لنمعن النظر فى موضوع الجهاد التكفيرى البربرى بكل أشكاله وتلاوينه: أولا، هناك دلائل، من خلال مئات المقالات التى ظهرت فى كبريات الصحف الغربية ومئات المقابلات التليفزيونية على المحطات الغربية، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعى، بأن بعض المخابرات الغربية والمخابرات الصهيونية قد لعبت أدوارا أساسية فى تجييش وتنظيم وتدريب وتسليح وتمويل شتى أنواع الفصائل ودويلات الخلافة الإسلامية فى طول وعرض العرب. ما عاد هذا حديثا يتداول بين جهات محدودة. لقد أصبح حديث الجميع، بينما لا تكذبه جهات الاستخبارات المتهمة.
ثانيا، ما كان لدوائر الاستخبارات تلك، وبموافقة ضمنية من قبل حكوماتها، أن تنجح بهذا الشكل المبهر فى استقطاب عشرات الألوف من الأعضاء الفاعلين ومئات الألوف، إن لم يكن الملايين، من المتعاطفين لولا البيئة الثقافية الدينية الإسلامية المتخلفة التى بنتها ورعتها الاختلافات المذهبية العبثية والصراعات الطائفية عبر القرون. ولقد استطاعت بعض الأنظمة السياسية وبعض الأحزاب السياسية الإسلامية وعدد كبير من رجال الفقه المتزمتين الجهلة وأعداد متنامية من وسائل الإعلام البصرية والسمعية ومناهج دراسية مزوٍرة للتاريخ والفقه، استطاعوا جميعا رعاية ونشر تلك الثقافة الفقهية المليئة بالأحاديث النبوية الموضوعة وبفهم بعض شيوخ وعلماء الفقه الخاطئ لروح الإسلام ومقاصده الكبرى.
اليوم تسلط الأضواء على الكثير من مصادر ذلك الفقه لتحليله ونقده ومحاولة تصحيحه وتجاوزه فى شكل محاولات جادة يقوم بها باحثون وكتاب موضوعيون صادقون فى غيرتهم على دينهم الحقيقى الذى تشوه كل ما فيه من سمو وروحانية وكرامة إنسانية جماعات تريد قلبه إلى دين بدائى بربرى لا يمت بأية صلة لدين الحق والقسط والرحمة والتسامح الذى أوحى إلى نبى الإسلام (صلعم).
•••
إلى هنا والصورة واضحة تحليلا وأسبابا وأيادٍ خفية تشعل نيران الفتن والصراعات.
لكن هناك جوانب لابد من طرح الأسئلة بشأنها بكل صراحة ودون أية مجاملة. هذه الجوانب تتعلق بالأدوار الخفية التى تلعبها بعض الأنظمة السياسية العربية وبعض ثروة البترول العربية وبعض جهات الاستخبارات العربية. وذلك أنه من غير المعقول أن تنجح بعض دوائر الحكم والاستخبارات الأجنبية والصهيونية ذلك النجاح المبهر فى إدخال كل الأرض العربية فى نيران الجحيم الذى تعيشه الأمة العربية دون أن تحصل على مباركة أو مساعدة أو تنسيق من قبل بعض الجهات الرسمية والاستخبارية العربية.
ما عاد بخاف مثلا، حسب قول العديد من الكتاب والمعلقين والإعلاميين الغربيين، أن بعض الاستخبارات الأجنبية تشترى السلاح لبعض الجهاديين التكفيريين من خلال جهات رسمية عربية.
كما ما عاد بخاف أن بعض الجهات الاستخباراتية العربية، فى بعض الدول العربية، تعرف بالاسم الكثير من أعضاء الفصائل الجهادية المجنونة الحالى غسل أدمغتهم وتدريبهم، وتعرف أيضا المتعاطفين والمناصرين من السياسيين ورجال الأعمال وغيرهم، ومع ذلك تكتفى، كما تدعى، بمراقبتهم فقط.
هذا الدور العربى ما عاد بالإمكان تجاهل غموضه، إذ إن بعضه، بقصد أو بدون قصد، لا يساعد فقط فى تأجيج نيران الجهاد التكفيرى المتوحش المجنون، وإنما يساعد أيضا فى تدمير مجتمعات وأقطار عربية باسم مساعدة هذا الشعب العربى أو ذاك أو رفع لواء الديمقراطية فى هذا القطر العربى أو ذاك من قبل جهات هى فى الأصل غير ديمقراطية، لكنها ألاعيب الانتهازية السياسية فى بلاد العرب وهى تحرق الأخضر واليابس.
الجانب الآخر الذى آن أوان طرحه أيضا يتعلق بوقوف المجتمع المدنى العربى كجهة سلبية متفرٍجة على كل ما يجرى دون أن ينتقل إلى مرحلة الفعل النضالى على المستوى القومى لمواجهة المرض الجهادى الذى أنهك جسد الأمة ويهدد بتهميشها خارج العصر والتاريخ.
•••
هذا موضوع معقد للغاية ولكن أن توجد إمكانية اختفاء على الأقل أربعة أقطار عربية، لتصبح كيانات طائفية أو عرقية، ومع ذلك لا توجد حتى محاولة تكوين تيار أو جبهة من القوى المدنية العربية المواجهة، على كل المستويات وبشتى الوسائل الكثيرة الحديثة المتوفرة، لهذا السقوط السياسى والأخلاقى والأمنى والاقتصادى الذى يعيشه الوطن العربى، فإن ذلك ينبئ بالفعل بقرب موت الأمة. نحن لا نبالغ على الإطلاق. فالخطر هائل وشبه محقق.
إن جيوش العرب الممزقة المرتهنة للفساد السياسى، وقوى الأمن المشغولة بمحاربة شباب ثورات وحركات الربيع العربى وإرجاع المجتمعات العربية إلى وضع السكون والاستكانة، وقوى الإسلام السياسى الخائفة المترددة والحكومات العربية المتناحرة فيما بينها... جميع هؤلاء لن يدحروا قوى الجهاد التكفيرى العنفى الأحمق. الذى سيدحرهم تحرك المجتمعات العربية نحو الوعى والفعل وقبول التحدى. عند ذاك لن تستطيع هذه الجهة العربية أو تلك الوقوف مشلولة أو متآمرة أو متجاهلة بينما تمتدُ الحرائق كل يوم ويسرح المجرمون فى أرض العرب.