الدبلوماسية فى ملعب الرياضة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدبلوماسية فى ملعب الرياضة

نشر فى : الإثنين 3 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 3 يونيو 2013 - 11:13 ص

اعداد/ أيمن ابو العلا

كتب كل من ديديه بيون المدير المساعد بمعهد الدراسات الدولية والاستراتيجية بباريس، وبيم فرشيرن الباحث بالمعهد ولاتيتا كليشمنش الباحثة المساعدة بالمعهد، دراسة بعنوان «فرص يمكن أن تتيحها دبلوماسية رياضية فرنسية» تناولوا فيها مقومات الدبلوماسية الرياضية الفرنسية، وتطور السياق الجيوسياسى للرياضة العالمية وسبل تحقيق فرنسا الاستفادة المثلى من هذا السياق، وكيفية استخدام الرياضة كوسيلة من وسائل الدبلوماسية الشعبية.

 

سنحاول فى السطور التالية عرض الفكر الفرنسى للاستغلال الدبلوماسى للرياضة، وهو الأمر الذى نحتاج إليه فى فترة لا نزال نبنى فيها تصورنا لمصر ما بعد الثورة.

 

●●●

 

العديد من الدول فى عالم اليوم تسعى للاستفادة من الدعاية المصاحبة للبطولات الرياضية الدولية والتى تضفى وتعكس مكانة دولية للدولة المنظمة للبطولة مما يجعل تنظيم تلك البطولات أحد استخدامات القوة الناعمة فى السياسة الدولية. ولكن تنظيم تلك البطولات يعتبر المحدد الأول من اثنين لقوة الدولة على مستوى الدبلوماسية الرياضية، فالمحدد الآخر هو تمثيل الدولة فى الاتحادات الرياضية الدولية الكبرى واللجنة الأوليمبية الدولية.

 

وإذا طبقنا هذين المعيارين على فرنسا سنجد أنها وإن كان ملف «باريس 2012» خسر أمام ملف لندن 2012 بفارق ثلاثة اصوات فقط فإن فرنسا على مدى العقدين السابقين قد نجحت فى تنظيم العديد من البطولات والفعاليات الرياضية الدولية مثل الألعاب الأوليمبية الشتوية 1992 وكأس العالم لكرة القدم 1998 وبطولة العالم للجودو 2011 وللكاراتيه 2012 ودورة الألعاب العسكرية 2013. هذا بالإضافة إلى تنظيمها لمسابقات فرنسية ذات طابع دولى مثل سباق الدراجات الشهير «تور دو فرانس».

 

وبالنسبة لتمثيل فرنسا فى اللجنة الأوليمبية الدولية فهناك ثلاث شخصيات فرنسية يتقلدون مناصب رفيعة فى تلك اللجنة. أما الاتحادات الرياضية الدولية فنجد أن التواجد الفرنسى كبير فى المناصب الثلاثة الأساسية لتلك الاتحادات. ففرنسا تتمتع بمنصب رئيس الاتحاد الدولى لكرة السلة وتسيطر على منصب سكرتير عام الاتحاد الدولى لكرة القدم وألعاب القوى والكرة الطائرة والجودو والمصارعة الرومانية، وتحتفظ بمنصب نائب الرئيس فى الاتحادات الدولية للملاكمة وكرة القدم والجمباز والخماسى.

 

ويجب ألا نغفل كذلك وجود ميشيل بلاتينى على رأس الاتحاد الأوروبى لكرة القدم وهو الأمر الذى ساهم لحد كبير فى جعل فرنسا تفوز باستضافة بطولة اليورو لكرة القدم فى 2016. ولكن إذا كانت فرنسا تمتلك المقومات التنظيمية والتمثيلية، فلماذا إذن لم تنجح فى ملف «باريس 2012»؟ للإجابة عن هذا التساؤل لابد أن نستعرض سريعا تطور السياق الجيوسياسى للرياضة العالمية.

 

●●●

 

فى ظل الحرب الباردة كان تنظيم البطولات الرياضية محصورا على الدول الغربية إلا أن التعددية القطبية التى بدأت فى التبلور بعد انهيار الاتحاد السوفييتى قلبت الموازين الجيوسياسية التقليدية وهو الذى شجع على صعود قوى جديدة الأمر الذى انعكس على المجال الرياضى. فنجد أن العديد من الدول مثل البرازيل وجنوب إفريقيا والصين والهند وروسيا وقطر وتركيا وكوريا الجنوبية تستثمر فى سوق تنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى وذلك لتحقيق أغراض اقتصادية وسياسية وكتعبير عن المكانة الدولية.

