن نص نجيب سرور وبطولة محسنة توفيق وعلى الحجار وبعدها عرضت الملك هو الملك لصلاح السعدنى عن نص لسعد الله ونوس وإخراج مراد منير أيضا.
وفى تلك الأيام أيضا كان مسرح السامر لا يزال صامدا ومن خلاله تعرفت على أسماء وعروض لأهم مخرجى مصر فى الأقاليم وبعضهم نال الآن مكانة كبيرة مثل حسن الوزير وناصر عبدالمنعم والراحل صالح سعد وأحمد عبدالجليل وكانت عروض (السامر) نافذة مهمة تكشف عن ثروة لا تقدر بمال وعن طاقات إبداعية لا تنفد.
ومن رصيد تلك السنوات البعيدة ظلت فرقة الورشة عزيزة على قلبى وقريبة من عقلى ثم توثق الارتباط بها مهنيا بعد أن تابعت وكتبت عن أغلب عروضها طوال ما يقرب من عشرين عاما ونعمت بصداقة مع أغلب فنانيها وشاركتهم تجربة السفر خارج مصر ورأيت جهودهم فى عمان مع فرقة الفوانيس بقيادة الراحل نادر عمران لخلق تظاهرة مسرحية عربية تستعيد أنماطا من الفرجة الشعبية حيث انتقلت الفرقة إلى استكشاف فنون العرض التراثية التى سبقت دخول نموذج المسرح الغربى إلى العالم العربى، وقدمت تراث الحياة اليومية المعاصرة وصاغت عدة عروض منها: غزير الليل ــ غزل الأعمار ــ حلاوة الدنيا وليالى الورشة
وعبر سنوات استمعت شأن الكثيرين لشائعات كثيرة لاحقت الفرقة عن طبيعة تمويلها وهى مسألة لم تكن محل إنكار من مؤسسها وبعد أن مرت سنوات أصبح اتهام الفرقة بتقديم عروض سياحية استشراقية اتهاما متهافتا لا قيمة له، خاصة ان عروضها كانت تظهر هويتها المصرية والقومية على نحو لا لبس فيه.
وقد واصلت الفرقة العمل مع أسماء وطاقات فى مجالات فنية متعددة وفى الموسم الرمضانى الأخير وحده تألقت موهبة الممثلة اللامعة دنيا ماهر ومعها الفنان محمد عبدالعظيم وهو ممثل من العيار الثقيل فى مسلسل 100 وش وهما أيضا من بين خريجى الورشة ولعب عبدالعظيم قبل 20 عاما دورا لا ينسى فى مسرحية غزير الليل التى مثلت مصر رسميا فى واحدة من دورات المهرجان التجريبى.
وكان بإمكان الحركة المسرحية الرسمية الاستفادة بشكل أكبر من طاقات حسن الجريتلى كمخرج ومدرب تمثيل لو تمكن المسئولون آنذاك من إقناعه بالعمل مديرا لمسرح الهناجر عند تأسيسه إذ تعرضت تجربته فى الشهور الأولى لتأسيس المسرح لمشكلات جعلته غير متحمس للاستمرار فى إدارة المسرح الذى صاغت له الناقدة الكبيرة الدكتورة هدى وصفى شخصية متميزة رفدت الحركة المسرحية برافد مهم ورئيسى يقوم على الورش المسرحية ودعم الفرق المسرحية الحرة بشروط أفضل من تلك التى أتاحتها الفضاءات المسرحية الأخرى.
ومن المؤسف أننى تأكدت هذا الأسبوع من مؤسس فرقة الورشة الفنان حسن الجريتلى أن الفرقة على وشك التوقف عن تقديم عروضها الفنية لأنها عاجزة عن الوفاء بمتطلبات إنتاج أى عمل جديد، فى حين ستبقى الورشة مستمرة كمؤسسة للتدريب والعمل التنموى وفاء بتعاقدات تم إبرامها مع جمعيات أهلية تعمل معها الفرقة فى بعض الأقاليم خاصة المنيا وقنا.
يقول الجريتلى بسبب جائحة كورونا كوفيد 19 تغيرت سياسات التمويل فى مؤسسات دولية كانت تدعمنا وبالتالى ليست لدينا تصورات واضحة عن سبل العمل فى هذه المرحلة الانتقالية التى تشهد أيضا عدم اهتمام حكومى بدعم القطاع الثقافى المستقل
والأمر المؤكد أن توقف الورشة عن العمل خسارة كبيرة لعشاق المسرح وغيابها سيمثل فقدا شخصيا على نحو ما، فقد عملت الفرقة طوال 35 عاما بشكل مستقل بعيد تماما عن أشكال السيطرة الحكومية ونجحت فى إقناع الكثير من المؤسسات بأن الفن أساس عملية التنمية وهى قيمة ينبغى الحفاظ عليها، لذلك أضم صوتى لصوت الرمز الوطنى الكبير الدكتور محمد أبوالغار للبحث عن صيغة لإيجاد تمويل الفرقة تضمن استمرارها والحفاظ على كيانها.