جامعة تحكم دولة! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جامعة تحكم دولة!

نشر فى : الجمعة 2 يونيو 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 2 يونيو 2023 - 8:50 م
يتساءل الكثيرون دائما عن الأسباب التى تجعل مصر تعيش باستمرار رهينة لضغط الأزمات الخانقة، كالتى تمر بها حاليا، ويشعر بها جميع أبنائها، وعن عدم قدرتها على تحقيق التقدم المنشود، مثل دول أخرى كانت فى نفس ظروفنا لكنها حققت الطفرة التى غيرت وجهها، وجعلت لها مكانا مرموقا بين الأمم.
البعض يرجع ذلك لعوامل سياسية بحتة، مثل غياب تجربة ديمقراطية حقيقية منذ إعلان الجمهورية عقب إلغاء الملكية بعد ثورة 23 يوليو 1952، وعدم ترسيخ مفاهيم التداول السلمى للسلطة وتقييد الحريات والإعلام والتضييق على المجال العام ومؤسسات المجتمع المدنى.
ربما تكون تلك الأسباب صحيحة، لكنه لا يمكن الارتكان إليها فقط فى تفسير تعثر مصر الدائم وتعرضها للأزمات المتلاحقة، ذلك أن هناك دولا أخرى ليس لها تجربة ديمقراطية راسخة، لكنها حققت الطفرة التى لا نزال نحلم بها هنا، والسبب فى تقديرى يعود إلى عدم الاستثمارالحقيقى فى العلم والبحث العلمى.
الصديق العزيز الدكتور أسامة حمدى، أحد الوجوه المشرقة لمدرسة الطب المصرية، وأستاذ أمراض الباطنة والسكر بجامعة هارفارد الأمريكية، والمثقف الموسوعى المهموم بالهوية المصرية والتاريخ المصرى القديم، كتب موضوعا على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، بمناسبة مرور ربع قرن على التحاقه بالتدريس والبحث العلمى والعمل الإكلينيكى فى الجامعة الأمريكية العريقة، تحدث فيه عن «هارفارد.. الجامعة التى تحكم دولة»، ربما يفسر ومن دون أن يقصد سبب عدم بناء مصر تجربة تقدم حقيقية على مدى العقود الماضية.
يقول حمدى خريج كلية الطب جامعة المنصورة، وابن الدقهلية البار: «جامعة هارفارد ــ كما نعرف ــ أقدم جامعات أمريكا وأعرقها، وتقود سياسة أمريكا واقتصادها، فمنها يتخرج كبار القادة فى جميع مجالات الحياة، ولا يلتحق بها، أو يتخرج فيها، أو يعمل فيها إلا من يستحق، دون النظر إلى منشأه، أو دينه، أو لونه، أو جنسه».
ويتابع: «هارفارد هى بلا شك لؤلؤة أمريكا التى تثمر لهم كل يوم؛ فوقف الجامعة من تبرعات خريجيها والمحبين لها وصل إلى ٥٠٫٩ مليار دولار، أى ما يقرب من مجموع ميزانيات عدة دول! وربما يعتقد البعض أن دخل الجامعة الذى يقارب ٥٫٨ مليار دولار سنويّا، يأتى من مصاريف الطلاب! لكن الحقيقة أنه لا يمثل سوى ١٠٪ فقط من دخل الجامعة، فنحو ٥٤٪ من دخلها يأتى من تبرعات الأهالى والخريجين والشركات، و٣٦٪ من دخلها يأتى من ريع الوقف الذى يتنامى مع الاستثمارالجيد له، والذى كان يديره يوما الاقتصادى المصرى الناجح الدكتور محمد العريان. ورغم كل ما تصرفه على الأبحاث فإن فائض ميزانيتها يبلغ ٤٠٨ ملايين دولار سنويّا، يعاد استثمارها فى الطلاب والابحاث».
وسر تميز الجامعة يكمن فى ثلاثة أشياء؛ أولها الاستثمار الضخم فى الأبحاث العلمية، فكلية الطب وحدها تنشر سنويا ٢٢ ألف بحث علمى جاد، قد يؤدى أى منها إلى براءة اختراع، أو تطبيق تنتج عنه شركة منتجة، تسهم لاحقا فى دعم الجامعة، فترى الجامعة أن كل دولار تستثمره فى الأبحاث يعود عليها بمقدار ٢٫٤ دولار من النشاط العلمى، ويكفى أن تعرف أن مستشفى واحدا من مستشفياتها نتج عن أبحاثه ٢٧٠ شركة منتجة، ويملك المستشفى الآن نسبة أسهم فى كل شركة منهم. فبراءة الاختراع الواحدة قد تصل إلى مليار دولار.
ثانى أسباب النجاح ــ كما يقول ــ هو الاختيار الأمثل والدقيق جدّا لطلاب الجامعة، دون النظر إلى الاعتبارات المادية، فغير القادر قد تتكفل الجامعة بجميع مصاريفه، أو تعطيه منحة أو قرضا لاستكمال دراسته.. فالجامعة تهدف إلى إعداد قيادات محلية وعالمية، فهم سندها فى المستقبل، فدعمهم لها برد الجميل عند نجاحهم سياسيّا واقتصاديّا وماديّا مهم جدّا لاستمرار عجلة التميز، فتجد خريجى هارفارد فى المناصب القيادية فى جميع أنحاء العالم، وليس فى أمريكا وحدها. وتميزهم ليس فى الاقتصاد والسياسة وحدهما؛ ولكن تراهم مميزين فى الأدب، والرياضة، والفنون، فبجانب أن ثمانية من خريجيها شغلوا منصب رئيس الولايات المتحدة، هناك ٤٨ خريجا حصلوا على جائزة بوليتزر الشهيرة فى الصحافة والأدب والموسيقى.
وثالث عوامل النجاح والتميز هو اختيار العاملين فيها من أعضاء هيئة التدريس والبحث العلمى والعمل الإكلينيكى، فهم معينها الذى لا ينضب.. فالجامعة تخلق جوّا تنافسيّا علميّا رائعا، لا يمكن فيه إلا أن تجيد لتبقى.
انتهى كلام الدكتور أسامة حمدى، الذى يرسم بلا شك لمصر وغيرها من الدول التى تمر بنفس الظروف، خريطة طريق واضحة المعالم للخروج من نفق الأزمات الممتد منذ عقود مضت.. فالتقدم الحقيقى للأمم لابد وأن يعتمد على العلم والبحث العلمى، وليس «الفهلوة» أو «الدروشة»، والاستثمار الحقيقى فى هذا المجال ــ وليس فى المبانى الأسمنتية فقط ــ الوسيلة الوحيدة لبناء دولة قوية قادرة على حماية مصالحها وفرض إرادتها فى محيطها.
التعليقات