فى مقاله «لماذا لن تنجح خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة لإنهاء حرب غزة؟»، فَنَّد الدبلوماسى الأمريكى مايكل راتنى فى صحيفة «هآارتس» خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة. قال إنها تتضمن بعض الجوانب الإيجابية مثل إلزام بنيامين نتنياهو بعدم احتلال قطاع غزة أو تهجير سكانه، وهذا أمر مطمئن بعض الشىء، لأن فكرة «ريفييرا غزة» التى طرحها ترامب سابقا استندت إلى تهجير سكان القطاع. لذا، عدم التطرق لهذه النقطة الآن أمر جيد، بجانب إشارات فى الخطة نحو إنشاء حكم ذاتى فلسطينى وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وهى كلها إشارات يعارضها شركاء نتنياهو فى الائتلاف الحكومى.
استطرد راتنى قائلا إن رغم ترويج ترامب للخطة على أنها ستحول أوضاع الشرق الأوسط وأنها تغيير جوهرى فى الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى، إلا أنها ليست كذلك. ولكن، على الأقل إذا نُفذت، ستكون أفضل بكثير من استمرار شلال الدماء الحالى.
حلل الكاتب ثغرات واسعة فى الخطة، أهمها إشكاليتان:
الأولى: أن الانسحاب العسكرى الإسرائيلى من غزة قائم على معايير وأطر زمنية مرتبطة بنزع سلاح حماس، مما يعنى أن الأمر سيخضع تماما لتقدير إسرائيل، التى بدورها ستجادل بأنها تحتفظ بالمسئولية الأمنية فى القطاع لحماية أمنها القومى. إذن، فالحديث وقتئذ عن تنفيذ انسحابها سيكون سرابا.
بينما الإشكالية الثانية تتعلق بالنص الخاص بقيام الدولة الفلسطينية، حيث نصت الخطة على: «بينما يتقدم مشروع إعادة إعمار غزة، وعندما يُنفذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتوافر أخيرًا الظروف اللازمة لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطينى وإقامة الدولة». مما يشير إلى أنه حتى إذا أجريت الإصلاحات فى السلطة الفلسطينية، فهذا ليس ضمانا كافيا لقيام الدولة.
بعد إعلان الخطة، رحبت بها دول الإقليم مشددين على آليات تضمن الانسحاب الإسرائيلى الكامل. وهذا يعكس ما ينقص فى خطة ترامب: «وجود آلية إلزامية وفق جدول زمنى محدد لانسحاب إسرائيلى كامل». لأن حتى قبول نتنياهو بالخطة ليس ضمانا كافيا للمحيط الإقليمى.
كما تطرح الخطة مشكلة وجودية لحماس، إذ تشترط نزع سلاحها بالكامل، وهذا يعتبر خضوعا واستسلاما تاما بالنسبة لحركة تُعرّف نفسها بالقتالية والعناد. وهذا مستحيل، لأنه بمثابة طلب بأن تفكك نفسها وتكف عن كونها «حماس». وما يزيد من صعوبة الأمر أن هذا الشرط يوجب تنفيذه قبل الانسحاب الإسرائيلى الكامل.
جادل الكاتب أن الخطة جاءت محبطة، لأنه أكثر شخص الآن لديه أوراق ضغط لينهى مأساة غزة ويحسّن من مسار الصراع. فالعالم كان يأمل أن يُستغل نفوذه من أجل الخير، وبدلا من ذلك أهدانا خطة تثير الكثير من الأسئلة، مثل: هل يستطيع أو هل سيرغم نتنياهو على قبول دور حقيقى للسلطة الفلسطينية فى غزة، ومسار - مهما كان مشروطًا - نحو الدولة الفلسطينية؟ هل يستطيع ترامب أن يؤثر على حماس كى تتخلى عن سلاحها وتغادر قطاع غزة، وبالتالى تقبل الهزيمة؟ هل يمكنه إقناع السلطة الفلسطينية بقبول دور محدود فى البداية، مع التزام إسرائيلى فاتر بقيام الدولة الفلسطينية؟ الانشغال بكل هذه التفاصيل لم يكن أبدا المكان الذى أراد ترامب أن يبعثر طاقته فيه.
يرى الكاتب أن ميول ترامب تتلاقى مع ميول المنطقة العربية بعض الشىء، فالعرب يريدون حلا لقضيتهم، وترامب يريد شرق أوسط هادئا نسبيا بشكل يسمح بإدخال الاستثمارات وفتح أبواب للتجارة. لكن، طالما أن الأخبار والتوقعات كلها متجهة لمزيد من المجازر فى غزة، ومع خطة توحى بإضفاء شرعية على استمرارها، فإنه من الصعب التفاؤل بإمكانية حدوث ذلك.
فى النهاية، أود الإشارة إلى أن كل الخطط والمبادرات تبقى رهينة بقدرة الأطراف على تحويل الكلمات إلى أفعال، والوعود إلى واقع ملموس. فالمعادلة ليست فى الأوراق ولا فى المؤتمرات الصحفية، بل فى مصير شعب يعيش بين الدمار والحصار، وفى مستقبل منطقة تبحث عن سلام عادل لا ينهض على القوة وحدها، بل على العدالة، الحرية، والكرامة الإنسانية.
قد تُكتب الخطط فى العواصم البعيدة، لكن التاريخ سيحفر هنا، على أرض غزة، حيث الامتحان الحقيقى لإرادة السلام.
مايكل راتني
صحيفة هآارتس
مراجعة وتحرير: رقية محمد السيسي