 

اليوم المنافسة على تنظيم الفعاليات الرياضية أصبحت أصعب بسبب زيادة أعداد المتقدمين للتنظيم. ويشرح الباحثون كيف أن كل الملفات المترشحة التى تصل إلى المرحلة النهائية للتصويت فى اللجنة الأوليمبية الدولية تكون جميعها فى حالة ومواصفات ممتازة وكلهم أهل لتنظيم الفعاليات.

 

إلا أن الذى يفصل فى النهاية لا يكون بالضرورة أمورا تقنية مثل البنى التحتية والمواصلات وإنما تكن أمورا أخرى، مثل القدرة على طمأنة الاتحادات من حيث التعامل مع الإشكاليات القانونية الداخلية المتعلقة بتنظيم الحدث، ودرجة الاستقرار السياسى للدولة المرشحة، ووزن اللوبى الخاص بالدولة وقدرته على التأثير، ويرى الباحثون أن هذا الأخير كان السبب الرئيسى فى خسارة باريس الأخيرة أمام لندن.

 

●●●

 

وبعيدا عن تنظيم الفعاليات الرياضية الدولية الكبرى والتمثيل الوطنى فى الاتحادات واللجان الرياضية فإن الرياضة يمكن استخدامها كأداة للدبلوماسية الشعبية، والمقصود بالدبلوماسية الشعبية هنا هو التوجه نحو الشعوب الأجنبية باستخدام طرق مختلفة مثل الأداة الإعلامية والعلاقات الثقافية والتبادل التجارى بعكس الدبلوماسية الكلاسيكية التى تتجه نحو حكومات الدول. ونجد أن الهدف الأسمى للدبلوماسية الشعبية هو تحسين الروابط مع الشعب الآخر مما قد ينعكس على العلاقة مع حكومة هذا الشعب.

 

هناك هدف آخر للدبلوماسية الشعبية وهو العمل على نشر ــ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ــ قيم معينة على المستوى السياسى. فعلى سبيل المثال أثناء الحرب الباردة كانت الدبلوماسية الشعبية الأمريكية تأمل فقط فى نشر النموذج الاجتماعى والاقتصادى والثقافى والسياسى الأمريكى وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد السوفييتى الذى كان يطمح فى نشر النموذج الشيوعى.

 

يشرح الباحثون كيف أن الولايات المتحدة اليوم تستخدم الدبلوماسية الرياضية كوسيلة من وسائل الدبلوماسية الشعبية وذلك عن طريق دعوة شباب الرياضيين إلى الأراضى الأمريكية لإيضاح نجاحها على المستوى الاجتماعى والتعليمى والسياسى والرياضى.

 

وهناك جزء من البرامج الرياضية الأمريكية يهدف إلى تنمية الممارسة الرياضية النسائية فى دول معينة وذلك عن طريق إرسال المدربين واللاعبات وتنظيم معسكرات رياضية خاصة للنساء... إلخ. وعنوان هذه البرامج Empowering women يوضح الرغبة الأمريكية فى نزع ذكورية الوسط الشعبى لبعض الدول. وبنفس المنطلق نجد مصطلح «اللعب العادل» Fair-Play الذى يهدف إلى احترام القواعد الرياضية، يمكن أن يكون له أثر حقيقى على بعض البلدان.

 

●●●

 

ويدعو الباحثون فرنسا للاستفادة من خيار الدبلوماسية الشعبية الرياضية، فمصطلح الرياضة للجميع Sport pour tous الذى يعتبر نموذجا لترويج الرياضة على المستوى القومى يمكن أن يستخدم بنفس الطريقة ولكن على المستوى الدولى. وهو نهج لن ينعكس فقط على الشعوب بل على التصويت لصالح فرنسا فى المؤسسات الرياضية فقد سبق أن استخدمت إنجلترا هذا النهج بتطويرها للرياضة فى إفريقيا وهو ما أوصلها للندن 2012. وفى الختام نتساءل هل يمكن لمصر أن تستفيد من مثل هذه الرؤية وتطور رؤيتها الخاصة لدبلوماسية رياضية شاملة تسعى لعدم تكرار صفر المونديال؟

التعليقات